الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المكلا.. هنا انكسر الإرهاب

المكلا.. هنا انكسر الإرهاب
4 يونيو 2016 20:23
ماجد عبدالله (عدن) عادت الحياة من جديد تدب في مدينة المكلا، مركز محافظة حضرموت، بعد تحريرها بـ 24 ساعة من تحرير القوات الشرعية المسنودة بالتحالف العربي من حضور التنظيمات الإرهابية التي ظلت مسيطرة على المدينة قرابة عام و22 يوماً. واكتظت الشوارع بالمواطنين والأهالي المتوجهين إلى أشغالهم وأعمالهم المعتادة، حيث فتحت المحال التجارية أبوابها بشكل طبيعي ودبة الحياة في أسواق المدينة العتيقة إيذاناً منهم بانتهاء حقبة سوداء مظلمة كانت جاثمة على صدر المحروسة منذ 2 أبريل 2015، تحت مسميات «أنصار الشريعة»، و«القاعدة»، و«داعش». رسالة واضحة بعث بها أبناء المدينة سواء من الترحيب الشعبي لدخول القوات الحكومية، أو من خلال تطبيع الأوضاع بصورة سريعة في المدينة، بأن الأهالي كانوا تواقين للخلاص من هذه التنظيمات. مدينة المكلا، أو كما يطلق عليها الأهالي محروسة حضرموت، تقع على البحر العربي، في الجزء الجنوبي للمحافظة، وهي ثالث أهم مدينة يمنية بعد العاصمة صنعاء وعدن، وبرز ظهور تنظيم القاعدة في حضرموت في عام 2012 عقب حملة عسكرية شنتها القوات الحكومية لتحرير محافظتي أبين وشبوة من سيطرة التنظيم، حيث انتقل التنظيم إلى المحافظة وبدأ بتنفيذ عمليات اغتيال وهجمات على مرافق حكومية وأخرى عسكرية في بعض المدن بساحل ووادي حضرموت، لينتهي المطاف بإعلان سيطرته الكاملة على المكلا عاصمة حضرموت مطلع أبريل من العام الماضي، ومنذ ذلك الحين ارتبط اسم تنظيم القاعدة بمحافظة حضرموت، والمدن الساحلية على رأسها المكلا بشكل خاص. وعقب استحواذ القاعدة على القوة العسكرية التي كانت في المدينة من آليات وذخائر، شرع التنظيم بتشريع قوانين جديدة من خلال هيئات إنشائها عرفت بالحسبة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرها من اللجان التي شكلها من أجل الاستحواذ على مقدرات المدينة الاقتصادية ومواردها الرئيسية، واتخذ من مبنى المؤسسة الاقتصادية موقعاً للقضاء الخاص به وموقعاً لتنظيم أحكام الإعدام التي يصدرها، حيث شهدت فترة حكم التنظيم عمليات إعدام عديدة بحق مدنيين بينهم نساء. واستغل القاعدة الحرب المشتعلة من قبل مليشيات الحوثي والمخلوع صالح للتمدد بشكل كبير في مدن مجاورة للمكلا مثل الشحر والغيل والقطن، لتصبح حضرموت أهم معقل للتنظيم خلال فترة وجيزة، على الرغم من أن حضرموت غير حاضنة للفكر الجهادي فهي تعد من المناطق اليمنية الأكثر اعتدالاً، نظراً لظهور المدرسة الشافعية المعتدلة، وأيضاً لكثر دور العلم والعبادة البعيدة عن الفكر الإرهابي. تمكن التنظيم من إحكام السيطرة على من خلال سياسة التهريب التي كانت ينتهجها من خلال أعمال القتل والاعتقالات التعسفية وتنفيذ أحكام الإعدام العلنية على معارضيه ناهيك على أعمال السطو المتكررة على البنوك التجارية والشركات العاملة في الجانب المالي، فتوقفت كافة البنوك التجارية خشية تعرضها للهجوم والسطو. كما عمدت تلك الخلايا الإرهابية على قمع الاحتجاجات والتوغل في الموروث الشعبي