الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العالم الافتراضي يحلّق بأفراد المجتمع خارج نطاق الواقع

العالم الافتراضي يحلّق بأفراد المجتمع خارج نطاق الواقع
16 مارس 2014 23:26
أشرف جمعة (أبوظبي) - أصبحت الحياة في العالم الافتراضي من السمات الأساسية لشخصية الإنسان، فوسائل التكنولوجيا الحديثة التي خلبت العقول واستأثرت بالقلوب تقوم بدور كبير في إقامة الحواجز بين الناس وعزلهم في كثير من الأحيان عن بعضهم بعضا، فكثيراً ما تتكرر تلك الصور المعتادة في الأماكن العامة، وفي السيارة، وأثناء أداء المهام الوظيفية، وعلى مقاعد الطائرة، ومنذ بزوغ أول شعاع للنهار وحتى غروب آخر نقطة ضوء، وهكذا اعتاد العديد من أفراد المجتمع في مجالسهم الحميمة بين مقاعد المقاهي وفي الحدائق وفي كل مكان على هذا السلوك، لتتشكل ظاهرة غريبة تنبئ عن وجود الناس على أرض الواقع، لكنهم يحلقون مع العالم الافتراضي عبر الواتس آب والفيس بوك وانستجرام وتويتر وغيرها من خلال أجهزة المحمول الحديثة التي جعلت العالم المترامي الأطراف مثل قرية صغيرة. على سطح العالم الافتراضي تتواصل العلاقات وتتعدد الاتجاهات لكنها على الرغم من أهميتها في تقريب المسافات وسرعتها في تسهيل مهمة التواصل مع الآخر إلا أن العديد من الدراسات الحديثة التي أجريت في هذا الصدد أكدت أنها تسببت بشكل واضح في إحداث عزلة بين الأب وأبنائه وبين الجيران وبعضهما بعضا، فالجميع مشغول بالرد على الرسائل النصية وإرسال الصور التعبيرية أو محاولة التعرف على مستخدم آخر وكأن كل واحد من هؤلاء الذين يعيشون في عوالمهم الخاصة لديه بالفعل ما يشغله ويجعله في حالة لا تسمح له بمجرد التواصل بشكل إيجابي مع شخص يجلس إلى جواره في أي مكان، وعلى الرغم من انتشار هذه الظاهرة غير الإيجابية إلا أن بعض الناس لا يضعون وسائل الاتصال الحديث ضمن أولوياتهم بناء على قناعات داخلية بينهم. دوافع شخصية بخصوص ظاهرة التفاف أفراد المجتمع حول التواصل عبر وسائل التكنولوجيا الحديثة يقول أستاذ القياس النفسي بجامعة الإمارات حمزة دودين: لا يستطيع أحد أن يتجاهل هذه الوسائل وأهميتها في الوقت الحاضر فهي أداة مهمة لإقامة علاقات بين الأفراد وبعضهم بعضا، وعلى الرغم من أننا نعيش في عالم أصبحت التكنولوجيا الحديثة هي محوره الأساسي إلا أن العزلة الحقيقية هي التي يضع الفرد فيها نفسه من خلال دوافعه الشخصية وطبيعته الإنسانية وخبراته في الحياة، فإذا كان هناك أفراد يضعون التواصل الاجتماعي عبر الأجهزة الذكية في قمة أولوياتهم فعلى الجانب الآخر هناك أشخاص لديهم قدرة على العيش في الحياة بشكل متوازن ولا يتركون من في مجالسهم لكتابة رسالة أو التواصل مع أشخاص معروفين لديهم أو وهميين. ركب التقدم ويتابع دودين: من الأهمية بمكان أن نلفت إلى أن الفرد الذي لا يساير العصر ويتواصل مع الآخرين عبر أدوات الاتصال الحديثة سيكون خارج نطاق الزمن وسينظر له الناس على أنه لا يسارع بركب التقدم وما يوفره العلم من أساليب تكنولوجية توفر عليه الجهد والوقت وتطرحه بشكل أو بآخر وسط عالم آخر متعدد الأفكار والثقافات وعلى الرغم من ذلك فعلينا ألا نغفل أن التكنولوجيا مثل أي وسيلة أخرى لها إيجابياتها وسلبياتها، لذا فإنه من الضروري أن يكون هناك وعي اجتماعي من خلال البيت والمؤسسات التعليمية ووسائل الإعلام المختلفة حتى لا يصل الفرد إلى حالة من العزلة مع عالم آخر غير الذي نعيش فيه. حياة أخرى من بين الذين لديهم نشاط مستمر على مواقع التواصل الاجتماعي خالد المرزوقي، الذي يورد أن العالم الافتراضي بالنسبة له حياة أخرى تجعله يشعر بذاته وبأنه يتواصل مع قطاع كبير من الناس ومن مختلف جنسيات العالم ويلفت إلى أنه يشعر بالفعل بأن التكنولوجيا الحديثة أخذته بعيداً عن الواقع وجعلته دائما ممسكاً بهاتفه الجوال في كل مكان يحل فيه من أجل أن يرد على رسالة نصية أو كتابة خاطرة أو وضع صورة جديدة له وعندما يعود إلى المنزل يواصل رحلته مع أصدقائه من خلال جهاز الآيباد وهو مستلقٍ على السرير ويكاد يغفو من دون أن يدري فيسقط الجهاز منه