الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

مطالبة بتوحيد السياسة التجارية لدول مجلس التعاون

مطالبة بتوحيد السياسة التجارية لدول مجلس التعاون
18 يوليو 2009 00:10
طالب الخبير صباح نعوش دول مجلس التعاون الخليجي بتوحيد سياستها التجارية على المسارين الداخلي والخارجي، والإسراع بتحقيق الاندماج الاقتصادي، دفاعاً عن مصالحها. وأكد أن دفاع دول التعاون عن مصالحها التجارية يستوجب النهوض بالصناعات التحويلية عن طريق تقليص كلفة الإنتاج، مع مراعاة مواصفات الجودة، من خلال حمايتها من المنافسة الأجنبية. وشدد نعوش على ضرورة قيام دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بالتعرف على التنظيم العالمي للصادرات النفطية، وكيفية الاستفادة منه بما يخدم مصالحها. ويتعين أيضاً رصد العوامل المؤثرة سلباً على هذه الصادرات، خاصة الضرائب المفروضة في الدول الصناعية. وأضاف الكاتب صباح نعوش في الكتاب الذي أصدره مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية بعنوان:« دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ومنظمة التجارة العالمية» أن صادرات دول مجلس التعاون تعتمد اعتماداً أساسياً على النفط، ولما كان مبدأ تحرير التجارة العالمية يفترض الامتناع عن تقييد الصادرات فإن السياسات النفطية الرامية إلى التأثير على الأسعار تصبح غير منسجمة مع هذا المبدأ. وهذا الوضع ينعكس سلباً على المصالح الحيوية لدول المجلس، ويدعو إلى بذل الجهود في إطار منظمة التجارة العالمية من أجل معالجته. وقال الكاتب إن تحرير التجارة العالمية يقود إلى تقليص الرسوم المفروضة على واردات البتروكيماويات، وبالتالي إلى تحسن صادرات دول المجلس. ويرى أن هذا التقليص يؤدي أيضاً إلى ارتفاع الصادرات المماثلة غير الخليجية فتزداد حدة المنافسة. ولن تجد دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بداً من تحسين البتروكيماويات وعقد اتفاقيات ثنائية مع الدول المستوردة لإنشاء مناطق تجارة حرة تعطي الأفضلية للصادرات الخليجية. أما المواد الصناعية الأخرى فبرغم الجهود المبذولة لاتزال الصناعات التحويلية الخليجية غير كافية لتغطية الطلب المحلي، لذلك لا تستفيد دول المجلس من تحرير صادرات هذه المواد. ومن زاوية الواردات، ونتيجة لهبوط الرسوم الجمركية، تنخفض إيرادات الدول فتتضرر المالية العامة. وبالمقابل كلما زاد تحرير هذه المواد تراجعت أسعار الاستهلاك بسبب ارتفاع حدة المنافسة. وأما تحرير المنتجات الزراعية فلا تؤثر على مالية الدول لأن وارداتها لا تخضع أساساً للرسوم الجمركية. كما يقود إلغاء الدعم المحلي إلى هبوط الإنفاق العام فتتحسن حالة الميزانية العامة، لكنه يؤثر سلبياً على حجم الإنتاج المحلي الذي يتسم بالضعف. ويؤدي إلغاء الدعم الممنوح للمنتجات الزراعية في الدول المصدرة إلى ارتفاع فاتورة الاستيراد في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية فيتضرر المستهلكون بسبب ارتفاع الأسعار. كما يعاني ميزان تجارة الخدمات عجزاً في دول مجلس التعاون بسبب ضعف الصادرات. نفاذ الخدمات ويقود نفاذ الخدمات الأجنبية إلى إحداث آثار إيجابية تارة وسلبية تارة أخرى. تتجلى الآثار الإيجابية في الاستفادة من الخبرات