الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

الانتخابات الرئاسيـــة الفرنسيـة «كرنفال» على صفيح ساخن

الانتخابات الرئاسيـــة الفرنسيـة «كرنفال» على صفيح ساخن
23 ابريل 2017 13:42
يسرى عادل (أبوظبي) يستعد الناخب الفرنسي للإدلاء بصوته في الانتخابات الرئاسية الفرنسية اليوم، بعد يومين من العملية الإرهابية التي قام بها كريم شريف الملقب بـ «أبو يوسف البلجيكي» أحد المنتمين لتنظيم «داعش» الإرهابي والتي قتل خلالها شرطي فرنسي بجادة الشانزيليزيه، ليجد الناخب الفرنسي نفسه مشتتاً في إختيار مرشحه المفضل ، خاصة وأن هذه العملية تمثل حلقة جديدة يخشاها الشارع الفرنسي بعد أن أودى مسلسل الإرهاب بحياة 239 ضحية منذ 2015 في فرنسا. وتأتي هذه الهجمة بمثابة «الهدية» التي ينتظرها اليمين بشقيه ممثلين بزعيمة اليمين المتشدد مارين لوبان، والمحافظ فرانسوا فيون اللذين سرعان ما استغلا الهجوم، محاولين كسب تأييد الشارع قبل الصمت الانتخابي، وهو ما دفع رئيس الوزراء برنار كازنوف إلى مهاجمة لوبان وفيون، مؤكداً ضرورة عدم إعاقة الانتخابات، ونشر 50 ألف شرطي و7 آلاف عسكري. وفي مؤشر إلى الأهمية المتزايدة التي تثيرها الانتخابات الفرنسية بالخارج، تطرق الرئيس الأميركي دونالد ترامب للاستحقاق، مغرداً «هجوم إرهابي آخر في باريس، الشعب الفرنسي لن يتحمل مزيداً من هذا، سيكون لذلك تأثير كبير على الانتخابات»، فيما قال وزير الداخلية الألماني توماس دي ميزير «ما حدث في فرنسا يملأنا بالحزن والاشمئزاز، وليس مصادفة قبل الانتخابات الفرنسية» ويثير إمكان فوز لوبان وزعيم «فرنسا المتمردة» جان لوك ميلانشون، خروج فرنسا من الاتحاد الأوروبي. وتبقى المعضلة بهذه الاستطلاعات بنسب مَن لم يحسموا خيارهم حتى ساعات قليلة من فتح مراكز الاقتراع والمتمثل عددهم ما بين ثلث إلى ربع الناخبين، ومثلهم تقريباً مَن أعلن امتناعه عن التصويت، مع العلم أن 47 مليون ناخب مدعون للإدلاء بأصواتهم. وإزاء ما تقدم، من الطبيعي أن ينظر العالم إلى الانتخابات الفرنسية بعين الترقب والاهتمام، لما تمثله فرنسا في الثقافة الغربية كدولة علمانية، يعتبرها البعض من إحدى ركائز الديمقراطيات الغربية. ولكن قبل الدخول فيما تحمله هذه الانتخابات من توقعات ونتائج محتملة، حري بنا أن نلقي الضوء أولاً على أبرز المرشحين، وملامح برامجهم الانتخابية، في الانتخابات التي سيجرى دورها الأول اليوم، على أن يستكمل الدور الثاني في حال عدم بلوغ أحد المرشحين الأغلبية المطلوبة في مايو القادم، وسط تتابع إعلان شخصيات سياسية من اليمين واليسار والوسط ترشحها لخوض الرئاسيات. فمن هم أبرز المرشحين وما هي البرامج التي يطرحونها؟ فرانسوا فيون سياسي يميني فرنسي، ولد عام 1954 في مدينة لومن الفرنسية، وحاصل على دبلوم في الدراسات المعمقة من جامعة باريس ديكارت، وماجستير في القانون العام من جامعة «مان». انضم فيون إلى حزب «التجمع من أجل الجمهورية» (آر بي آر)، ثم التحق بحزب الاتحاد من أجل حركة شعبية الذي تحول لاحقا إلى حزب «الجمهوريون». وتبوأ مناصب عدة حيث انتخب عضواً في الجمعية الوطنية الفرنسية مرات عديدة، كما كان عضواً بمجلس الشيوخ، وتولى وزارة التعليم العالي والبحث (1993-1995) ووزارة الاتصالات والبريد (1995-1997). وتولى فيون رئاسة الوزراء خلال حكم الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي لثلاث دورات منذ عام 2007 وحتى عام 2012. دخل عام 2016 سباق الانتخابات التمهيدية لليمين الفرنسي لتحديد مرشح هذا التيار للانتخابات الرئاسية الفرنسية 2017، ولعل برنامجه الانتخابي يبدو واضحا باستباقه الانتخابات باصداره كتاب «هزيمة الشمولية الإسلامية»، لكنه بالمقابل يحمل فكراً سياسيا ليبيرالياً، يطرح جملة من الإصلاحات الاقتصادية تشكل قطيعة جذرية مع السياسة التي اعتمدها اليسار الحاكم. وهو يريد إحداث ما يسميه «صدمة» في الاقتصاد الفرنسي عبر إنعاش الشركات الصغيرة وتوفير فرص عمل جديدة. لكن مشروعه يحمل أيضاً إلغاء نحو نصف مليون وظيفة وخفضاً في المساعدات الاجتماعية وتقليص النفقات الحكومية. كما تعهد برفع القيود عن الاقتصاد الفرنسي، الذي يشهد استمرار ارتفاع معدلات البطالة مع تعزيز القيم الفرنسية. وكان خلال حياته المهنية مثيراً للجدل حيث واجه خلال عمله وزيراً للعمل والشؤون الاجتماعية احتجاجات في الشوارع في 2003 ضد إصلاحاته لرفع سن التقاعد، كما أثار أزمة في عام 2005، في قطاع التعليم عندما كان وزيراً مكلفاً بالقطاع، وقد استبعده رئيس الوزراء آنذاك دومينيك دوفيلبان في يونيو 2005 من تشكيلة الحكومة. ويبدو إلى حد ما ان فيون يمثل في رأي الكثيرين امتداد لظاهرة دونالد ترامب، حيث يبدو التوجه اليميني واضحاً تماماً في خطابه السياسي. مارين لوبان تعد من الوجوه السياسية المثيرة للجدل في فرنسا، فهي ابنة الزعيم اليميني المتشدد جون ماري لوبان ومارست العمل السياسي في وقت مبكر، حيث انضمت لحزب الجبهة الوطنية التي أسسها والدها منذ عمر 18 ربيعاً ولم تحل سنة 2011 حتى أضحت زعيمةً له، وبفضل أدائها تمكن الحزب من تحقيق نتائج انتخابية متميزة. ولدت مارين لوبان عام 1968 بمدينة نويي سوغ سين، وبدأت عملها في المحاماة عام 1992، وتحرص على أن تقدم حزبها بديلا لطبقة سياسية «فاسدة» بجناحيها اليميني واليساري إذ ساهمت لوبان بقوة في إعادة تأهيل الحزب الذي استطاع تحقيق نتيجة تاريخية في انتخابات بلدية فرعية نظمت عام 2009. وأعلنت لوبان منذ بداية 2015 رغبتها في الترشح لخوض الانتخابات الرئاسية الفرنسية عام 2017. ايمانويل ماكرون لا يقل حضور ماكرون السياسي أهمية عن غيره من المرشحين للرئاسة، فهو سياسي ومصرفي فرنسي سابق، تولى مسؤوليات حكومية عدة، وأعلن في نوفمبر 2016 نيته خوض الانتخابات الرئاسية عام 2017، ما أثار حفيظة بعض الأوساط اليسارية. ولد ماكرون عام 1977، والتحق بمعهد العلوم السياسية بباريس، وتخرج فيه بشهادة وهو في سن 24 عام 2001، ثم درس في المعهد الوطني للإدارة في ستراسبورج (2002-2004). ويتبنى ماكرون الفكر الليبرالي في الاقتصاد، وهو ما ظهر جلياً في مشروع قدمه لحكومة مانويل فالس عن «تكافؤ الفرص وتنشيط النمو»، الذي يتضمن جملة من القرارات الاقتصادية الجديدة لإعطاء دفعة جديدة للاقتصاد الفرنسي وحل مشكلة البطالة، وإجراء تغييرات على جانب من قوانين الشغل