السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أميركا وضرورة تجسير الهوة مع الفلسطينيين!

أميركا وضرورة تجسير الهوة مع الفلسطينيين!
18 يوليو 2009 01:54
هوة سوء الفهم الكبيرة بين أميركا والفلسطينيين في غزة، تدهشني كدبلوماسي أميركي عائد بعد أسبوعين من اللقاءات مع الغزيين في مقاهي وصالونات المدينة الصحراوية الحارة والمحاصرة. والواقع أن الغزيين من كل المشارب، سواء من تجمعني بهم صداقة منذ عقود أو الذين تعرفت إليهم مؤخراً، يعرفون جيداً الخطاب الذي ألقاه الرئيس أوباما من القاهرة الشهر الماضي، والذي رأى فيه الكثيرون تغيراً كبيراً عن سياسة إدارة بوش. غير أن لديهم فهماً قليلاً للثقافة الأميركية، خاصة بعد سنوات من انقطاع الاتصال مع الأميركيين بسبب سياسة واشنطن القاضية بعزل «حماس». وإلى أن يتم تجسير هذه الهوة، فإن سوء الفهم والارتياب سيظلان عائقاً أمام تحقيق التقدم في المنطقة. الغزيون الذين تحدثت معهم، من الشبان العاطلين عن العمل الذين يلعبون الورق في المقهى نهاراً، ومن الأعضاء القدامى في «فتح»... يشتكون في جلسة ليلية من قوة «حماس» وتضعضع «فتح»، إلى مسؤولين «حمساويين» كبار واثقين... جميعهم يعتبرون، وعلى نحو صحيح، أن أوباما منخرط بشكل فريد في النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي، لكنهم كانوا يتصورون في الوقت نفسه، وعلى نحو خاطئ، أنه يتمتع بسلطة غير محدودة. ويجادلون بأنه «الريس»، فلماذا لا يقطع المليارات الثلاثة أو أكثر من المساعدات الأميركية السنوية لإسرائيل، وينهي الحصار، ويحمل إسرائيل على التفاوض..؟ أعضاء «فتح»، على سبيل المثال، تعجبهم كلمات أوباما وتشديده على إنهاء بناء المستوطنات، ويرون أنه جعل من هذا النزاع الموضوع الرئيسي لإدارته. أما المواضيع الاقتصادية والسياسية والجيوسياسية الكبيرة التي تواجهه، من العراق وأفغانستان، مروراً بالصين وإيران وباكستان، وليس انتهاءً بكوريا الشمالية... فهي بالنسبة لهم مواضيع من الدرجة الثانية! لاعبو الورق يبتسمون، ويرحبون بي، أنا زائرهم الأميركي،ويستعملون الكلمات الإنجليزية القليلة التي يعرفونها ليسألونني متى يمكن أن يتوقعوا مجيء وظائف من جديد؟ أما مسؤولو «حماس»، فيقولون إن أوباما أتى بأقوال، ولم يأتِ بأفعال؛ لكنهم ينسون تماماً دلالات تشبيه أوباما للنضال الفلسطيني بحركة الحقوق المدنية في أميركا، وأهمية انخراطه المبكر في الموضوع منذ ولايته الأولى. ويقولون إن «التنازلات» التي قدمتها «حماس» في الماضي لم يعترف بها أحد، وإنه لو كان أوباما ينوي حقاً فعل شيء ما، لكان قد أنهى الحصار. فعدم قيامه بذلك في ستة أشهر هو بالنسبة لهم دليل على أنه ليس جاداً. غير أن الاختلافات الثقافية والتأويلية لا تتوقف عند هذا الحد. ففي حوارين منفصلين مع مسؤولين كبيرين، أشار كل منهما إلى وقف إطلاق النار بعد الحرب، وعرض «حماس» لهدنة تستمر عشرة أعوام أو عشرين عاماً باعتبارها تنازلا من قبل