الأجنبية والتكنولوجيا الحديثة. ومن الآثار السلبية القضاء على الخدمات الوطنية التي لا تقوى على منافسة الخدمات الأجنبية المماثلة وكذلك تزايد تحويل أرباح الاستثمارات الأجنبية إلى الخارج. ويقول نعوش: إن الاتفاقات المتعددة الأطراف لا تخدم المصالح التجارية لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وهناك مجالات واسعة داخلية وخارجية لتحقيق هذا الهدف. فعلى الصعيد الوطني، يتعين تطبيق قوانين مكافحة الإغراق والتدابير الوقائية وفق قواعد منظمة التجارة العالمية. وعلى الصعيد الخليجي، أكد ضرورة العمل على ثلاثة محاور: أولاً، تفعيل السياسة التجارية الموحدة التي وافق عليها قادة دول المجلس والتي تدعو إلى وحدة التعامل التجاري مع العالم الخارجي. وثانياً، إنشاء مشروعات مشتركة، خاصة في الميادين التي تتطلب استثمارات ضخمة وخبرات علمية عالية كالبتروكيماويات والأدوية. وثالثاً، الإسراع بتطبيق معايير التقارب التي سيرتكز عليها الاتحاد الاقتصادي والنقدي الخليجي الذي سيتكفل بتوحيد السياسات الاقتصادية. عندئذ سيتوحد تمثيل دول المجلس في منظمة التجارة العالمية ويصبح الدفاع عن المصالح التجارية فاعلاً. منظمة التجارة وخلص الكاتب إلى نتيجة أن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية تتحمل خسارة تجارية بسبب انتمائها إلى منظمة التجارة العالمية. فلماذا إذن وافقت على هذا الانتماء؟ إن الإجابة عن هذا السؤال تكمن في العلاقة بين اقتصادات دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وسياساتها التجارية واتفاقاتها مع الدول الأخرى؛ فصادرات دول المجلس تعتمد على النفط، وتشكل الصادرات غير النفطية سوى قسط يسير نسبياً من تجارتها الخارجية. وبالمقابل تستورد هذه الدول عدداً كبيراً من السلع والخدمات بكافة أشكالها. وعند استثناء الصادرات النفطية تصبح الموازين التجارية والجارية في حالة عجز مزمن. كما أن الموازين التجارية الخاصة بالمبادلات الخليجية الأوروبية تتسم بالعجز رغم إضافة الصادرات النفطية. تزايد الخسائر التجارية واشار إلى إن الانتماء إلى هذه المنظمة يزيد حجم الخسارة التجارية بسبب الالتزامات الواردة في الاتفاقات المتعددة الأطراف، لكن عدم الانتماء لا يقود بالضرورة إلى تقليلها. ففي حالة عدم الانضمام يمكن للوهلة الأولى معالجة الخسارة التجارية بتطبيق إجراءات انفرادية عن طريق الرسوم الجمركية والقيود الكمية التي تفضي إلى تخفيض الواردات. لكن هذه الإجراءات تضر باقتصادات دول مجلس التعاون وتؤثر سلبياً على معدلات النمو ومستوى معيشة المواطنين، ناهيك عن تناقضها مع السياسات التجارية المنفتحة المعتمدة منذ فترة طويلة، كما أنها تضر بمصالح الشركاء التجاريين الذين لن يترددوا في اتخاذ إجراءات مضادة تستهدف المصالح الخليجية بما فيها الصادرات النفطية. السوق النفطية أما ارتفاع الأسعار في السوق النفطية العالمية فلن يشكل عائقاً أمام فرض عقوبات ضد الصادرات النفطية إذا رأت الدول الصناعية أن هذه العقوبات ضرورية للدفاع عن مصالحها. وأن كانت اقتصادات هذه الدول تتأثر سلباً بارتفاع أسعار الخام، إلا أنه لا يجوز المبالغة في هذا التأثير، لأن مكانة الواردات النفطية في موازين مدفوعات الدول الصناعية هبطت