والثقافي الذي تتميز به محافظة حضرموت عن بقية المحافظات ومحاولة تغيير العادات والتقاليد عبر أفكار جديدة تحت مسميات دينية مغايرة ومتشددة. حضرموت .. نقطة اقتصادية رابحة تعد حضرموت من المحافظات اليمنية الأكثر مساحة، إلى جانب أهميتها الاستراتيجية في الاقتصاد الوطني من خلال ما تمتلك من ثروة نفطية كبيرة وإشرافها على ثلاثة موانئ رئيسة بحرية أهمها ميناء الضبة النفطي، حيث تمتلك حضرموت هضبة جنوبية التي تعد الأغنى والأكثر إنتاجاً للذهب الأسود، تعمل فيها عدد من الشركات العالمية في تنقيب النفط في هذه الهضبة مثل شركة توتال، دوف، نكسن، بترومسيلة، ولهذا كانت أنظار التنظيمات الإرهابية تتجه صوبها باستمرار من أجل السيطرة على هذه الموارد الاقتصادية. على الرغم من المقومات الاقتصادية الضخمة والتي تمتلكها هذه المحافظة إلا أن نسبة العاطلين عن العمل يفوق التوقع، ناهيك عن الأوضاع المعيشية الصعبة والفقر المدقع الذي يعاني منه أهالي حضرموت الغنية، فكان الشباب صيد سهل لتنظيم القاعدة من أجل إنشاء قاعدة بشرية له، واستقطاب المئات من الشباب للانخراط في صفوفه. وقال أحد الشباب المغرر بهم: «لم نجد أعمالاً أو وظائف، خصوصاً وأن الحوثيين كانوا يهددون حضرموت بعد احتلالهم لمدينة عدن ومدن الجنوب وبقية حضرموت والمهرة المحافظتين اللاتي لم تتعرض لأية هجمات لهذه الجماعة، تم إقناعنا بأن التنظيم في حال انضمامنا سيعمل على التصدي لهذه الغزو الإيراني، ولهذا انخرط الكثيرون الشباب العاطلين عن العمل». وعمل التنظيم على إقصاء كل المدارس الدينية التي كانت تتميز بها حضرموت، وخصوصاً المدرسة الصوفية، وشرع فيما أسماه تصحيح المعتقدات وبث فكر متشدد على مساجد المدينة من أجل الترويج لأهدافهم ونهجهم، كما قام التنظيم أيضاً بتفجير قباب علماء ومشائخ دينية بارزة وتاريخية يعود بناؤها لمئات السنين وهي مواقع تاريخية ليس إلا، ولا يتم التعبد بجوارها كما روج لها التنظيم قبيل تفجيرها وتفخيخها. ويرى مراقبون إن سيطرة التنظيم على حضرموت، جاءت للسيطرة على أهم مورد اقتصادي في اليمن، فعمد على استهداف السجن المركزي وإخراج قيادات وعناصر تابعة له من أجل المشاركة في عملية السيطرة على المحافظة بأيادي أبنائها المسجونين على ذمة قضايا متعلقة بالإرهاب، وكان أبرزهم باطرفي، الذي عين أميراً على المكلا عقب خروجه مباشرة، وهذا أسهم أيضاً في استقطاب بعض أبناء المدينة أنفسهم للانخراط في صفوف القاعدة، ولكن الأغلبية كانت تفرض هذه الأمر من منطلق المكون الاجتماعي والديني في حضرموت الذي يرفض هذا الفكرة بشكل نهائي. عملية التحرير الخاطفة على الرغم من أن التنظيم سيطر على معظم حضرموت وخصوصاً الشريط الساحلي منذ أكثر من عام، إلا أنه عجز بشكل كامل على بسط نفوذه بشكل كامل على كل المناطق والمواقع، بدءاً من أن حضرموت تمتلك مساحة كبيرة جداً، وكذا قلة العناصر التي توزعت في مواقع كثيرة، فحاول التنظيم بث رغم الاعتدال والاقتراب من الأهالي بغية كسب الوقت لمزيد من الاستقطاب وجذب عناصر من مختلف محافظات اليمن إلا أن مواصلة استهدافه من قبل طائرات من دون طيار الأميركية حتى على قيادات التنظيم وعناصره