وعلى بعض القطاعات المهنية التي كانت حكرا على بعض المستثمرين. والتحق ماكرون بالحزب الاشتراكي بين عامي 2006 و2009، ثم انسحب منه دون أن يغادر وسط اليسار. في مطلع أبريل 2016 أسس ماكرون في خطوة مفاجئة حركته السياسية «إلى الأمام»، مؤكدا أنها «لا يمينية ولا يسارية»، ما أثار تكهنات بشأن طموحاته الرئاسية لانتخابات 2017. وبسبب طموحاته السياسية، أصبح ماكرون منبوذاً من قسم كبير من اليسار الفرنسي الذي بات يرى فيه تجسيداً للتحول الاشتراكي الليبرالي للسلطة التنفيذية. بونوا هامون سياسي فرنسي ومرشح الحزب الاشتراكي في الانتخابات الرئاسية، ولد عام 1967 في سان رينان. ترأس حركة الشباب الاشتراكيين، قبل أن يصبح نائبا أوروبيا بين 2004 و2009، ثم الناطق الرسمي باسم الحزب الاشتراكي بين 2008 و2012. أصبح نائبا في الجمعية الوطنية الفرنسية عن الدائرة الانتخابية الحادية عشرة لإقليم الإيفلين في 2012. وشغل عدة مناصب في حكومات الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند، وهو نائب عن إقليم إيفلين في جنوب باريس. فقد كان بين عامي 2012 و2014 مندوبا لوزير الاقتصاد ثم وزيرا للتربية ولاحقا وزيرا للتعليم العالي قبل أن يستقيل ويلتحق بتيار الغاضبين المستائين من سياسة الرئيس الاشتراكي. على الرغم من أنه لم يكن مرشحا للفوز في الانتخابات التمهيدية لليسار، إلا أنه أحدث المفاجأة وفاز على رئيس الحكومة السابق مانويل فالس وخطف منه ترشيح الحزب الاشتراكي للانتخابات الرئاسية بحملة قوية تحت شعار «لنجعل قلب فرنسا ينبض مجددا». جان لوك ميلينشون سياسي فرنسي يساري، ولد عام 1951 في طنجة المغربية، لكنه غادرها عام 1962. ويحمل شهادة الليسانس في الفلسفة عام 1972. تجربته السياسية بدأت عندما التحق عام 1976 بالحزب الاشتراكي الفرنسي، وشغل عدة مناصب على مستوى الحزب منها رئيس ومساعد المكتب الوطني بين عامي 2009 و2014. ودخل مجلس الشيوخ الفرنسي عام 1986، وعمل نائبا في البرلمان الأوروبي منذ عام 2009 وأعيد انتخابه عام 2014. وشغل ميلانشون منصب وزير التربية المهنية بين عامي 2000 و2002 بحكومة ليونيل جوسبان. كما امتهن التعليم والصحافة والعمل النقابي أيضاً. لكن ميلانشون ابتعد عن الحزب الاشتراكي عام 2008، بعدما خاض قبل ذلك حملة ضد معاهدة الدستور الأوروبي عام 2005، مخالفا بذلك موقف الحزب الاشتراكي. وكان للمرشح تجربة سابقة في خوض الانتخابات إذ ترشح للرئاسة عام 2012 وحل رابعاً، قبل أن يجدد ترشيحه الآن باسم حركة «فرنسا الأبية». يتسم خطابه بالاعتماد على الأرقام والإحصائيات، حتى ذهب البعض لوصفه بـ «شافيز فرنسا». فضلاً عن المرشحين أعلاه يخوض السباق الرئاسي الفرنسي ستة مرشحين آخرين، هم: نيكولا ديبون إنيان رئيس حزب ديبو لا فرانس (انهضي يا فرنسا)، وناتالي آرتو أستاذة الاقتصاد ومرشحة حزب النضال العمالي الشيوعي الفرنسي، وفيليب بوتو من حزب انتيكابيتاليست (مناهضة الرأسمالية)، وجاك شوميناد رئيس حزب التضامن والتقدم، وجان لاسال نائب منطقة بيرنييه اتلانتيك جنوب غربي فرنسا والعضو السابق في الحركة الديمقراطية، وفرانسوا أسيلينو رئيس حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري (يميني متشدد). وتكتسب الانتخابات الرئاسية الفرنسية أهمية استثنائية كونها ستسهم في رسم سياسات فرنسا في الداخل والخارج لخمس سنوات قادمة، كما ستحدد حسب كثير من المراقبين مستقبل الاتحاد الأوروبي. انتخابات على وقع الفضائح والفساد لم تخلُ حملات الانتخابات الفرنسية في هذه الدورة من المفاجآت، كما لم تخلُ أيضاً من الفضائح!! فعلى الرغم من الصعوبة التي قد يجدها الناخب الفرنسي من تحديد مرشحه في ظل ركود سياسي واقتصادي، لم تنجح الأحزاب الفرنسية المتناوبة على السلطة في أن تجد حلولًا له، إلاّ أن عددا لا يستهان به من الفرنسيين يشعر بنوع من الاحباط أيضاً بعد مسلسل فضائح الفساد التي تلاحق مرشحي السباق الرئاسي الحالي. إذ يواجه مرشح اليمين فرنسوا فيون موقفا لا يحسد عليه بعدما وُجهت له رسميا تهم عدة أهمها الاختلاس المتعمد لأموال الدولة. وبالرغم من انخفاض شعبيته واستدعاء زوجته للمثول أمام القضاء بعد اتهامها واثنين من أولادها بشبهات وظائف وهمية إلا أنه أصر على الاستمرار في حملته الانتخابية، ليصبح أول مرشح يخوض انتخابات لرئاسة الجمهورية الفرنسية الخامسة في ظل توجيه الاتهام اليه، وهي اتهامات وصفها فيون بأنها محاولة لاغتياله سياسيًا، وفي مواجهة ذلك يحاول فيون اللعب بنظرية المؤامرة، في محاولة لاستعادة شعبيته، وأنه كان ضحية مؤامرة من الرئيس أولاند. أما زعيمة حزب اليمين المتطرف مارين لوبان، فهي تواجه تحقيقا حول شبهات وظائف وهمية في البرلمان الأوروبي لمقربين منها، وجدلا حول شبهة تهرب ضريبي وبدورها وصفت الاتهامات بالمسيسة، بينما قررت لوبان رفع دعوى ضد البرلمان الأوروبي. ولم يسلم مرشح الوسط ايمانويل ماكرون من التحقيقات القضائية إذ واجه المرشح الشاب تهمة جديدة من نوعها وهي المحاباة أو التفضيل حينما كان وزيرا لاقتصاد بلاده. وفضل ماكرون السفر مع عملاق الاتصالات الفرنسي «هافاس» دون إعطاء فرص لشركات أخرى لتقديم عروض والنظر فيها كما هو معتاد في القانون الفرنسي. وعلى ما تقدم يجد الناخب الفرنسي نفسه أسيراً ومنهمكاً في أزمات لا يستطيع حيالها من تحديد مرشحه الرئاسي، وتأتي هذه الدورة من الانتخابات الرئاسية حبلى بأزمات متنوعة، من شأنها أن تلقي بظلالها ليس فقط في حدود فرنسا، بل تجتازها لأوروبا، ومن أبرز الأزمات التي تتربع على عرش الشارع الباريسي ملف الإرهاب وما انعكس عليه من غياب الأمن وصولاً لفرض حالة الطوارئ وأزمة الهجرة واللاجئين التي يعتبر الكثير من المواطنين الفرنسيين أنهم «اللاجئين» سيقاسموهم لقمة العيش في بلاد تتفاقم فيها أزمة البطالة، حيث تشير بعض التقديرات إلى أن ربع الشباب الفرنسي (من دون عمل) بالإضافة إلى زيادة الضرائب، وتعثر برامج الإصلاح الاقتصادي، وهو ما ساهم بشكل كبير في زيادة الشعور بأهمية التغيير، للخروج من هذه الأزمات التي تعد الظاهرة الأكثر ملاحظة في معظم الدول الأوروبية، وهو ما انعكس بشكل مباشر وقوي على السباق الانتخابي، وسط توقعات بانخفاض الإقبال على التصويت إلى الثلثين، مما قد يهدد فرص مرشحي اليمين المحافظ واليسار المعتدل، وبالتالي يصب في مصلحة أقصى اليمين وأقصى