الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

الطيب تيزيني: العودة إلى التراث لابد أن تتم بمقتضيات عصرنا

الطيب تيزيني: العودة إلى التراث لابد أن تتم بمقتضيات عصرنا
29 مايو 2008 00:48
قدم المفكر السوري الكبير الطيب تيزيني في العاصمة الجزائرية مؤخرا محاضرة بعنوان'' مشروع النهضة والتنوير في العالم العربي''· شهدها عدد كبير من المثقفين الجزائريين والمهتمين، وادار المحاضرة الشاعر الجزائري جيلالي نجاري الذي أكد في تقديمه لموضع المحاضرة على حاجة العرب المُلحَّة إلى دراسة الخطاب التراثي دراسة تحليلية نقدية لا تأويلية بقصد تحديث الفكر العربي ودفعه إلى إيجاد حلول لقضايا الساعة وتحدِّياتها الجسيمة والمساهمة في الحداثة· ثم اتاح الحديث للدكتور الطيب تيزيني من خلال سؤاله عما إذا كانت هناك ملامح واضحة لتبلور مشروع نهضة عربية في الأفق انطلاقاً من كتابه ''من التراث إلى الثورة''· وردَّ تيزيني بأن النظام العولمي أدخل العرب في متاهة كبيرة وكأنهم أصبحوا أمام بنية تاريخية مغلقة، وهو لا يشاطر مقولة فوكوياما حول نهاية التاريخ لأن التاريخ لا يمكن أن يُغلق، ولكن مشكلة العرب أنهم لا يملكون مفاتيحه بسبب غياب الحامل الاجتماعي الذي يقود النهضة· وأضاف تيزيني أن المشاريع العربية للنهضة كانت في معظمها ثورية وقد وصلت إلى نهاياتها الآن، وأضحى الحديثُ عنها غير محتمل، لأن العالم يعيش حالة من إعادة''التبَنْيُن'' وأغلق الأبواب تماماً أمام تلك المشاريع· واعترف تيزيني أن كتابه''من التراث إلى الثورة'' لم يعد الآن قابلاً للنماء لأن حالة جديدة أخذت تنبعث في العالم كله من خلال انهيار الاشتراكية ونتائج حرب الخليج الثانية وثورة الاتصالات، وهي زلزال حقيقي نشأ على إثره النظامُ العالمي الجديد الذي راح يفصح عن هويته مباشرة، فهو نظام شامل يسعى إلى ابتلاع الطبيعة والبشر وهضمهم وتمثُّلهم سلعاً في السوق السلعية الجديدة التي أسماها ''القرية الكونية الجديدة''، وكان من نتائجه حدوث حالة تفكك في الأنظمة الاجتماعية والثقافية، بينما كان تفكك النظام العربي سابقاً له، إذ حدث منذ السبعينات حينما تحول''النفط السياسي'' إلى نقمة هائلة فككت البنية الاجتماعية العربية وأسقطت الفئات الوسطى التي تُعدُّ المنتجَ الأساسي والحامل الحقيقي للثقافة العربية، وشكلت أنظمة اجتماعية استهلاكية تابعة بقضِّها وقضيضها، وتحول العرب من السؤال التقليدي: لماذا يتقدم الغرب ونتخلف نحن؟ إلى سؤال وجودي خطير وهو: هل لا نزال قادرين على البقاء في الحدود التاريخية؟ وبدأ البعض يتحدث عن بداية خروجهم من التاريخ· وحذر تيزيني من أن العرب يواجهون هذا الواقع بأدوات رثة متآكلة لذلك سقطت عواصم عربية وإسلامية· كما تحدث تيزيني طويلاً عن ''الدولة الأمنية'' التي قال إنها تكبح أي مشروع عربي للنهضة تقوده النخبة، وهي تنزع إلى الهيمنة الشاملة على المجتمع وامتلاكه ووضعه تحت قبضتها والحلول محلَّ المجتمع المدني والأحزاب ولذا تحولت إلى عبء كبير على الأوطان· كما تناول المحاضر مسألة أدوات قراءة التراث ليكون أحد عوامل النهضة، وقال إن هذه القراءة خاضعة للإيديولوجيا ويستحيل التخلص من هذا المنطلق، والجابري