عدم التواجد علنياً بكثرة في هذا المحافظة المكشوفة وغير المؤمنة بالنسبة لتنظيم يخوض أولى تجارب السيطرة في بيئة طاردة وليست جاذبة. في منتصف أبريل وصلت قوات عسكرية ضخمة قوامها قرابة 200 آلية عسكرية متنوعة، للاستعداد لتنفيذ عمليات عسكرية ضد تنظيم القاعدة في حضرموت بمساندة التحالف العربي على رأسها الإمارات والسعودية، انطلقت العمليات القتالية في يوم الأحد 24 أبريل 2016 بعد سلسلة غارات جوية مكثفة استهدفت مقرات القاعدة ومعسكراتهم والمواقع التي يتمركزون فيها، وتمكنت على أثرها القوات البرية من السيطرة على المدينة صبيحة اليوم التالي 25 أبريل عقب مواجهات محدودة مع التنظيم الذي فر باتجاه محافظة شبوة عقب خسارته العشرات من أنصاره ومعظم القوة العسكرية التي استولى عليها من احتلالها لحضرموت. وقال قائد عملية تحرير مدينة المكلا، العميد فرج عوض البحسني: القوة تحركت وقوامها 11 ألف مقاتل انطلقت من معسكر الهضبة وسط حضرموت توزعت على ثلاثة محاور محور في الشرق باتجاه المعدي ومحور أوسط باتجاه العليب ريدة الجوهيين رأس عبدالله غريب الريان بويش خلف وهي أولى القوات التي دخلت المكلا ومحور غربي عن طريق القبلية الحرشيات، مشيراً إلى أن القوة العسكرية تم تهجيرها خلال 45 يوماً وأنهم أخذوا تدريبات مكثفة على أيدي ضباط حضارم أكفاء. وقال: اشتركت في عملية التحرير القوات الجوية والبحرية، وكان لضربات الطيران الحربي مساهمة كبير، حيث حقق أهدافه بدقة عالية استهدفت تجمعات عناصر القاعدة وقياداتهم. ولعب التحالف العربي وعلى رأسه السعودية والإمارات دوراً محورياً وبارزاً من خلال الإشراف والمشاركة الميدانية في عملية تطهير المكلا من القاعدة، ووجه رسالة قوية للعالم من خلال تغير أهدافه باتجاه محاربة هذا التنظيم إلى جانب محاربته للمتمردين في اليمن، إن استقرار اليمن وأمنه يمثلان أساساً لأمن المنطقة العربية، فالتحالف يرفض أن يكون هناك أي تهديد للأمن القومي في المنطقة. التنظيمات الإرهابية ذراع أخرى للمتمردين المحلل والباحث السياسي،الدكتور علي صالح الخلاقي، قال إن ما تحقق في المكلا خلال وقت قصير أثار دهشة العالم أجمع، خاصة وأن تلك الضربات الموجعة لخلايا ومراكز القاعدة في حضرموت قد تمت بعملية نوعية وبصورة منسقة ومعد لها إعداداً جيداً، أذهلت ليس فقط المتابعين والمحللين، بل المواطنين أنفسهم الذين فوجئوا بتلك العملية الناجحة، وتخلصوا من كابوس جثم على صدر المكلا ومحافظة حضرموت عاماً كاملا. وأضاف أن نجاح العملية جاء ضمن سلسلة الحملات الأمنية في عدن ولحج وأبين لملاحقة تلك الخلايا الإرهابية التي زرعها المخلوع صالح في المدن الجنوبية المحررة من سيطرته، في حين إن لا أثر للتنظيمات الإرهابية في المحافظات التي يسيطر عليها المخلوع ومليشيات الحوثيين، وهذا دليل قوي على صلة تلك التنظيمات بهذه القوى. وأشار إلى أن هذه التنظيمات هي إحدى أدوات المتمردين التي استخدموها لإلحاق الضرر بالمحافظات المحررة حتى يثبتوا أن لا أمن ولا أمان إلا بوجودهم، وهذه الضربة في تقديري ليست موجهة لمراكز القاعدة، ولكنها بالدرجة الأولى موجهة لعصابات الحوثيين وقوات المخلوع الذين