الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أجهزة «النتبوك» تخترق الأسواق العالمية بقيادة تايوان روّادها

أجهزة «النتبوك» تخترق الأسواق العالمية بقيادة تايوان روّادها
19 يوليو 2009 01:37
يمكن بطريقة ما، تشبيه النشاط الابتكاري المثير الذي تشهده صناعة الأجهزة الرقمية الاستهلاكية، بنشاط العقل البشري ذاته، والذي يعرف عنه أن قدرته على العطاء تزداد كلما أخذت منه أكثر. ولقد اتضح للمتابعين خلال الأشهر والأيام المنقضية من عام 2009، أنه عام الابتكار والإبداع الرقمي بامتياز. وفيه، شهدنا ولادة عشرات الأجهزة اليدوية، كالهواتف المحمولة، والكاميرات الرقمية، وأجهزة الكمبيوتر الدفترية «النوتبوك» و«النتبوك». وخلاله، طلعت شركة أمازون بقارئ الصحف الرقمي المتطور «كيندل2»، فيما أطلقت شركة «آبل» جهازها الجديد والمثير «آي فون 3 جي إس»، وأبهرت شركة «ريسيرتش إن موشن» هواة امتلاك الهواتف الخليوية الرصينة بثلاثة أجهزة متعاقبة من سلسلة «بلاك بيري» هي: «بولد» و«ستورم» و«كيرف»، وانتشرت تكنولوجيا الشاشات اللمسيّة في معظم الأجهزة الجديدة. ويقول جون جابير المحرر في صحيفة «فاينانشيال تايمز» إنه بالرغم من أن أهم هذه الابتكارات ظهرت في أميركا الشمالية «الولايات المتحدة وكندا»، إلا أن الجهاز الذي استحوذ على إعجابه أكثر هو الكمبيوتر الشخصي «آسوس إي بي سي» Asus Eee PC من صنع شركة «آسوستيك» التايوانية. ولهذه الشركة إسهاماتها اللافتة في مجال ابتداع وتطوير الأجهزة الرقمية الاستهلاكية. ومن ذلك أنها فاجأت العالم في شهر أكتوبر من عام 2007 عندما أطلقت أول لابتوب بالغ الصغر ورخيص الثمن ينتمي إلى فئة جديدة من أجهزة الكمبيوتر أطلقت عليه الشركة ذاتها اسم «نتبوك» netbook. واسمه يتألف من دمج الكلمتين الإنجليزيتين: net أو «شبكة الإنترنت»، و»بوك» بمعنى الكتاب أو الدفتر. وكان المقصود من هذه التسمية الدلالة على أن الجهاز مخصص للإبحار في الإنترنت ومواقع البريد الإلكتروني؛ إلا أن الخبراء يعتبرون هذا الاسم مضللاً بعد أن اتضح أن أجهزة «النتبوك» لا تكاد تختلف في شيء عن أجهزة الكمبيوتر الدفترية «النوتبوك». ويروي جابير كيف أن المحللين رأوا أن هذه الأجهزة ليست أكثر من فكرة فاشلة؛ وتوقعوا أن لا يفكر مستخدمو اللاب توب في الدول المتطوّرة بشراء أجهزة ضعيفة الأداء مصنوعة في دولة نامية، وهي مجهّزة بشاشات ولوحات مفاتيح صغيرة جداً. وفي مقابل ذلك كانت أجهزة وبرمجيات تنتجها شركات أميركية رائدة مثل «دول» و«مايكروسوفت» و«آبل» تلقى الرواج الكبير فيما وراء البحار. والآن، وبعد أقل من سنتين على إطلاق «آسوس إي بي سي»، أصبح منتشراً في كل مكان في العالم. واتضح من الحقائق السوقية الماثلة على الأرض، أن شركتي «آسوس» وأختها التايوانية «إيسير»، تمكنتا خلال السنوات القليلة الماضية من تحقيق ثورة شاملة في صناعة الكمبيوتر وتوجهات المستهلكين. وكان لهما دور كبير في دفع شركات إنتاج «السوفتوير» و«الهاردوير» على حدّ سواء إلى إعادة النظر في تسعير منتجاتها بما فيهم المنتجون الأميركيون. وأمام هذا المدّ الابتكاري الباهر، يطرح الخبراء الآن السؤال التالي: إذا كانت أجهزة النتبوك التي أطلقتها هاتان الشركتان تباع الآن بسعر يتراوح بين 300 و600 دولار، ولا يزيد وزنها عن كيلو جرام واحد، فيما يقلّ البعد القطري لشاشتها عن 10 بوصات، والتي تشتغل بمعالج متطور جداً من طراز «أنتل آتوم»، فلماذا انتظرت كل هذه المدة الطويلة حتى تمكنت من الظهور في الأسواق؟ يكمن الجواب في الحقيقة التي تفيد بأن الشركات الأميركية المتخصصة بهذه الصناعة اقترفت خطأ قاتلاً عندما ظنّت أن الأداء المتواضع لهذه الأجهزة لابدّ أن يصرف الناس عن الاهتمام بها، وفقاً لما يقوله ويلي شيه الأستاذ في مدرسة هارفارد لإدارة الأعمال والذي يقوم الآن بزيارة دراسية إلى تايوان لاستطلاع التطورات المنتظرة على أجهزة النتبوك. ويتحدث تقرير نشرته صحيفة «فاينانشيال تايمز» عما يسمى بـ«جرثومة النتبوك» netbook germ التي انطلقت من تايوان، شأنها في ذلك كشأن فيروس انفلونزا الطيور، وراحت تنتشر بعد ذلك عبر العالم أجمع. ولكن، من أين جاء هذا الفيروس أصلاً؟ والجواب هو أنه جاء نتاجاً لمشروع تربوي طموح يجري تنفيذه في معهد ماساشوسيتس التكنولوجي في بوسطن على قدم وساق تحت شعار «لاب توب لكل طفل» ويموّله السياسي الأميركي المخضرم نيكولاس نيجروبونتي. ويهدف المشروع لبناء لاب توب رخيص ذي أداء متواضع يمكن توزيعه بأعداد هائلة على أطفال الدول الفقيرة والنامية. ولقد وجدت الشركتان التايوانيتان في هذا المشروع فرصة لا يجوز تفويتها للسيطرة على الأسواق العالمية للكمبيوترات المحمولة الرخيصة. ولعل الغريب في الأمر أن مناقصة بناء اللاب توب المنشود، رست على شركة تايوانية ثالثة تدعى «كوانتا» Quanta، وهي التي أغرت شركة «آسوستيك» بإجراء البحوث اللازمة لتطوير جهاز «النتبوك». وعندما ظهرت الأجيال الأولى من أجهزة النتبوك، فلقد كانت مجهزة بذاكرات ضعيفة للغاية، وتعمل تحت مظلّة برنامج التشغيل «لاينوكس» بدلاً من «مايكروسوفت ويندوز». وعندما بدأت شاشاتها تزداد اتساعاً بعد أن كان أول نيتبوك من طراز إي Eee مجهزاً بشاشة اتساعها القطري 7 بوصات، اعتمدت برنامج التشغيل «ويندوز إكس بي» الذي تدعّم بمعالج إنتيل الجديد «آتوم شيب» في شهر مارس من عام 2008. وبغض النظر عن التفاصيل التقنية التي رافقت هذه التحولات البنيويّة السريعة التي شهدتها أجهزة النيتبوك، إلا أنه كان من الضروري أن تستغرق بعض الوقت حتى تحقق شرط النضوج على نار هادئة. واتضح فيما بعد أن هذه الجهود والمبادرات التقنية المدروسة بكل دقة، قادرة على طرح ثمارها اليانعة في الأسواق التي حققت فيها نجاحها الباهر. وفي مقابل هذه الخطوات المدروسة، كانت الشركات الأميركية الثلاث مايكروسوفت وأنتل ودل تنتهج أسلوباً مغايراً تماماً عندما عمدت إلى بناء أجهزة لاب توب تتميز بالقوة العالية وتعمل تحت مظلة أحدث نسخ برنامج التشغيل «مايكروسوفت ويندوز». وكان عليها أن تدفع ثمن هذا القصور في تقدير حاجة الأسواق من خلال تسجيل مبيعات تقل كثيراً عما كانت تتصوره بسبب الأسعار المرتفعة لأجهزتها بالمقارنة مع تلك التي تصنعها الشركات التايوانية الثلاث.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©