الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اقتصاد الصين.. وفاتورة التلوث

17 مارس 2014 22:58
سبعة ملايين نسمة يقطنون مدينة شينغتاي بمقاطعة «خبي» الصينية، فيما مصانع الصلب والأسمنت التي تحوط المدينة تملأ السماء بسحابة من المواد الملوثة. وهذه المدينة الصينية نموذج للتحدي الذي يواجهه العملاق الآسيوي لإحداث توازن بين رغبة جامحة في نمو اقتصادي لا ينقطع لرفع مستويات الدخل، ومطالبات لا تكل أيضاً من المواطنين بحماية الصحة العامة. وقد وصل تلوث الهواء في المدينة حداً دفع رئيس وزراء الصين «لي تشيانغ» لأن يقول في افتتاح الاجتماع السنوي للمؤتمر الشعبي القومي الأسبوع الماضي إن كارثة تلوث الهواء لا يمكن تجاهلها. وفي المجلس الذي لا يفعل غالباً إلا الموافقة على ما تقرره قيادة الحزب الشيوعي الصيني، صرح «لي» قائلاً: «سنعلن بحسم الحرب ضد التلوث كما أعلنا الحرب على الفقر». وفي مقاطعة «خبي» سبع من عشر مدن هي الأسوأ في الصين من حيث جودة الهواء بحسب التصنيف اليومي الذي بدأت بكين تنشره في الربيع الماضي. وغالباً ما تتصدر «شينغتاي» القائمة، فمصانعها تستخدم القليل من آليات التحكم الحديثة في التلوث ولذا تتصاعد سحب من الغبار والدخان في سماء المدينة التي لم تستجب للمعايير الوطنية لجودة الهواء إلا في 38 يوماً فحسب خلال عام 2013. والهواء الملوث ينحرف أحياناً إلى بكين ليغلف العاصمة بسديم قد ينتشر في طبقات الجو لينتقل إلى بلدان مجاورة بحسب وجهة الرياح، وقد يصل حتى إلى الولايات المتحدة. وتتعرض المراكز الصناعية لضغوط من الحزب الشيوعي كي تحافظ على مستوى الإنتاج، ومحطات توليد الطاقة والمصانع تجد غالباً سبلاً لحجب ما تسببه من تلوث عن نشطاء البيئة والمفتشين الذين يحاولون الدخول إلى سجلات الانبعاثات ومراقبة عمليات التحكم في تلوث الهواء. وتدعي الصين أمام المنظمات الدولية أن لديها بعضاً من أشد القوانين البيئية صرامة في العالم. ويرى نشطاء البيئة أن هذا قد يكون صحيحاً ولكن القوانين تتجاهلها غالباً المصانع والأجهزة الحكومية المشرفة على تطبيقها أيضاً. ولطالما هاجم «ما جون» مدير معهد الشؤون البيئية والعامة الذي يتخذ من بكين مقراً له البيروقراطية الصينية، داعياً إياها إلى تطبيق القانون، مؤكداً على وجود «المال والتكنولوجيا لعلاج المشكلة». وفي أغنى مدن الصين مثل شنغهاي وبكين يمثل تلوث الهواء موضوعاً للجدل، لا مفر منه. فقد تزايد عدد الأشخاص الذين يضعون الكمامات للوقاية من سرطان الرئة وأمراض القلب والمشكلات الصحية الأخرى مع تزايد سحب التلوث. وفي مدينة شينغتاي لا يرتدي الكمامات إلا قلة من الناس على رغم أن سحب التلوث أكبر 20 مرة غالباً من المستويات التي تعتبرها منظمة الصحة العالمية آمنة. ومن المعروف أن الجسيمات الملوثة التي تعرف اختصاراً باسم «بي. إم.2.5» تنبعث عن محطات توليد الطاقة ومصادر التلوث الأخرى تستطيع بسهولة أن تدخل الرئة. ومع أن معظم المدن الأميركية تسجل مستوى كثافة من هذه الجسيمات يقل عادة عن 20 ميكروجرام للمتر المكعب إلا أن هذا المستوى يتجاوز عادة في شينغتاي 500 ميكروجرام للمتر المكعب، وهو ما لا يحدث في الولايات المتحدة إلا في حالات حرائق الغابات. ويعتقد نشطاء البيئة أنه السبيل الوحيد لتقليص سديم المواد الملوثة الذي يثير غضب السكان ويمنع وصول السياح من الخارج هو التعاون الإقليمي بين عدد من المقاطعات. ولكن هذا التعاون يتطلب إصدار أوامر تنفيذية من القيادات العليا للحزب الشيوعي وتطبيقاً حقيقياً على المستوى المحلي. ولكن هناك بعض التقدم. ويشير «لوي شوي» الذي يعمل في التحكم في الإنتاج في محطة «هينجشوي» لتوليد الطاقة المملوكة للدولة في مقاطعة «خبي» إلى أن المحطة قلصت اثنتين من مواد التلوث الأساسية وهما ثاني أوكسيد الكبريت وأوكسيدات النتروجين إلى أقل من معايير الحد الأدنى القومي العام الماضي. وأضاف: «إن إجراءات حماية البيئة لم تكن صارمة في الماضي ولكن الحكومة تتخذ إجراءات أشد الآن... وبياناتنا تُراقب على مدار الساعة». وقد ذكرت وكالة الأنباء الصينية الرسمية «شينخوا» أن مقاطعة «خبي» وعدت بأن تقلص قدرتها الإنتاجية من الأسمنت والصلب سنوياً بنحو 60 مليون طن بحلول عام 2017، وأن تقلص أيضاً استهلاك الفحم بنحو 40 مليون طن عن مستويات عام 2012 مع وعد بإقالة المسؤولين الذين يتجاوزون حصة الإنتاج. وأضافت الوكالة أن المسؤولين على امتداد البلاد سيجرى تقييمهم على أساس خفض التلوث وليس على أساس النمو الاقتصادي، وتستهدف مدينة شينغتاي تقليص المواد الملوثة بنحو 30 في المئة بحلول عام 2017 مما يتطلب تقليص استهلاك الفحم بما يزيد على مليوني طن. ولكن رئيس بلدية شينغتاي لم يذكر شيئاً عن تقليص الجسيمات الملوثة في تقريره السنوي الذي صدر حديثاً. ويحذر معهد الشؤون البيئة والعامة من أن «هذه الخطط تمس بعض القضايا التي طالما كانت بعيدة عن البحث، ولكن دون تطبيق سيكون الأمر صعباً جداً»، مؤكداً أن على المؤتمر الشعبي الوطني ومسؤولي الحكومة ورجال الصناعة أن يتعاونوا ويراقبوا بعضهم بعضاً لخلق نظام لوضع كل شيء تحت الرقابة العامة إذا أرادوا تحقيق نتائج إيجابية بالفعل. وعلى رغم الغضب المتزايد بشأن التلوث، الذي تجلى بعضه في صورة احتجاجات لعرقلة إقامة مصانع، إلا أن كثيراً من الصينيين يكتفون بشراء الكمامات وليس المطالبة بالتغيير. ويلقي منتقدون باللائمة على قيود الحزب الشيوعي المفروضة على المجتمع المدني بهدف إحباط العمل المنظم الذي قد يتحدى سلطة الحكومة. وتحتاج الصين على المدى الطويل منح المزيد من الحرية للجماعات والمنظمات غير الحكومية التي ما زال ضعفها يحول دون لعبها دوراً مؤثراً في حشد الناس لمكافحة التلوث. ‎كالوم مكلويد كاتب متخصص في مجال البيئة ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©