الحركة. كلا الرجلان يتحدث «الإنجليزية» بطلاقة، أحدهما عاش في الولايات المتحدة لسنوات، لكنّ كليهما يعبر عن دهشته للقول بأن وقف إطلاق النار الحالي يبدو، بالنسبة لكثير من الأميركيين، تكتيكاً من جانب «حماس» لتجنب القضاء عليها من قبل الجيش الإسرائيلي أكثر منه أي شيء آخر، وأن الهدنة تبدو وسيلة للتخلص من الضغط الإسرائيلي حتى تعيد «حماس» تسليح نفسها وتدرب جيلاً جديداً من المقاتلين. ثم هناك موضوع الوقت! «فتح» الآن تريد الإغاثة من أجل إنهاء معاناة السكان وإضعاف قوة «حماس»، التي يقولون إنها تقوت كثيراً من الحصار وحالة الفلتان التي أفضت إلى سيطرة الحركة على غزة في عام 2007. أما المسؤول «الحمساوي»، الذي يعتبر نفسه خبيراً في الشأن الأميركي، وفي معرض دفاعه عن مفهوم وقف إطلاق النار طويل المدى، فيقول إن من شأن الهدنة أن تسمح لجيل من الزعماء الجدد بتحديد مستقبلهم وعلاقاتهم مع إسرائيل. وحين سألته لماذا يتوقع حدوث اعتدال أكبر (على أي من الجانبين) بعد عقد أو عقدين مقارنة بما حدث خلال العقدين الماضيين، أجاب بأن الوقت هو إلى جانب الفلسطينيين من الناحية الديمغرافية، ومن أجل اكتساب سلاح دمار شامل لضرب إسرائيل في حال لم يتم التوصل إلى اتفاق. صحيح أن كل منا يتحدث «الإنجليزية»، لكننا في الحقيقة نتحدث لغتين مختلفتين. والواقع أنه إذا كانت «حماس» تعتمد على مثل هؤلاء الخبراء من أجل النصح والمشورة بخصوص التعامل مع الأميركيين، فإننا جميعاً مقبلون على نزاع لا نهاية له، وليس على مجرد ليلة صعبة. غير أنه برفضها التحدث مع كل الأطراف هنا، فإن الولايات المتحدة تترك رسالتها في أيدي الأشخاص الذين إما يفتقرون إلى فهم جوهري وحقيقي، أو يفهمون لكنهم يحوّرون الرسالة لأهداف شخصية أو أيديولوجية. كما أنها تترك الزعماء السياسيين وكذلك 1.5 مليون غزي يعتمدون على ما يروج من إشاعات ونظريات المؤامرة ووسائل الإعلام المحلية والقنوات الدعائية لمن يوجدون في السلطة. وبعيداً عن قطع قنوات الحوار، على الولايات المتحدة أن تقدّم رسالتها عبر الدبلوماسيين ومسؤولي المساعدات والمنظمات المدعومة من قبل الولايات المتحدة؛ وأن توسع «برنامج الزوار الدوليين»، الذي نسج عرى صداقة دائمة بين غزيين وأميركيين، وأن تدعم «فولبرايت» وغيره من البرامج. ولعل الأهم من ذلك كله، هو أن يجلس هؤلاء الأميركيون ويستمعوا، معيدين تأكيد رسالة أوباما من أن أميركا تسعى إلى إنهاء هذا النزاع، ومصححين سوء الفهم والتأويلات الخاطئة والأساطير التي تحدث حين ينقطع الاتصال ويقوم كل جانب بنزع الطابع الإنساني عن الآخر. إن الأميركيين والفلسطينيين في حاجة للاستماع إلى بعضهم بعضاً مباشرة، وعلى المستوى الشعبي، وعبر سلسلة واسعة من المجالات عبر الآليات الثقافية والتجارية والتنموية، وبدون «فلتر» الأيديولوجيا والطمع والجهل. نورمان أولسن مسؤول سابق في وزارة الخارجية الأميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©