اليسار. ووفقاً لتقرير منظمة الشفافية الدولية بباريس فإن 54% من الفرنسيين يتهمون النخبة السياسية بالفساد، وهي نسبة ترتفع إلى 75% فيما يتعلق بنواب الجمعية الوطنية والبرلمان الأوروبي. وبينّت دراسة شملت عينة بلغت 11601 شخص وأجريت يومي 16 و17 من أبريل الجاري، أن 72% أعلنوا نيتهم المشاركة في الانتخابات مسجلين بذلك زيادة بلغت 6 نقاط عن المسح الأخير الذي أجري نهاية مارس الماضي، بينما قال 28% من المشمولين في الدراسة إنهم سيمتنعون عن التصويت، وهي نسبة مشابهة لتلك التي شهدتها انتخابات عام 2002. اللاجئون.. حجر في المستنقع الأوروبي ويلاحظ كل متابع للحملات الانتخابية سواء المتعلقة منها بالانتخابات الرئاسية الفرنسية، أو غيرها من الانتخابات الاوروبية، أن جميع المرشحين يحاولون بأقصى طاقاتهم توظيف المشاعر الداخلية الاوروبية المتداخلة بين الإحباط وإدراك أهمية التغيير، بطرح رؤى جديدة، وإطلاق وعود انتخابية جاذبة، بالعمل من أجل حل هذه المشكلات الاقتصادية والاجتماعية القديمة، والتي عمقتها أكثر الأحداث الدولية الساخنة، وعلى رأسها أزمة اللاجئين، التي يمكن القول إنها تشبه الحجر الذي سقط في مستنقع الأزمات الاوروبية الراكد، ومن هنا نجد أن هذه الوعود بالتغيير والدعوات له وصلت للدعوة إلى تغييرات جذرية في علاقات فرنسا الخارجية، تصل لحد الدعوة للانسحاب من الاتحاد الأوروبي والناتو وتعزيز العلاقات مع روسيا، بينما فرضت قضية الإسلاموفوبيا نفسها على السباق الرئاسي أيضاً، وشكلت موضوعا مهما للاستهلاك السياسي، واستغلال هذه القضية من أجل حشد الناخبين، وسط تباين في مواقف المرشحين بشأن كل من أزمة اللاجئين، والاسلاموفوبيا على السواء، ما بين دعوة البعض للانفتاح وتشجيع المهاجرين على الاندماج في المجتمع، واستيعابهم في الثقافة الغربية، واتهامات آخرين للإسلام بأنه يمثل خطراً على فرنسا، ويهدد الثقافة والهوية الفرنسية. ولا يمكن تحييد صعود التيار اليميني الشعبوي في أوروبا والولايات المتحدة عن الانتخابات الرئاسية الفرنسية، فصعود اليمين ساهم بشكل أو بآخر إلى التصويت البريطاني بالموافقة على انفصال المملكة المتحدة عن الاتحاد الأوروبي «بريكست»، وانتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، وهو ما يدعم الاراء القائلة بان ذلك من شأنه دعم فرص اليمين الشعبوي في فرنسا. رغم ما قد يحمله ذلك من تغييرات دراماتيكية، يرى البعض أنها قد تعجل بنهاية منطقة اليورو. بوصلة الاستطلاعات وبحسب استطلاعات الرأي يتقدم السباق الرئاسي الفرنسي الآن أربعة مرشحين يتنافسون على منصب الرئيس الثامن للجمهورية الخامسة، وفي مقدمتهم ايمانويل ماكرون رئيس حركة إن مارش (إلى الأمام) والذي يتبني الفكر الليبرالي في الاقتصاد ويدعو لتحديث الاقتصاد الفرنسي، والاستمرار في الاتحاد الأوروبي كما يدعم العولمة وحرية التجارة والهجرة وتشجيع المهاجرين على الاندماج، كما يركز ماكرون في حملته الانتخابية على إرضاء النخب التقليدية والناخبين من كل الاتجاهات. ويلي ماكرون في الترتيب جان لوك ميلانشون (أقصى اليسار) رئيس حركة فرنسا الأبية والنائب في البرلمان الأوروبي منذ عام 2009، أما أبرز