الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الصناعة الأميركية والاستثمارات الأجنبية

22 ابريل 2017 21:42
تدور في أذهان بعض دعاة العزلة التجارية الأميركية الفكرة التي تفيد بأن الوضع الاقتصادي السليم يجب أن يسير على النحو التالي: تتولى الشركات الأميركية صناعة المنتجات داخل الولايات المتحدة، وتقوم الشركات الأجنبية بصناعة منتجاتها في الدول الأجنبية، ثم يحدث التنافس بينها في الأسواق العالمية، لتكسب الشركات الأميركية جولة التنافس في النهاية! ولا يأتي قلق هؤلاء المتحفظين بداعي الخوف من سعي الشركات الأميركية لترحيل مناصب العمل إلى الخارج فحسب، بل أيضاً من امتلاك الشركات الآتية مما وراء البحار للأصول التجارية والعقارية والمالية داخل الولايات المتحدة. وفي الحقيقة فإن الأمور تسير على نحو مغاير تماماً لهذا الطرح، حيث تهتم الشركات الأميركية بدورها بالاستثمار فيما وراء البحار مثلما يعرف الجميع، وفي المقابل توظف الشركات الأجنبية مبالغ ضخمة كاستثمارات مباشرة في الولايات المتحدة لتؤمن بذلك المزيد من فرص العمل للعمال الأميركيين. ودعونا نأخذ شركة تويوتا كمثال، حيث تعتزم هذه الشركة اليابانية لصناعة السيارات استثمار 10 مليارات دولار في الولايات المتحدة خلال السنوات الخمس المقبلة. وستُستخدم هذه الأموال في توظيف عمال أميركيين في مصانعها داخل الولايات المتحدة، وحتى قبل أن تقرر تويوتا توظيف استثماراتها الجديدة في أميركا، فهي توظف الآن بالفعل في مصانعها المقامة داخل أميركا عدداً كبيراً من العمال الأميركيين يزيد على 100 ألف عامل وفقاً لتقديرات صادرة عن الشركة ذاتها. ووظفت مؤخراً 700 عامل جديد في مركّب تجميع طراز «تويوتا كامري» في مدينة جورج تاون بولاية كنتاكي. وليست تويوتا وحدها هي التي توظف هذه الاستثمارات المفيدة في الولايات المتحدة. ووفقاً لمعلومات موقع cars.com، حول أضخم عدد من طرازات السيارات التي يتم تصنيعها في أميركا، احتلت تويوتا وهوندا مراتب ضمن الخمس الأولى. وجاء طراز كامري تحديداً على رأس القائمة. وبالطبع، ليست اليابان هي الدولة الوحيدة التي تستثمر مبالغ ضخمة في الولايات المتحدة وفقاً لتقرير حديث صادر عن وزارة التجارة الأميركية، وهو التقرير الذي شدّد على أهمية الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الولايات المتحدة، وأشار إلى أن أكثر من 6.1 مليون أميركي تم توظيفهم عام 2014 في شركات أميركية تنتشر فيما وراء البحار، يعمل أكثر من ثلثهم في قطاع التصنيع. وكان للزعم الذي يتردد كثيراً بأن الشركات الأميركية لا تعمل شيئاً أكثر من ترحيل فرص العمل والتوظيف إلى الخارج، أن يولد الشعور في أوساط الرأي العام بأنه ما من مستثمر أجنبي يريد بعد الآن الاستثمار في أميركا، أو في توظيف العمال الأميركيين. وهذا خطأ كبير، لأن الولايات المتحدة لا زالت هي الوجهة العالمية الأكثر قدرة على اجتذاب الاستثمارات الأجنبية. وكثيراً ما تهاجر بعض الشركات إلى دول معينة مثل أيرلندا لتمارس عملها واستثماراتها هناك من أجل تجنب دفع الضرائب الباهظة. إلا أن الدول الأخرى تستثمر أيضاً في الولايات المتحدة لأسباب متعددة ومختلفة، ووفقاً لتقرير وزارة التجارة الأميركية، فإن 36 في المئة من الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الولايات المتحدة يتم توظيفها في القطاع الصناعي، وبما يدلّ على وجود رغبة قوية في أوساط الشركات متعددة الجنسيات لصنع منتجاتها في أميركا. ويعود سبب ذلك إلى أن العمال والمكاتب الإدارية والمصانع في الولايات المتحدة تتميز جميعاً بإنتاجياتها العالية، وهذا ما دفع تويوتا وهوندا لاعتبار الولايات المتحدة قاعدة إنتاجية مهمة مثل الصين. ويضاف إلى كل ذلك أن الولايات المتحدة ذاتها تحتكم إلى سوق محلي غني وضخم. وقد وفّرت السيارات الأجنبية المصنوعة في مناطق من كنتاكي وتينيسي على الشركات المصنعة مثل تويوتا وهوندا أجور نقلها من المصانع اليابانية البعيدة إلى الولايات المتحدة، وساعدتها أيضاً على التعرف عن قرب على رغبات وأذواق مستهلكي السيارات في أميركا والاستجابة لها. وإذا أراد الرئيس دونالد ترامب ومستشاروه استعادة أمجاد شعار «صُنع في أميركا»، فلا بد أن تكون الاستثمارات الأجنبية المباشرة جزءاً من المعادلة. وقد رأينا كيف أن الصين بَنَت منظومتها الصناعية الضخمة باستغلال الاستثمارات الخارجية المباشرة، ولا بد للولايات المتحدة أن تفعل الشيء ذاته أيضاً، وأن تعمل على استقطاب «الدولارات متعددة الجنسيات». وحتى الآن، تبدو الأوضاع جيدة من خلال إحصائيات تشير إلى أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الولايات المتحدة حققت زيادة كبيرة خلال السنوات القليلة الماضية حيث قفزت من 172 مليار دولار عام 2014، إلى 348 مليار دولار عام 2015. إلا أن من المبكر جداً الحكم على ما إذا كانت هذه الزيادة تتميز بعنصر الاستدامة. ونحن نتذكر كيف تراجع الاستثمار الخارجي في أوائل العشرية الأولى من القرن الحالي، وانخفض بشكل حاد إبان أزمة «الركود». وحتى تضمن الولايات المتحدة عدم التعرض لهزات اقتصادية مشابهة، يتحتم عليها أن تضع حملة اجتذاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة ضمن أولويات سياستها الاقتصادية خلال السنوات المقبلة. *أستاذ التمويل المساعد في جامعة «ستوني بروك»- نيويورك ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©