الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جزيرة السعديات.. من حقول البترول إلى المتاحف

جزيرة السعديات.. من حقول البترول إلى المتاحف
22 يوليو 2009 23:18
تغيرت كثيرًا تضاريس جزيرة أبوظبي عما كانت عليه عام 1971. كانت شركة « CCC» قد بدأت بأعمال إنشائية ضخمة لإقامة ميناء أبوظبي.. وحتى الميناء الذي تم إنشاؤه في تلك الأعوام تلاشى الآن وتم دفن مساحات شاسعة من البحر للدخول إلى المياه العميقة. خليل عيلبوني كانت جزيرة السعديات تبدو جزيرة بعيدة نسبياً عن جزيرة أبوظبي، ولكن بعد التغيرات في الجغرافيا والتضاريس تغيرت الصورة وصارت جزيرة السعديات شبه متصلة بجزيرة أبوظبي. ما زلت أذكر نادي أبوظبي وكنا نسميه النادي الإنجليزي الذي كان يطل على جزيرة السعديات وقريباً من ميناء أبوظبي. كانت العضوية تقتصر على كبار الموظفين من المواطنين والوافدين، وفيه كانت تلتقي العائلات في النهار لممارسة السباحة ونشاطات رياضية أخرى، وفي الليل لتناول طعام العشاء وسماع الموسيقى حيث كانت الخدمة تضاهي خدمة فنادق الخمس نجوم. والجميل في ذلك النادي الذي أزيل فيما بعد أنه كان عائليًا.. وعدد المنتسبين إليه من غير العرب أكثر من عدد العرب.. أننا كنا نمارس رياضة السباحة فيه في حوض السباحة الجميل الذي كان يتميز به عن الفنادق الأخرى.. وإذا فضلنا السباحة في مياه البحر المالحة فلديه شاطئ جميل جذاب ومحمي بالشباك القوية من الأسماك الخطرة كالقرش واللخمة وغيرها.. كما كان يمكن لمن يملك قارباً بخارياً الرسو في رصيف خاص بالنادي والانطلاق منه إلى عرض البحر للنزهة أو لصيد السمك. عضوية النادي الإنجليزي من رشحني لأخذ عضوية النادي كان الدكتور إبراهيم رباح ولا أدري أين هو الآن؟ وكنت سعيداً بالانتساب إلى ذلك النادي لأنه كان في ذلك الوقت يشكل أحد أهم مواقع التسلية والاجتماع. ولم تكن الرسوم التي ندفعها قليلة، ولكنها كانت تجعلنا نتمتع بتخفيض في أسعار الوجبات بحيث لا يمكن مقارنة تلك الأسعار بأسعار الفنادق القليلة التي كانت موجودة في تلك الأيام. وكنت التقي بكثير من الزملاء المواطنين في سهرات ذلك النادي حيث كنا نمارس لعب البلياردو أو لعبة الأسهم الشهيرة في بريطانيا. كانت لعبة البلياردو أو السنوكر من أكثر الألعاب التي شدت المواطنين في ذلك الزمن وكانوا فعلاً يحققون فيها مستويات عالية تجعلهم أنداداً لأبطالها المحترفين. رحلة في القارب كان قارب الدكتور إبراهيم رباح يجمع بين الشراع والمحرك.. وكنا نتجمع فيه وننطلق إلى جزيرة السعديات القريبة لنقضي نهارنا على شواطئها الساحرة ونتناول طعام الغداء الذي كنا نعده فوق رمال الشاطئ. ولم أكن أتخيل في ذلك الوقت مدى اتساع جزيرة السعديات.. كنت أعتقد أنها صغيرة إلى أن تعرضت يوماً لتجربة قاسية لن أنساها مهما مرّ الزمن. دعانا أحد الأصدقاء أعتقد أنه الأخ يوسف ثقالة لرحلة صيد بحرية في قارب صغير جدًا ذي محرك واحد. انطلقنا من النادي السياحي الذي أنشأته وزارة الإعلام والسياحة بعد عدة سنوات من