بشدة في الوقت الحاضر مقارنة بفترة السبعينيات أو الثمانينيات من القرن المنصرم. وأصبح ارتفاع أسعار النفط يقود إلى زيادة حصيلة الضرائب غير المباشرة في هذه الدول ومن ثم تقليص عجز ميزانياتها العامة. وأضاف أن قسطاً من الأموال التي تنفقها هذه الدول لشراء النفط يعود إليها مرة أخرى عن طريق زيادة الواردات المدنية والعسكرية للبلدان النفطية، ناهيك عن أن ارتفاع أسعار الخام يؤدي إلى زيادة أرباح وقيم أسهم الشركات النفطية الكبرى التابعة للدول الصناعية. ومن زاوية أخرى، فإن فرض عقوبات ضد دولة نفطية لا يؤدي بالضرورة إلى ارتفاع أسعار الخام إذا استطاعت دول نفطية أخرى تعويض نقص الإمدادات النفطية الناجمة عن تلك العقوبات. السياسات التجارية وفيما يتعلق بآليات فحص السياسات التجارية يرى أنها تنطلق من التقرير الذي تقدمه الدولة المعنية، حيث تتكفل وزارة التجارة فيها بجمع المعلومات اللازمة التي تدرج في نموذج يحدده مسبقاً ذلك الجهاز، ويعبر هذا التقرير عن الموقف الرسمي للدولة. ثم تتولى الأمانة العامة للمنظمة تحضير تقرير آخر بواسطة فريق فحص السياسات التجارية التابع لها، الذي يزور الدولة المعنية للحصول على الوثائق وتدقيق المعلومات، وقد تستغرق مهمته ستة أشهر. وعلى ضوء هذين التقريرين يصدر جهاز فحص السياسات التجارية تقريره النهائي. ولما كان هذا الجهاز هو المجلس العام للمنظمة الذي يضم جميع الدول الأعضاء فيها، فمن المنطقي ألا يقتصر التقرير النهائي على موقف المنظمة، وإنما يشمل أيضاً البيانات الصادرة عن الدول الأخرى الراغبة في التعبير عن موقفها والدفاع عن مصالحها المرتبطة بالسياسة التجارية للدولة المعنية بالفحص. ويمكن لممثل هذه الدولة الإجابة عن الأسئلة والاستفسارات التي يطرحها ممثلو تلك الدول. ويهتم التقرير في مقدمته بوصف المؤسسات الدستورية والأوضاع الاقتصادية العامة للدولة، ثم يركز على الاستثمارات الأجنبية والرسوم الجمركية والاتفاقات التجارية. وفيما يتعلق بالامتيازات التي تتمتع بها الاستثمارات الأجنبية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، نجد أنها لا تقتصر على الإعفاءات الضريبية، بل تشمل أيضاً مساهمتها في رأس مال الشركات وإمكانية حصولها على التمويل الداخلي ناهيك عن حقها في تحويل أرباحها وأصولها إلى الخارج دون أي قيد. كما أن التطور الاقتصادي الذي تشهده دول المجلس في ميدان الصناعات التحويلية والاستخراجية وفي ميدان الخدمات بكافة أشكالها يساهم في حصول الشركات الأجنبية على نسبة عالية من الأرباح قياساً برأس مالها. وبالنتيجة النهائية تتمتع الاستثمارات الأجنبية المباشرة بامتيازات تفوق تلك التي تحصل عليها في دولها الأصلية. منح الامتيازات وفي هذا الإطار يتعين حذر دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية من الدخول في دائرة الدول النامية التي تتسابق إلى منح الامتيازات للاستثمارات الأجنبية. فدول المجلس مصدرة للاستثمارات أكثر منها مستوردة لها؛ لذلك فإنها لا تحتاج إلى الأموال بقدر حاجتها إلى الخبرات الفنية العالية والتكنولوجيا المتطورة التي تصاحب بعض أشكال التدفق الأجنبي؛ لذا لا يوجد مبرر منطقي لزيادة مساهمة الأجانب في رأس مال المشروعات، ما لم تكن تلبي هذه