يخطئ حينما يعتقد بإمكانية تحقيق ذلك باعتبار الايديولوجيا تخلفاً، وقال تيزيني إنها حالة بشرية لا يمكن التخلص منها؛ وتبعاً للمنطلق الإيديولوجي، فإن أية قراءة للتراث هي في الواقع قراءة صاحبها وليست التراثَ نفسه، والإشكالية الكبرى هي القراءة السلفية التي تعتقد باستدعاء التراث صافياً دقيقاً، وهذا قصور معرفي ووهم إيديولوجي، ويصح هذا أيضاً على القراءات الماركسية والليبرالية للتراث· وشدد تيزيني على أن العودة إلى التراث الآن لا بدَّ أن تتم وفقاً لمقتضيات العصر الذي نعيشه· وختم المحاضرة بالدعوة إلى إقرار الديمقراطية والتعددية بمعناها الواسع،باعتبارها ''الوريث الشرعي للشورى'' وهذا لتوفير المناخ المناسب لتأسيس المشروع النهضوي العربي، والذي أكد تيزيني على أنه يستند إلى ثلاثة''حوامل''؛ الحامل الاجتماعي أي القوى الوطنية والاجتماعية بمختلف توجهاتها ومشاربها، والحامل السياسي، والحامل الثقافي والمقصود الثقافة الوطنية أو القومية المفتوحة التي تعترف بالجميع· وفُتح بعدها المجال للنقاش والتعقيبات، فأبدى أحدُ الباحثين تخوفه من إمكانية''خروج العرب من التاريخ'' رغم بترولهم وثرواتهم، بينما تدخل السفير السوداني بالجزائر ليدعو إلى الاعتماد على الشعوب العربية لتحقيق النهضة وعدم انتظارها من الحكام الذين لا تهمهم النهضة بقدر ما يهمهم التشبث بالكراسي· أما الدكتور محمد سعيدي فقال إن اليهود تاهوا 40 سنة في الصحراء، بينما يعيش العرب منذ هزيمة 1967 أكثر من 40 سنة من التيه السياسي والاجتماعي والمعرفي دون أن تلوح في الأفق أية رؤية أو تصور لكيفية الخروج من هذا التيه· وتدخل الدكتور أمين الزاوي لينبِّه إلى أن العطب القائم الآن يكمن في حال الجامعات في العالم العربي، فهي غير ما كانت عليه في العشرينيات، في عهد طه حسين، حيث كانت هي قاطرة النهضة، والآن أضحت ''معطوبة'' برغم الوسائل العصرية التي تمتلكها· ورد الدكتور تيزيني على هذه الانشغالات بدعوة المجتمع المدني إلى رفع لواء النهضة وعدم انتظار الأنظمة الحاكمة، ونبه إلى أن كل قطر عربي له مشروعه الإصلاحي لأن كل بلد له خصوصيته ويمكن أن تحمله القوى الحية فيه، ولكن شرط قراءة الواقع قراءة نقدية لكشف مخازينه المغلقة· ، وما دام المشروع النهضوي العربي القومي غائباً منذ 1967 والمشاريع القطرية غير موجودة، فلا بد من توفر وعي تاريخي وإرادة سياسية والمرور إلى الفعل؛ فهذه العناصر الثلاثة هي ثقافة جديدة يجب إدخالها إلى حياتنا لتحقيق النهضة، ونبه إلى ضرورة قبول الرأي الآخر والبُعد عن العنف، ولتحقيق ذلك دعا إلى ''عقد اجتماعي جديد يجعل كل صراعاتنا سلمية''، ودعا إلى توخي الوسطية في أفكارنا وسلوكاتنا:''لقد قمت ببحث مطول في الإمارات العربية المتحدة بعنوان الوسطية الإسلامية وتبيَّن لي أن النص القرآني وسطيٌ بالدرجة الأولى؛ الوسطية ضابط منهجي لكل الأفكار للبقاء في إطار سلمي''· يُذكر أن الدكتور الطيب تيزيني هو واحد من مائة من الفلاسفة في العالم في القرن العشرين بحسب مؤسسة كونكورديا الألمانية الفرنسية الفلسفية التي اختارته ضمن هذه القائمة سنة ·1998
المصدر: الجزائر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©