فقدوا مبرراً لما يسوقوه أمام الدول الخارجية من أنهم يقاومون الإرهاب، بل أنهم جزء من هذا الإرهاب وهم من زرعه. وأضاف الدكتور الخلاقي أنه ليس فقط القاعدة هي التي فقدت مصادر تمويل من ميناء المكلا ومن الموارد النفطية في هذه المحافظة الغنية ، بل إن المخلوع ومليشيات الحوثي فقدوا أيضاً تلك الموارد التي كانت تهرب إليهم من تلك المنافذ بما في ذلك الأسلحة التي كانت تهرب بطرق غير شرعية وسرية عبر تلك الشبكات الإرهابية التي اتضح ضلوعها بقوات الحرس الجمهوري الموالي لهم». القرني: تحرير المكلا رسالة لمن يدعم الإرهاب في اليمن وأكد مساعد قائد عملية تحرير المكلا العميد عون القرني، تم تحرير حضرموت من براثن الإرهاب والإرهابيين وبعزيمة الرجال الأبطال سيعود الأمن والأمان لهذه البلاد، فليسعد أهل اليمن وحضرموت بهذا الانتصار العظيم وهذه الانتفاضة المباركة انتفاضة الحق على الباطل». وأضاف: «نحن في دول التحالف لبينا نداء الشرعية ونداء إخواننا في اليمن فهذا واجب شرعي لا يمكن تجاهله، وما قامت به قوات التحالف، ممثلة بالمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة من دعم للمقاومة والشرعية في عملية المكلا يعتبر رسالة لمن يدعم الإرهاب في اليمن»، موضحاً «لقد تم تسخير الإمكانات والوسائل اللازمة لتنفيذ ما خطط له من قيادات قوات التحالف، فتم إنجاز المهمة في وقت قصير ومحدد وبأقل الخسائر». وقال: «من هذه اللحظة فإن التحالف يتطلع إلى قوات الشرعية أن تستثمر هذا الانتصار في إعادة الاستقرار لهذا البلد، وذلك من خلال تفعيل دور أجهزة الدولة لتسهيل إجراءات الخدمات في مختلف النواحي التي تلبي احتياجات المواطنين وسوف يستمر التحالف بتقديم الدعم للشرعية حتى تستقر الأوضاع في اليمن». هشاشة التنظيمات المدسوسة أكد المحلل والباحث السياسي، الدكتور علي صالح الخلاقي، هشاشة تكوينات تنظيم القاعدة في حضرموت التي دلت على أنها جماعات مدسوسة يموله ويحركه المخلوع صالح كيف ما يشاء، وهذه الضربة السريعة والخاطفة بينت أن هذه التنظيمات مجرد ورقة بيد المخلوع والحوثيين للضغط وابتزاز الإقليم والعالم بحجة الإرهاب، من أجل الحصول على الدعم لمكافحته»، منوهاً «أن العمليات السريعة لا شك أنها ستتواصل بدعم من قوات التحالف العربي التي قدمت دعماً لوجستياً وأعدت القوات الجديدة التي يُعهد إليها بحماية الأمن والنظام وملاحقة تلك الخلايا، ولا بد في الوقت الحاضر أن يلتف العالم وخاصة الأصدقاء والأشقاء لدعم المؤسسات الجديدة من الأجهزة الأمنية والعسكرية حتى تتمكن مساندة قوات التحالف العربي في تحقيق مزيد من الانتصارات في مواجهة الأخطار التي تهدد أمن المنطقة بشكل عام واليمن شمالاً وجنوباً». ولفت د. علي الخلاقي: «المكلا الآن بدأت تتنفس الصعداء، وأزاح المواطنون عن كاهلهم معاناة عام كامل، وعادت الحياة الطبيعية إلى سابق عهدها، هذه رسالة على أن المحافظات المحررة وبالذات في الجنوب لا تقبل إرهاب الحوثي ولا إرهاب القاعدة، ويجب استمرار ملاحقة من تبقى من تلك الخلايا سواء في حضرموت أو في المناطق التي لجأوا إليها».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©