الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أرواح أزهقها الهوى

أرواح أزهقها الهوى
19 يوليو 2009 22:43
سقط «غلاب» في فخ الرذيلة.. وغرق مع «سلوى» في بحر الحرام من اخمص القدم إلى منبت الشعر. لم يكن ما بينهما عشقا ولا حبا. وإنما الهرولة وراء المتعة والرغبة المتوحشة فكلاهما في عنفوان الشباب فهما في الخامسة والعشرين من العمر، واستسلما لأول لحظات ضعف.. سيطرت عليهما النزوات وجذبهما الموج ولم يستطيعا العودة إلى الشاطئ مرة أخرى خاصة بعد ان فقدت اعز ما تملك الأنثى وهذا لا يمكن تعويضه أو إصلاحه.. مثل لوح الزجاج إذا كسر أو عود الكبريت كما كان يردد الفنان يوسف وهبي بل إنها لم تفكر في هذا الأمر كثيرا ولا يخطر ببالها إلا قليلا.. فكل ما يهمها الآن اللحظات والساعات المعدودة التي يقضيها معها عند كل لقاء عندما يحصل على إجازة مرة كل شهر لبضعة أيام يعتبرها أسبوع عسل متجدد بعد لهيب الشوق والغرام مع وعوده التي يكررها في كل لقاء بأنه سيتزوجها حالما تستقر أحواله في العمل وتتحسن ظروفه المادية ويتمكن من إعداد عش الزوجية وذلك ما كان يبث في نفسها الطمأنينة وعدم الخوف من المستقبل ولا تشغل نفسها بما فقدت من شرف وكرامة. كان من الطبيعي أن يحدث ما لم يكن في الحسبان وما لم يتوقعاه.. فقد بدأت ثمرة الخطيئة تتحرك في أحشائها ولم تتوقف لقاءات الحرام لكنها بدأت تشعر بالقلق من ظهور الحمل ولن يكون بمقدورها مواجهة الموقف فأسرتها محافظة ولن تقابل فعلتها تلك إلا بقطع رأسها غسلا للشرف ومحوا للعار.. ارتمت في أحضان «غلاب» هذه المرة تستعطفه أن يسترها وألا يعرضها للفضيحة وان يعجل بخطبتها والزواج قبل أن تستفحل المشكلة وتتعقد إلى حد لا يمكنهما من إيجاد حل لها.. وتظاهر أمامها من قبيل الشهامة المزيفة بأنه لن يتخلى عنها وان الأمر أهون من ذلك بكثير ولن يصل إلى علم احد وسيتزوجها خلال عدة أيام ويعيش معها في الحلال. وكانت ثقتها به تبث الطمأنينة في نفسها.. لكن الوقت الذي يداهمها يجعلها عاجزة عن التخلص من القلق والخوف.. فقد تعدى الحمل الشهر الثالث وبدأ بطنها في الارتفاع والظهور قليلا وفي الأسابيع القادمة لن تستطيع إخفاءه مهما ارتدت من ملابس فضفاضة. في الزيارة التالية لم يعد الوضع يحتمل الانتظار واصبح بحاجة إلى حل عاجل وتصرف سريع.. وضعته أمام الأمر الواقع بأن يتخذ خطوة عملية. وبعد اللقاء الحميم بينهما سالت من عينيها دمعات عفوية خوفا من المجهول القادم.. وارتمت في أحضانه تبثه الغرام كأنه عائد لتوه بعد غياب طويل.. وتستعطفه وتستجدي رجولته مثل غريق يتشبث بالحياة وهو يبحث عن طوق نجاة لكن لا يجده.. الآن لا سبيل للتأجيل.. وهو وان كان لا يريدها زوجة ولا يطمئن إلى ذلك ولا يسعى لأكثر من هذه اللحظات من المتعة.. فإنه لا يريد أن يتركها في هذه الورطة ويتنصل من المسؤولية التي يرى انه شريك فيها.. حتى لو ألقى عليها باللوم لأنها لم تأخذ الاحتياطات الواجبة لمنع ذلك.. وكان بيدها تجنيبهما هذا الموقف الصعب. أحواله المادية كما هي لم تتحسن ولم تتغير فلم يكن باستطاعته الحصول على مسكن وتحمل نفقات الزواج.. وليس بمقدوره بدخله المحدود أن يكوّن أسرة.. فكان الحل العاجل ان يتهرب من أسرتها ويستأجر لها شقة في منطقة نائية لا يعرفهما فيها احد ووجدت في عرضه طوق النجاة الذي تبحث عنه حتى وان لم يوصلها إلى بر الآمان وستظل تقاوم الأمواج.. ووافقت على أن تتمسك به إلى أن يأتي الحل الحاسم.. اتفقا على أن تكون محطة هروبهما في أقصى الشمال في الإسكندرية.. هناك لا يعرفهما أي إنسان ولن يستطيع احد أن يتوصل إلى هذا المخبأ.. الذي يبعد عن مدينتهما بحوالي خمسمئة كيلو متر وحصل على شقة صغيرة استأجرها وادعى ان هذه المرأة زوجته وظل يتردد عليها في إجازته المعتادة في الشهور التالية كأنهما زوجان وفي انتظار مولودهما الأول واستقبال هذا الحادث السعيد.. لكن في اللحظات الصعبة