ملامح وعوده الانتخابية فهي مطالبته بوضع دستور جديد واستقلال القرار الفرنسي عن الولايات المتحدة، ولعل هذا ما جعله يحظى بدعم النقابات المهنية والحزب الشيوعي الفرنسي. ويمكننا الزعم بأن هذا المرشح استطاع استثمار مشاعر الإحباط العام تجاه فترة أولاند، كما أن دعوته للديمقراطية الاجتماعية، واستخدامه لوسائل التواصل الاجتماعي، يرشحه للصعود إلى الجولة الثانية المقرر إجراؤها في 7 مايو المقبل، فيما قد يشكل مفاجأة تعيد إلى الأذهان مفاجآت سابقة، أبرزها تصويت الناخبين الفرنسيين عكس كل التوقعات ضد مشروع الدستور الأوروبي في عام 2005، وإطاحتهم بالرئيس ساركوزي في انتخابات 2012. ووفقا للاستطلاعات ذاتها تأتي مارين لوبان رئيسة الجبهة الوطنية (أقصى اليمين)، في المرتبة الثالثة بعد أن كانت تحتل المركز الثاني، وتمثل المنافس الأقوى لماكرون، ومن أبرز ما تحمله لوبان أنها تطالب بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو والناتو وتعزيز العلاقات مع روسيا، وترفض الهجرة، كما تعتبر الإسلام خطرًا على الثقافة والهوية الفرنسية، حتى أن مواقفها السياسية من الإسلام والمسلمين، أقرب إلى العنصرية منها إلى السياسية. ويأتي في المركز الرابع السياسي اليميني ورئيس الوزراء الأسبق فرانسوا فيون، الذي يدعو لإصلاح قانون العمل ونظام التأمين الاجتماعي وإعطاء سلطة أكبر للدول المنطوية في الاتحاد الأوروبي. وطبقا لاستطلاعات منظمة الشفافية الدولية أصبح الترتيب الخامس من نصيب بونوا هامون السياسي والنقابي ووزير التعليم الأسبق ومرشح الحزب الاشتراكي والنائب عن منطقة إفلين، والذي يركز على القضايا الاجتماعية والبيئية ويدعو لإصلاح هيكلي للحكومة. وفي يوميات الحملات الانتخابية المحمومة يحاول كل مرشح للرئاسة زرع الألغام في طريق الآخر لبلوغ كرسي الرئاسة الفرنسية، حيث يحاول معسكر ماكرون رئيس حركة إن مارش الترويج أنه قادر على حسم المعركة من أول جولة، لكن ذلك لا يبدو واردا، في ظل هذا العدد من المرشحين _ 11 مرشحًا _ وانقسام الشارع الفرنسي، وعدم وجود مرشح قادر على حشد الأصوات، وهو ما حدث في ثلاثة انتخابات رئاسية فقط منذ عام 1965، حُسمت من أول جولة (فاليري جيسكار ديستان في عام 1974، وفرانسوا ميتران في عام 1981، وجاك شيراك في عام 1995). وبغض النظر عما تشهده الانتخابات الرئاسية من تدخلات، فالمؤكد أن الرئيس أولاند يدعم ماكرون رئيس حركة إن مارش، ويوجه انتقادات عنيفة ضد فيون وميلانشون، بينما يحاول هامون مرشح الحزب الاشتراكي تحسين فرصه، باتهام لوبان وميلانشون بالتبعية لروسيا. ومع بدء التصويت اليوم، يبدو واضحًا تقدم ماكرون ولوبان وميلانشون طبقًا لتقديرات مؤسسات قياس الرأي، بينما يليهم في الترتيب فيون وهامون، وفي حال عدم حصول أي من المرشحين على الأغلبية المطلقة، وهذا هو المتوقع، سوف تجرى الجولة الثانية في السابع من مايو المقبل بين المرشحين اللذين يحصلان على أعلى الأصوات. وهكذا تظل كل الأعين معلقة على الانتخابات الرئاسية في فرنسا، في محاولة للإجابة عن السؤال الحائر، من هو رئيس فرنسا القادم؟.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©