الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«إبراهيم الأبيض» جسد التناغم بين عشوائية المكان والمشاعر

«إبراهيم الأبيض» جسد التناغم بين عشوائية المكان والمشاعر
22 يوليو 2009 23:20
قصة حب تحمل جميع مفردات الدراما الأغريقية. ولها شكل أوبرالي والكل يحب «حورية» ويريد الوصول إليها. هكذا وصف المخرج مروان حامد سيناريو أحدث أفلامه السينمائية «إبراهيم الأبيض». والفيلم عن قصة وسيناريو الممثل عباس أبو الحسن وبطولة أحمد السقا ومحمود عبد العزيز وهند صبري وعمرو واكد وحنان ترك وسوسن بدر. مشاهدة الفيلم تكشف عن وجود مساحة بين ما يراه المبدع وأسلوبه في التعبير عن رؤيته ويلعب المكان دور البطولة الرئيسية في الأحداث فهو منطقة عشوائية شديدة الفقر وتضم كل النماذج التي لفظها المجتمع وتبرأ منها ولا تجد وسيلة للحياة إلا عن طريق العنف والتجارة المحرمة. تبدأ الأحداث بطرقات مدوية على باب حجرة مظلمة.. تنتفض الأم (حنان ترك) وهي تحتضن صغيرها «إبراهيم» بينما يستيقظ الأب فزعاً ويفتح الباب بحذر فيدفعه بقوة مجموعة من الرجال الغلاظ ومعهم امرأة يتطاير الشرر من عينيها (سوسن بدر) لتضرب بقسوة الرجل الذي يتساءل عن سبب هذا فيقول له زعيمهم الذي نفهم انه صاحب العمل انه يتهمه بالسرقة ويلفظ الأب أنفاسه أمام زوجته وابنه وببرود يعلن قائد الحملة انه سيتكفل بمصاريف الدفن والجنازة وبالابن الصغير الذي سيأخذه للعمل بدلا من أبيه. وتمضي الأيام لنرى الأم وهي تحاول إنقاذ ابنها «إبراهيم» من أيدي زوجة صاحب العمل التي تضربه بوحشيه لانه يتشاجر مع ابنها المعاق «سمير» وبعفوية ترفع الأم يدها لتصفع المرأة المتوحشة وتأخذ ابنها بعيدا وهي توبخه وتعرف أنها ستدفع حياتها هي الأخرى ثمنا لتلك الصفعة. وتحتضنه وهي تمنحه كل ما بقي لديها وهي قلادة ذهبية وتنصحه بألا يقبل أن يدوسه أحد لانه لو تنازل مرة فسوف يتنازل مدى الحياة. ويفهم «إبراهيم» النصيحة ويظل يكافح في الحياة وبرفض الظلم أو الاستسلام مهما كانت قوة البطش أمامه فنراه يتعرض مرة أخرى لاعتداء صاحب العمل وزوجته بعد أن غلبه النعاس وهو بجوار ابنتهما الطفلة «حورية» ويهرب «إبراهيم» من المكان ويكبر ليصبح (أحمد السقا) ويظل مطارداً تارة من الشرطة وتارة من خصومه في التجارة غير المشروعة لكنه دائماً يحل مشاكله بالسلاح الأبيض وقلبه الميت الذي جعله بطلاً اسطورياً في عيون صديقه «عشري» (عمرو واكد) وهكذا وجد «إبراهيم» صديقاً وشريكاً وسط تلك الغابة. وتتواصل معارك «إبراهيم» وتقوده رعونته وإصراره على تحقيق وصية والدته إلى التصدي «للزرازير» وهم رجال وأبناء الزعيم «عبد الملك زرزور» (محمود عبد العزيز) الذي يسكن أعلى الجبل ويتحكم في مصير أهالي المنطقة ولديه تفاصيل عن حياة كل فرد فيها ولا يجرؤ احد الغرباء على الدخول من دون أن يتعرض له «الزرازير» وهكذا يدخل «إبراهيم» معركة موت بمفرده ويتصدى لعشرات الرجال وما يحملونه من أسلحة حادة وجنازير وشوم ولكنه يجرح ويدمي الجميع. وفي النهاية يظهر الزعيم «عبد الملك زرزور» الذي يبدي إعجابه بجرأة «إبراهيم» وشجاعته لكنه يحذره من مصير غيره من الرجال الذين كانوا أشد قوة وضراوة ويتفق معه على أن يصبح أحد رجاله مقابل الحصول على أرباح تفوق ما يجنيه بمفرده. وقبل أن يترك الحي العشوائي يلتقي «إبراهيم» مع «حورية» (هند صبري) التي أصبحت شابة جميلة حيث وجدها تدخل مشاجرة مع مجموعة من «البلطجية» من أبناء الحي دفاعاً عن نفسها وشقيقها المعاق. ويعجب بأسلوبها المتوحش وجمالها ويعرض عليها اللقاء بعيداً عن الحي وعلى الرغم من سخريتها منه فإنها تذهب في الموعد المحدد وتنجرف «حورية» في حبها ولكن هل يعيش الحب وسط كل هذا العنف؟ يعرف «إبراهيم» أن «حورية» التي يتطلع إليها الجميع بإعجاب محرمة على أي رجل لأنها تمثل نقطة الضعف الوحيدة في حياة الزعيم «عبد الملك زرزور» وهي تعيش في حمايته هي وأمها وشقيقها المعاق بعد وفاة والدها وكم من شاب دفع حياته ثمناً لمجرد أنه تقدم لخطبتها ويقرر «إبراهيم» و»حورية» الهرب بعيداً للنجاة بحبهما وفي تلك اللحظة تفجر «أم حورية» مفاجأة مأساوية حيث تصارح ابنتها أن حبيبها هو قاتل أبيها. وتتحول مشاعر الحب في قلب «حورية» إلى غضب وعنف وترفض الهرب مع «إبراهيم» الذي يجد نفسه خلف أسوار السجن بعد أن تجاوز الخطوط الحمراء المسموح له بها من جانب الشرطة. وفي تلك الأثناء تموت «أم حورية» وتقرر «حورية» الذهاب إلى الزعيم «عبد الملك زرزور» وتعرض عليه أن تعيش في حمايته بشرط إلا يرغمها على الزواج إلا برضاها ولتكتمل فصول الدراما يتصادف خروج «إبراهيم» من السجن مع يوم زفاف «حورية» على الزعيم. ويقرر «إبراهيم» العمل مع زعيم آخر ولكنه لا ينسى حبه الوحيد «حورية» والتي تحولت إلى صاحبة الكلمة الأولى في المنطقة وتفرض سطوتها حتى على الرجال ومرة أخرى يدخل «إبراهيم» السجن ليقضي عقوبة عامين وفي هذه الفترة تعاني «حورية» من الشعور بالوحدة وافتقاد الحبيب وتهرب بين وقت وآخر لتترك «زرزور» يعاني غيابها ولا يقوى على فعل شيء أمامها حتى تعود ويتطلع إليها بحسرة وضعف. وفي إحدى نزواتها تهرب إلى حيث الغرفة التي كان يسكنها «إبراهيم» مع صديقه «عشري» ويفاجأ بها «عشري» ويحاول الاعتداء عليها وهو يؤكد لها أن «إبراهيم» لم يعد يفكر بها وبوحشية تضربه وتستولي على مدخراته هو و«إبراهيم» التي يحتفظان بها تحت بلاط الحجرة وكذلك تأخذ القلادة الذهبية التي ورثها «إبراهيم» عن والدته. ويخرج «إبراهيم» من السجن ويعترف له «عشري» بان «حورية» استولت على مدخرات العمر وكعادته يندفع إلى منزل «زرزور» ويهدد بقتله أمام أبنائه ولكنه ينتزع العقد الذهبي من رقبة «حورية» ويطالبها بإعادة المال. ويرسل «زرزور» إحدى الخادمات إلى «عشري» صديق «إبراهيم» ومعها المبلغ الذي استولت عليه «حورية» وتطلب منه لقاء «حورية» في الجبل وبالفعل تمنحه «حورية» بضعة آلاف من الجنيهات مقابل أن يأتي بصديقه «إبراهيم» للقاء الزعيم في المقهى ليتلقى منه «قرصة ودن» أمام الجميع ثم يسامحه بعدها هكذا وعدها «الزعيم» ويشعر «عشري» بالخوف على صديقه ويعرف انه سيرفض تلك الإهانة لذلك يستدرجه من دون علمه للمقهى، وهناك يدرك «إبراهيم» أن صديقه باعه وتبدأ معركة طويلة وعنيفة أكثر من اللازم وتستمر نحو 15 دقيقة على الشاشة، يستعرض فيها الفيلم براعة الماكييير «القرشي دومنيك» قدرات ومصمم المعارك «هوبكنز» الذي قاد فريق من المحترفين لتقديم صورة غير مسبوقة لمعارك مصرية تعتمد على السلاح الأبيض والجروح القطعية. ويبدو أن التكلفة العالية والحرفية الراقية التي تم تصوير المعارك بها جعلت من الصعب على المخرج اختزال جزء كبير منها مما أصاب الفيلم بحالة من التطويل أكثر من اللازم. رؤية فنية وينتهي الفيلم بمقتل «عشري» أمام «إبراهيم» الذي لم تتحمل «حورية» رؤيته وهو يتعرض للضرب بوحشية وينزف من كل جسده وقبل أن تندفع نحوه يهددها «زرزور» وهو يحمل مسدسه قائلا «إذا هنت عليكي. هنتي علي» وفي اللحظة التي تقرر فيها الاتجاه نحو «إبراهيم» يعاجلها «زرزور» بطلق ناري وتزحف نحو «إبراهيم» الذي يسارع ويحملها بآخر ما بقي له من قوة ويموت الحبيبان وسط بركة من الدماء. قدم السيناريست عباس أبو الحسن في أولى تجاربه السينمائية معالجة غير تقليدية للعشوائيات من خلال نماذج تعيش تحت خط الفقر وأرغمت على احتراف العنف من أجل البقاء.. ونجح مروان حامد في تحقيق المعادلة الصعبة واكتسب تعاطف المتابع مع أبطاله على الرغم من قوة ملامحهم ولعب مهندس الديكور أنسي أبو سيف ومدير التصوير سامح سليم دوراً في رسم لوحات تشكيلية ملأى بالشجن والجمال عكست براعة المخرج في اختياره لأماكن التصوير الشديدة الصعوبة مثل المطاردات فوق سور مجري العيون وبالحواري الضيقة والمنازل بالمنطقة العشوائية. ومنح أداء محمود عبد العزيز دعماً للفيلم وأثبت أحمد السقا أنه نجم الأكشن بلا منازع وعكس أداء هند صبري وعمرو واكد الفهم العميق والتوحد مع الشخصيات وأضافت الملابس التي صممتها ناهد نصر الله ثراءً ومعنى للصورة وانسجمت الموسيقى التصويرية لهشام نزيه مع الأحداث واحتفظ المونتير خالد مرعي بالإيقاع السريع المتلاحق على الرغم من أنه رضخ لرؤية المخرج الذي آثر الحفاظ على تفاصيل المعارك الطويلة والتي ربما تفوق المعتاد في أفلام الغرب الأميركي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©