ليركض بجانبه هو الآخر، ويشير إلى أنه في كثير من الأحيان يستيقظ على أصوات التنبيه الموجودة في هاتفه فور وصول رسالة جديدة لها وهو ما يجعله في حالة مستمرة من التواصل في هذا العالم الذي أصبح أحب إليه من العالم الحقيقي الذي لم يعد فيه ما يغري على حد قوله. مساحة الكلام ولا يخفي طلال المحيربي قلقه على أبنائه الذين يدرسون في مراحل تعليمية مختلفة، إذ بعضهم حين يجلسون إلى مائدة الطعام يضعون أجهزتهم المحمولة إلى جوارهم وفي أثناء تناول الطعام يستخدمون هذه الأجهزة وهو ما يقلص مساحة الكلام بين كل الذين يلتفون حول هذه المائدة، ويبين المحيربي أن هذا العصر غير كل المفاهيم الراسخة التي تعودنا عليها في حياتنا السابقة حيث كانت خالية تماماً من هذه الوسائل العجيبة المزودة بخاصية الصوت والصورة والتي لا تدع للمرء مجالاً في أن يدير حوار على أرض الواقع مع غيرة، ويلفت إلى أنه حاول كثيراً أن يفرض على أولاده أوقاتاً معينة لاستخدام أجهزة الأجهزة الذكية إلا أنه بعد أن يكتشف بين الحين والآخر أنهم خالفوا كل تم الاتفاق عليه فهم في حجراتهم يستلقون على ظهورهم ويواصلون الكتابة بجدية لأصدقائهم ما يؤكد عزلتهم الحقيقية عن الواقع الاجتماعي الذي لم نزل نعيشه بصورة شكلية خصوصاً بعد اقتحام هذه الوسائل الحديثة جداً جدار الحياة فأحدثت فيه ما أحدثت وبدلت فيه ما استطاعت بدعوى التقدم والتواصل مع الآخر. علاقات اجتماعية ويقول أستاذ علم الاجتماع المشارك بجامعة الإمارات الدكتور محمد أبو العيني: هذه الوسائل وإن كانت قد باعدت التواصل الفيزيقي على أرض الواقع، فإنها أوجدت عالما افتراضيا واسعا يستوعب شبكة علاقات اجتماعية هائلة بما يزيد من التواصل، لا نقول اليومي بل في كل دقيقة وكل لحظة، ويوفر إمكانية التفاعل المباشر مع الآخر، ومن وجهة نظر علم الاجتماع فإن لهذه الظاهرة إيجابياتها وسلبياتها. فهي من ناحية وسعت من دائرة المعارف بين الناس، وجعلتهم في حالة من التواصل مع أفراد قد يكونوا معروفين لهم، ومع آخرين ربما لن تتاح لهم فرصة اللقاء بهم بصورة مباشرة وهذا التوسع من وجهة نظر علم الاجتماع إيجابي لأنه يزيل الكثير من الحواجز، ويتغلب على الكثير من الانحيازات الثقافية فهو وسيلة ناجعة للتعرف على الآخر المختلف عنا في ثقافته وهنا تتكسر رويدا رويدا الحواجز الثقافية بين الناس في المجتمع الواحد وعبر المجتمعات، وله انعكاساته المرجوة على المدى البعيد، في التقريب بين وجهات النظر، وفهم الآخر، ومن ثم تقليل حدة التوتر والصراع الحضاري. ويضيف أبوالعينين: بالنسبة للجانب السلبي فإن العلاقات المباشرة أو ما تسمى علاقات الوجه للوجه التي تميزت بها المجتمعات حتى وقت قريب تعزز انتماء الفرد وارتباطه بالجماعات الأولية كالأسرة والجيران إلخ، فضلا عن أن اختفاء هذه العلاقات قد يؤثر على نسيج العلاقات الاجتماعية ويقلل من درجة التلاحم الاجتماعي والحميمة بين أفراد الجماعة،وفي تقديري نحن في حاجة إلى توعية الجمهور بتأثير هذه الوسائل على العلاقات الأسرية والاجتماعية ولكن ليس بالمفهوم التقليدي للتوعية لأن شباب اليوم بحاجة إلى من يخاطبهم بنفس لغتهم ووسائلهم، فأية حملة توعوية تقليدية ترفع مجرد شعارات سيكون مصيرها الفشل،والبديل هو التواصل مع الشباب عبر وسائل الاتصال الاجتماعي ولا نقلل من درجة ذكائهم، بل ندخل معهم في حوارات مفتوحة نستمع لآرائهم ونقنعهم بالمخاطر الاجتماعية، التي قد تترتب على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، وخاصة الصغار منهم. حالة خاصة يشعر حسين المهيري بأن صديقه فاضل المنصوري، الذي اعتاد الجلوس معه كل ليلة تقريباً في أحد المقاهي بالضيق من انعزال هذا الصديق عن كل ما يحيط به لكونه يعيش في حالة خاصة مع هاتفه الذكي المتصل بالإنترنت ويورد أنه ترجم ضيقه حين نبهه صاحبه إلى هذه العادة غير المرغوب فيها لكن بصوت مرتفع وبانفعال شديد، وعلى الرغم من ذلك لم تفلح تلك المحاولة في أن تجعله يتوازن قليلاً ويدرك أنه يعيش في الواقع ويمشي على الأرض.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©