وعندما جاءها المخاض كانت وحيدة تقاوم الآلام خاصة وهذه هي المرة الأولى التي تلد فيها، تقطعت أنفاسها بين هذه الآلام وبين المخاوف التي تسيطر عليها.. فقد أصبحت ثمرة الخطيئة واقعا فعليا ولا تدري اين المفر.. كانت صرخاتها كفيلة بأن تصل إلى الجيران وأنينها الذي لم تتمكن من إخفائه جعل جاراتها يهرعن إليها لنجدتها خاصة عندما علمن كما أخبرتهن أن زوجها مسافر إلى عمله.. فأخذتهن الشفقة بها وقمن بتوليدها وتجهيز الأطعمة لها والاهتمام بالمولودة الجميلة وهن لا يعرفن أنها ابنة سفاح وإلا لتغيرت تصرفاتهن وتعاملهن معها.. لكن الموقف فتح قناة للاتصال بينها و بين جاراتها.. لكن في أضيق الحدود.. لأنها لا تريد أن يكتشفن الحقيقة من خلال ثرثرة النساء. حضر «غلاب» وفوجئ هذه المرة بحجم وحقيقة الأزمة فالطفلة جاءت إلى الدنيا ولن تستطيع المسكنات التي تتناولها ان تؤتي مفعولها والأوضاع تغيرت وتحتاج إلى تعامل مختلف والمراوغة لا محل لها من الاعراب.. وتظاهر بأن الأمر عادي وان الحل آت.. لكن كان له في رأسه فكر آخر.. كيف يتخلص منهما معا.. وخلت هذه الزيارة من اللحظات الحميمة.. بسبب الولادة من ناحية والصدمة من ناحية أخرى فعاد إلى عمله وتركهما. كان مقر عمل «غلاب» في أقصى الجنوب بينه وبين ابنته وعشيقته ما يزيد على الألف كيلو متر يقطعها القطار في اكثر من خمس عشرة ساعة.. اعتاد في كل مرة أن يغط في نوم عميق.. لكن هذه المرة كان منشغلا في البحث عن حل نهائي.. فلم يعد هناك مجال للتسويف.. وتتزاحم الأفكار في رأسه وتتشابك وتتلاقى وتختلط حتى انه لم يستطيع ان يحدد وجهته وظل على حاله إلى أن وصل اليهما وهو مشوش العقل.. وكأنه أفاق فجأة عندما ألقت الطفلة بين يديه وهي تحدثها وتقول: سلمي على أبيك.. كانت الكلمات مثل طلقات الرصاص التي اخترقت صدره على حين غرة.. ارتفع ضغط دمه وانتفخت أوداجه خاصة عندما طالبته باستخراج شهادة ميلاد للصغيرة ونسبها إليه. وطلب أن تعد له كوبا من الشاي وما ان توجهت الى المطبخ حتى اطبق بكلتا يديه على رقبة الصغيرة الغضة.. فلفظت أنفاسها وشعر كأنه تخلص من المشكلة برمتها لكن عندما عادت «سلوى» وفوجئت به يدخن سيجارة وينفث الدخان في الهواء.. وقعت عيناها على جثة الصغيرة، فسقط الكوب من بين يديها وأمسكت به وانهالت عليه ضربا وصراخا تستنكر فعلته الشنعاء وقاومها محاولا تهدئتها فلم تكف حتى دفعها بقوة فسقطت على الأرض.. ونهضت ولم تتوقف عن ضربه بكل ما تصل إليه يدها.. حتى أحضرت سكينا وحاولت طعنه بها واستطاع أن يأخذها منها ويغرسها في قلبها وكانت طعنة واحدة كافية لإنهاء حياتها.. بدل ملابسه الملوثة بالدماء ووضع الجثتين فوق السرير وألقى فوقهما غطاء واغلق الباب من الخارج وعاد إلى عمله وكأن شيئا لم يكن. أيام قليلة وفاحت رائحة الجثتين.. اشتمها الجيران وطرقوا الباب المغلق لكن ما من مجيب وابلغوا الشرطة.. وتم كسر الباب واكتشاف الجريمة.. وكان اللغز المحير أمام رجال الشرطة انه لا توجد أوراق تشير إلى شخصية القتيلة ولا الصغيرة.. وبدلا من أن يبحثوا عن الجاني بدأ البحث عن فك طلسم هذا الموقف ليعرفوا من تكون المرأة وابنتها وخلال شهرين كاملين جرى خلالها فحص جميع حالات الغياب أمكن التوصل إلى أن «سلوى» هاربة من أسرتها.. وبدأت الخطوة التالية.. والكشف عن القاتل وقد كانت ايسر من سابقتها فلم يكن صعبا معرفة علاقتها بالموظف ولقاءاتهما التي تناهت إلى الأسماع ولاكتها الألسنة وأصبحت حديث الناس خاصة بعد اختفائها وتم القبض عليه وحاول الإنكار لكن كانت بصماته في مسرح الجريمة اول دليل إثبات اكده الجيران الذين شاهدوه وهو يتردد على القتيلة ووضع رأسه بين يديه.. وبدأ يعترف ويروي كافة التفاصيل دون أن يقاطعه احد حتى انتهت أقواله.. وتم تكبيله بالقيود في طريقه إلى محبسه لينتظر الإعدام شنقا بتهمة القتل العمد
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©