الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«حكواتي» من الكونغو وخديعة الحروب المعاصرة

«حكواتي» من الكونغو وخديعة الحروب المعاصرة
8 مارس 2015 01:36
إبراهيم الملا (الشارقة) في حضور الشيخة حور القاسمي رئيس مؤسسة الشارقة للفنون وضمن العروض الأدائية والبصرية الحية لدورة بينالي الشارقة الثاني عشر والمقامة تحت شعار (الماضي، الحاضر، الممكن) شاهد جمهور البينالي مساء أمس الأول العرض السينمائي «في غياب العناصر» في بيت الشامسي في منطقة الشارقة القديمة، والعرض الأدائي «الشحنة» في معهد الشارقة المسرحي. نبض المأساة في عرض «الشحنة» قدم الفنان الكونغولي فاوستن لينيكوا عرضا أدائيا جمع بين الرقص والغناء الطقوسي والحكايات المستلّة من الطفولة والذاكرة القريبة والأخرى البعيدة في موطنه: «الكونغو الديمقراطية» المبتلية بالكوارث والأزمات، ينقل لينيكوا إلى خشبة المسرح نبض هذه المأساة الموزعة على الذات والمكان من خلال تكنيك فني تفاعلي يتداخل فيه الضوء والظل وتوتر الجسد المثقل بآلامه الخفية، بينما تتكفل الحكاية بتصوير ما تبقى من هذا الميراث المرّ، في بلد أنهكته الأوبئة وعصف به الفقر والجهل، وتخطّفته الحروب والفوضى. يجسد الفنان بأدائه الفردي وسط عراء الخشبة، حكاية الفتى «كوباكو» ويقول لنا: «أنا الحكواتي كوباكو، لم آت هنا الليلة كي أروي القصص فقط، ولكنني أريد أيضاً أن أرقص، في حقيقة الأمر أنا أروي القصص منذ عشر سنوات على دروب المسارح المختلفة، واليوم أسأل نفسي: هل بالفعل رقصت طوال هذه السنوات؟ ربما لديّ فكرة عن رقصة تكون رومانسية حقاً، رقصة تتجاوز الجغرافيا، تتجاوز السياسة، والتاريخ، تتجاوز هذه العلاقة، حيث علينا دوماً أن نلعب دور الوسيط بين الأحياء والموتى». بعد هذه المقدمة التي لا يفصل فيها الراوي حكايته عن تعبيره الجسدي، يبدأ الفنان لينيكوا في استدعاء التمتمات الأفريقية الشعائرية، وبعد فاصل من الإيقاعات الشعبية اللصيقة بتراث القارة السمراء، يرتحل الراقص في فضائه الطقسي الخاص، ويأخذ جمهور القاعة معه إلى حيث ينتهي الكلام، وتنطلق لعبة الظلال المحترقة في نار التعب والخيبة، ولن يكون الجسد هنا سوى الوسيط الذهبي لأرض مشتعلة تسافر مع الراقص ومعها أطياف القرية البعيدة، والطفولة المعذبة، وتلك الروح المعلقة بين الغابة والسماء. بعد هذا العرض الأدائي اللافت، وهذا المانفيستو الجسدي الشيق والمنهك، شاهد جمهور البينالي العرض السينمائي «في غياب العناصر» الذي حمل توقيع كل من آيرين آنسطاس، ورينيه جابري المقيمان في الولايات المتحدة، حيث يعملان منذ مدة وبصيغ فنية مختلفة على تفكيك الوجود الإنساني في عالم استهلاكي جشع ومتسارع، وتهيمين عليه الميكنة والاقتصاد الكولونيالي وتجارة السلاح وافتعال الحروب وخلق مناطق صراعات في العالم، من أجل سحب أرصدة الروح وجماليات الإبداع والتأمل، وتحويل البشر إلى قطيع مبرمج لخدمة الشركات الكبرى والعابرة للقارات، والتي لا يهمها سوى الربح والربح فقط. مناخات التجريب مع هذا الفيلم الذي تتقاطع فيه مناخات التجريب مع الرصد الوثائقي يحاول الفنانان استكشاف شروط العيش في عصرنا الراهن، والبحث في احتمالات القدرة والعجز لدى الشعوب المبتلية بحروب داخلية تمت صناعتها الخارج وفي أذهان الطغاة الذين يملكون الشركات الكبرى المتحكمة في سياسات الدول، يعمل الفيلم أيضاً على تثبيت صورة كاملة للخديعة الإعلامية المروجة لهذه الحروب والدافعة لاستمرارها، وسط غياب وشلل حقيقي لصوت الحكمة والضمير في هذه البؤر المتوترة لجغرافيا البؤس. ينقل الفيلم في شبكة بصرية واسعة تحتوى الواضح والباهت والصارخ والصامت والخفي والبارز، عدة ثيمات تتعلق بالعدالة الاجتماعية، والرعاية والبحث والكفاح والتشرد والحب، وفي الجزء الثاني من زمن الفيلم يرتحل المخرجان بكاميرتهما إلى الشارقة وإلى بيت الشامسي تحديدا، لتصوير تفاصيل شقة وغاليري وفناء لإنشاء مكان عام للقاء والحوار وتناول الطعام والتعلم وصنع الفن بشكل عفوي، حيث يمكن للزوار العاديين المرور بالمكان والمشاركة في الحوارات وربما في ورش العمل غير الرسمية التي يقدمانها ويتعاونان في إنجاحها، ويسلك الفيلم هنا مساراً دائرياً، من العام إلى الخاص، ومن الهواجس والمخاوف إلى الألفة والحميمية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©