إنشاء النادي الإنجليزي. وبعد أن دخلنا في المياه العميقة وتجاوزنا الطرف الشرقي من جزيرة السعديات تعطل المحرك.. وبدأ التيار يجرفنا إلى داخل البحر.. وصادف بعد حوالي ساعتين أن مرّ مركب صيد خشبي يملكه أحد المواطنين الصيادين المقيمين في جزيرة السعديات.. أشفق علينا وجرنا خلفه حتى وصلنا طرف الجزيرة الشرقي وهناك اكتشفنا أن المحرك يعمل ولكن صاحبنا يوسف نسي ملء خزان الوقود. زودنا ذلك المواطن الطيب بالوقود الكافي لإكمال الرحلة إلى جزيرة أبوظبي ومضى. اتجهنا جنوبًا ثم غربًا قريبين دائماً من شاطئ الجزيرة متجهين عبر ما يشبه قناة تفصل بين جزيرتي أبوظبي والسعديات.. وطالت الرحلة.. وأقبل المساء.. وإدلهم علينا الليل والمحرك الصغير بـ«الكاد» يدفع القارب بسرعة تقل عن خمسة كيلومترات في الساعة. كنا في ريعان الشباب.. سعداء بالمغامرة.. خاصة عندما يصطدم القارب بالمياه الضحلة بمرتفع رملي وقد نتج عن تلك الاصطدامات سقوطنا عدة مرات في الماء لأننا كنا وقوفًا غير ممسكين بشيء. وصلنا بعد منتصف الليل إلى رصيف النادي السياحي وعندها أدركت أن جزيرة السعديات جزيرة كبيرة فعلا وأنها يمكن أن تتصل بجزيرة أبوظبي لتشكل امتداداً حضارياً يمكن أن تقوم فوقه منشآت صناعية وسكنية وسياحية غير عادية. مشروعات اقتصادية وعندما اختار صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، وكان في ذلك الوقت ولياً للعهد ورئيساً للمجلس التنفيذي لأبوظبي، عندما اختار جزيرة السعديات لتكون مقراً وموقعاً لنشاط شركة الإنشاءات البترولية التابعة لشركة بترول أبوظبي الوطنية «أدنوك»، وشركة «CCC».. عرفت أن تلك الجزيرة بدأت الخطوات الأولى على طريق العمران والتطور. لحقت تلك الشركة فيما بعد شركة أخرى كانت مختصة في إنتاج الوحل الصناعي الذي تحتاجه آبار البترول المحفورة.. وكان الوصول إلى تلك الجزيرة يتم دائماً عن طريق العبّارات والمراكب والزوارق ذوات المحركات الصغيرة والكبيرة. سجلت عدداً من الحلقات التلفزيونية لبرنامجي «الذهب الأسود» مع شركة الإنشاءات البترولية وشركة «ادكاب»، وما زلت أحتفظ في أرشيفي الخاص ببعض هذه التسجيلات ولم أنس بطبيعة الحال تصوير الجزيرة التي على الرغم من نشاط شركتين كبيرتين فيها إلا أن المساحة الأكبر لها كانت عبارة عن رمال لا أثر للحياة فيها.. ولم تكن مواقع ومكاتب وبيوت السكان في الجزيرة في ذلك الوقت تحتل إلا أقل من خمسة بالمائة من مساحتها الإجمالية. اليوم تغيرت الصورة.. وها هي السعديات تحتضن المتاحف والعمارات الضخمة وتنشأ فوقها مدينة جديدة مختلفة بكل تأكيد عن تلك الصورة التي رسمتها لها في زمن البدايات.. ولكنني لا أخفي حنيني إلى تلك الشواطئ الساحرة التي لم تقم يد الإنسان بالتدخل فيها والتي كنا نقضي فوقها ساعات لا تنسى، نقوم خلالها بطبخ ما صدناه في المياه القريبة من تلك الشواطئ ثم نعود في المساء إلى جزيرة أبوظبي القريبة حاملين أجمل الذكريات وألطف الحكايات.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©