الحاجة. علاوة على ذلك كله، يؤخذ على تقارير فحص السياسات التجارية تدخلها في قضايا لا علاقة لها أحياناً بتنظيم التجارة الخارجية، حيث توجه للحكومات إرشادات قد تكون غير مناسبة؛ مثال ذلك حث دولة الإمارات على عدم تحديد نسبة معينة لتشغيل الأجانب في المصارف، في حين لا توجد علاقة بين هذا الأمر وتنمية التجارة الخارجية؛ ودعوتها كذلك إلى تبني نظام صرف أكثر مرونة، في حين أن تثبيت أسعار الصرف مقابل الدولار المعتمد حالياً - رغم مشكلاته- يقي المستثمرين الأجانب من مخاطر تذبذب العملة ويمنحهم ثقة عالية بالسياسة الاقتصادية المتبعة. وخلافاً لمعظم الدول النامية، فإن لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية مجالات واسعة لاتخاذ عقوبات تجارية فاعلة ضد أي دولة حتى لو كانت دولة صناعية كبرى. فدول المجلس تمنح امتيازات مهمة للشركات الأجنبية ولديها استثمارات لا يستهان بها في الخارج وتستورد كميات كبيرة من المنتجات الزراعية والصناعية، علاوة على أنها في طليعة مصدري النفط الذي يعد مادة استراتيجية غير قابلة للاستبدال، ولا يمكن أن يقلص استهلاكها دون أن تتأثر جميع الأنشطة الاقتصادية. ولئن كانت دول مجلس التعاون لا تتمتع حالياً بوحدة التمثيل في منظمة التجارة العالمية، إلا أن هذا الوضع لا يمنعها من الاعتماد على تدابير جماعية عندما تتضرر مصلحة أي منها. ومن ناحية ثانية، لاحظ الكاتب أنه خلال الفترة الواقعة بين تأسيس منظمة التجارة العالمية في الأول من يناير 1995، وحتى 20 يونيو 2008 عرض أمام جهاز فض المنازعات التجارية 378 شكوى ليست من بينها أي شكوى مقدمة من قبل دولة عربية خليجية ضد أي دولة، ولا من قبل دولة ما ضد دولة عربية خليجية. للوهلة الأولى يدعو هذا الوضع إلى الارتياح، لكن المبادلات الخارجية لدول مجلس التعاون واسعة جداً نظراً إلى انفتاح أسواقها أمام السلع والخدمات الأجنبية؛ الأمر الذي يقود إلى ارتفاع احتمالات تعرضها للضرر. تسوية المنازعات وأرجع الكاتب عدم لجوء دول مجلس التعاون إلى نظام تسوية المنازعات التجارية إلى استحواذ النفط على القسط الأكبر من صادراتها، ووجود جهاز خاص بالمنازعات الخليجية البينية، وضعف تأثير القطاع الخاص. فبالنسبة للنقطة الأولى نجد أن مفهوم الإغراق لا ينطبق عملياً على سياسات تصدير النفط؛ إذ لم يحدث قط تثبيت سعر البرميل في السوق العالمية بأقل من كلفة الإنتاج أو سعر بيعه في أسواق الدول المصدرة للنفط. وبالنسبة للنقطة الثانية يلاحظ أن دول المجلس ترتبط بعدد كبير من المعاهدات التي تنظم علاقاتها الاقتصادية البينية، ولاسيما في الميدان التجاري. وتستوجب متانة هذه العلاقات معالجة الخلافات التجارية البينية في إطار الأجهزة الخليجية لا في إطار منظمة التجارة العالمية. لذلك تم إنشاء مركز التحكيم التجاري الخليجي في عام 1995، بموجب قرار صادر عن رؤساء دول المجلس، ليختص بالنظر في المنازعات التجارية الناشئة بين الأفراد أو الشركات أو الحكومات، وقراراته واجبة التنفيذ في جميع دول المجلس، مثلها مثل أي حكم صادر عن محكمة وطنية. وفيما يتعلق بنفاذ الخدمات الأجنبية إلى الأسواق الخليجية لابد من إبداء أربع ملاحظات: تتعلق الأولى بانتماء دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية إلى منظمة التجارة العالمية ومنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى؛ ففي إطار هذه المنطقة، وبعد مفاوضات دامت عدة سنوات، تم الاتفاق بين الدول العربية على تحرير تجارة الخدمات البينية، بمعنى أن دول المجلس ملزمة بتحرير الخدمات بحسب أحكام منظمة التجارة العالمية ومنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى. والواقع أن تحرير تجارة الخدمات في إطار هذه المنطقة لا يضيف أي التزام جديد على دول المجلس؛ لأن جميع بنود الاتفاق العربي مقتبسة من مواد الاتفاق العام المتعدد الأطراف بطريقة ظلت معها نفس القضايا المعلقة في الاتفاق العالمي دون حسم في الاتفاق العربي، كالدعم والمشتريات الحكومية. والملاحظة الثانية أن دول المجلس، سواء في إطار منظمة التجارة العالمية أو في إطار المفاوضات بشأن إحداث مناطق التجارة الحرة مع الدول الأخرى، لا تقدم قائمة موحدة لتحرير تجارة الخدمات، بل لكل دولة قائمتها التي تلائم أوضاعها. ففي المؤتمر الوزاري الرابع المنعقد بالدوحة عام 2001 مارست الدول الصناعية الكبرى ضغوطاً شديدة من أجل تحرير أكبر لتجارة الخدمات الهندسية في قطاع الطاقة. ولما لم تتخذ الدول النفطية موقفاً موحداً بهذا الشأن، سواء من خلال منظمة الدول المصدرة للنفط «أوبك» أو مجلس التعاون لدول الخليج العربية، فقد بات من الضروري الإسراع بحسم هذه المشكلة عن طريق التنسيق بين دول المجلس بخصوص توحيد تحرير تجارة الخدمات. وقد ظهرت بوادر هذا التنسيق في وثيقة «السياسة التجارية الموحدة» التي وافق عليها قادة دول المجلس في نهاية عام 2005، والتي توجب التفاوض بصورة جماعية مع العالم الخارجي بخصوص أي مسألة تجارية، سواء تعلق الأمر بالدول الأجنبية أم بمنظمة التجارة العالمية أم بالتكتلات الإقليمية. والملاحظة الثالثة أن التحرير الشامل لتجارة الخدمات يؤدي حتماً إلى إلغاء سياسات الحماية التي تنتهجها دول مجلس التعاون في ميادين النقل والاتصالات والمال؛ الأمر الذي يعرض شركاتها لمنافسة أجنبية شديدة. وعلى هذا الأساس لا تستفيد دائماً دول المجلس من النفاذ إلى الأسواق العالمية لأن مؤسساتها التي تهتم بهذه الميادين لا تقوى على منافسة مؤسسات الدول الصناعية الكبرى. والنتيجة النهائية أن تحرير تجارة الخدمات يعني السماح لشركات الدول الصناعية بالنفاذ إلى أسواق الخليج. والملاحظة الرابعة أن الشروط الخاصة بالنفاذ إلى الأسواق وضعت بحيث يصعب على الحكومات تعديل التزاماتها، لأن تلك الالتزامات تصبح من الناحية العملية نهائية لا رجعة فيها؛ لذلك لابد من دراسة تحرير تجارة قطاع معين من الخدمات دراسة عميقة ومن زوايا عدة لا تقتصر على المؤشرات التجارية والمالية فحسب بل تمتد لتشمل الجوانب الاجتماعية والدينية أيضاً. وخلاصة القول إن دولاً تستفيد من تحرير تجارة الخدمات وأن دولاً أخرى تتضرر منه. وتختلف درجات الاستفادة والضرر تبعاً لمستوى التقدم الاقتصادي والإمكانيات المالية والقدرات التكنولوجية في الدولة. وتعتمد هذه الدرجات أيضاً على القرارات الحكومية المرتبطة بتحرير هذا النوع أو ذاك من تجارة الخدمات. من هذا المنطلق يمكن للاتفاق العام حول تجارة الخدمات أن يحقق مكاسب لا يستهان بها لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية فيما لو تم رصد الميادين التي يتعين تحريرها بشكل كامل، وتلك التي يجب إحاطتها بإجراءات مقيدة. كما يتعين على دول المجلس بذل أقصى الجهود لتطوير مختلف أنواع الخدمات بهدف تنمية صادراتها، ورفع مستوى منافستها للخدمات الأجنبية المماثلة في السوق المحلية، وعندئذ يتحسن مركز ميزان المدفوعات وتزداد معدلات النمو. وفيما يتعلق ببراءة الاختراع، وجدت دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية نفسها، كغيرها من الدول النامية الأعضاء في منظمة التجارة العالمية، مضطرة لحماية الأدوية رغم أن صناعتها لاتزال بعيدة عن تحقيق الاكتفاء الذاتي، لذا تضطر إلى استيراد الدواء لتلبية القسط الأكبر من حاجاتها؛ الأمر الذي يؤثر سلبياً على موازينها التجارية. وأمام هذا الوضع، أصبح من اللازم تقسيم الأدوية إلى قسمين: أدوية انتهت مدة حمايتها وأخرى لاتزال محمية. ومن ثم، فعلى الدول النامية عامة والخليجية خاصة ألا تمنح أي أهمية لبراءة الاختراع عندما تتعرض الصحة العامة للخطر بسبب أسعار الأدوية الأجنبية المحمية. فلابد من الضغط على الشركات الأجنبية لتخفيض أسعار منتجاتها، وفي حال عدم موافقتها يجب إلغاء براءة الاختراع؛ ومثل هذا الإجراء معروف في الدول الصناعية. لكن ينبغي أن تكون المشكلات التي تثيرها حماية الاختراع للمنتجات الأجنبية عاملاً لدفع دول مجلس التعاون إلى توفير المناخ الملائم لإقامة صناعة وطنية وأخرى خليجية حقيقية عن طريق رصد الأموال اللازمة للبحوث وتوظيف التكنولوجيا الحديثة، وتقديم الدعم للاستفادة من الخبرات الأجنبية. كما أن الاتحاد الاقتصادي والنقدي الخليجي سيساعد على انسجام السياسات الاقتصادية المحلية، وتوحيدها في ميادين عديدة، فإن تعدد السلطات النقدية والمالية قد يقود إلى تناقض السياسات الاقتصادية الوطنية المتبعة لمعالجة حالات الركود والبطالة والتضخم، أما الاتحاد الاقتصادي والنقدي فيرتكز على معايير التقارب التي تضع حداً أقصى لأسعار الفائدة وللعجز المالي ومعدل التضخم ونسبة المديونية. وعلى البلدان الأعضاء تطبيق هذه المعايير طيلة وجود هذا الاتحاد؛ أي سوف تعتمد هذه البلدان على سياسة اقتصادية ونقدية موحدة يشرف عليها البنك المركزي الموحد. ولما كانت هذه السياسة موحدة، ولما كان هذا البنك مشتركاً، فلا يتصور حدوث تناقض في السياسات الاقتصادية الوطنية. ولا يعني هذا التحليل بالضرورة أن الاتحاد النقدي سوف يعالج الركود والبطالة والتضخم؛ لأن ذلك يعتمد على عوامل متشابكة قد لا تكون لها علاقة بالاتحاد النقدي الخليجي كالسوق النفطية والوضع المالي العالمي وتذبذب القيمة التعادلية للدولار. المهم هنا أن المكسب المتأتي من السعي إلى قيام الاتحاد النقدي يتمثل في تكثيف الجهود وتوحيد الإجراءات لبلوغ هدف مشترك يتفق عليه مسبقاً. وستؤدي العملة الموحدة تلقائياً إلى إلغاء التخفيضات التنافسية المحتملة للعملات المحلية الحالية. أيضاً سيقود الاتحاد الاقتصادي والنقدي الخليجي إلى توحيد تمثيل دول المجلس في منظمة التجارة العالمية، حاله في ذلك حال الاتحاد الأوروبي، وعندئذ سيكون دفاع المجلس عن مصالح أعضائه فاعلاً ومثمراً.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©