الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مقبرة الأحياء

24 ابريل 2017 00:22
قبل فترة ذهبت لزيارة جارنا الملاصق لبيتنا، فلما وصلت إلى هناك ضغطت على زر جرس الباب فخرج صاحب البيت، وبعد السلام بادرني قائلاً بأن فلاناً – يقصد ابنه – ليس موجوداً فقد انتقل إلى منطقة أخرى ولم يقل لي تفضل، حينها شعرت بأن عليَّ أن أعود للبيت، فودعته وقفلت راجعاً. يقال إن المدنية الجديدة غيرت مفاهيم الإنسان العصري، وجعلته يتخلى عن قيمه، والحقيقة ليست كذلك، فالإنسان بذاته هو من يغير نفسه بنفسه، وليست المدنية العصرية وليس المال وليس المنصب والجاه، فما الذي يدعو شخصاً إلى أن يبتعد عنك أو يجافيك ويحتقرك، هل هو ماله وجاهه؟ كلا فهناك من يملك أكثر منه مالاً وهو ذو منصب رفيع، لكنه في قمة الأدب والتواضع، فأين الخلل إذا؟! كنا نقول قديماً «الجار قبل الدار»، واليوم نقول «الدار قبل الجار»، وتلك قضية أخرى تعتمد على عوامل عدة، لكن القضية الآن هي كيف يعيش الجيران؟ هل يهتم بعضهم ببعض؟ هل يحس بعضهم ببعض؟ الحقيقة أن الكثير من التجمعات السكنية تحولت إلى مقابر لولا وجود المساجد التي تجمع أهالي المنطقة. زارنا في أحد الأيام زائر من خارج المدينة بعد أن وصفنا له موقع بيتنا، فقضى وقتاً طويلاً وهو يبحث عنه ويقف أحياناً أمام البيوت ليسأل عنه ويمر من أمامه ولا يعرفه، إلى أن وقف أمام بيت جارنا الذي يقابلنا وجهاً لوجه، فسأل أصحاب البيت عن بيتنا وذكر اسم صاحب البيت، ولكنهم ردوا عليه بعدم معرفتهم بالبيت ولا بصاحبه، فغادر الموقع. بعد ساعات عدة من البحث، توصل للبيت، وكانت نقطة التعجب ليست في قضاء الساعات الطوال في البحث عن البيت رغم أننا وصفنا موقعه، لكن القضية الآن كيف لم يتعرف الجار على جاره المقابل له الذي يفترض أن يتواصل معه وقد يلتقيان في المسجد وفي مناسبات أخرى؟ هذا مما ينذر بالخطر حين تقف الحواجز بين الجيران رافعة شعار «إذا سلمت ناقتي ما عليَّ من رباعتي»، فكل أسرة مشغولة بنفسها وبأفرادها لا يهمها غيرها، وباتت البيوت مصفوفة كمقبرة الأموات التي لا يرى فيها الموتى بعضهم بعضاً ولا يتزاورون. لا ينبغي أن نعيش كالموتى لا يعرف بعضنا بعضاً ولا يسأل بعضنا عن بعض، يمرض الجار ويتوعك في المستشفيات ويسافر للخارج ولا نعلم بذلك إلا حين نرى ازدحام الناس وتوافدهم على بيته، فلا نعلم بذلك، هل هو عرس أم مأتم إلا حين يحمل على الأعناق؟!! بل إن كثيراً من الجيران لا يزورون الجار بحجة أن الآخر لم يقم بزيارته أو لأنه يشعر بأنه لو زاره كأنه محتاج إلى جاره، فالقضية تحتاج إلى مبادرة وإرادة شخصية في تطبيق سنة زيارة الجيران التي وصانا بها الرسول صلى الله عليه وسلم، والتي هي جزء من عاداتنا وتقاليدنا التي تكاد تكون مهجورة. يجب أن يكون هناك مبادرون للزيارات بين الجيران، هدفهم التعارف بين الجيران والتواصل فيما بينهم، ليس بإقامة الولائم وإنما بقيام شخصين أو ثلاثة بجولات تعارف بين الجيران والتواصل فيما بينهم، هذا مما يقوي العلاقات بين الجيران والتواصل فيما بينهم. يجب أن نعيد العلاقات التي كانت تربطنا بين الجيران حين كان الجيران يعيشون كبيت واحد، وعلاقاتهم كالجسد الواحد، يحس الجميع بما يقع للواحد منهم، يجب أن نكسر الحواجز التي بيننا، ونحول بيوتنا من مقابر إلى جنات، ونهر ينعم بها جميعاً. فيصل بن زاهر الكندي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©