الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قراءة حرة عالم المحب

قراءة حرة عالم المحب
28 مايو 2008 02:55
إذا انتقلنا مع السريّ الرفاء في مختاراته الشعرية البديعة من المحبوب بأوصافه الحسيّة الظاهرة وجماله الآسر الفتان إلى المحب وعالمه، وغالباً ما يكون هو الشاعر، وجدنا أنه يدخل بنا إلى قلب الحياة العاطفية العربية في تجلياتها الإنسانية والإبداعية· وهو يقدم لهذا الجزء الثاني بمحاولة للتمييز بين ثلاث كلمات أو مصطلحات وجدانية هي الهوى والحب والعشق، ولا يخلو هذا التمييز من طرافة؛ إذ يعتمد على حسه الأدبي أولاً ومعرفته اللغوية ثانياً دون الاستغراق في الخطاب الفلسفي والنظري، لكنه لا يلبث أن يلاحظ عدم التزام الشعراء ؟ وهم مصادره الأولى ؟ بالترتيب الذي اهتدى إليه فيقول: ''الصواب في التأليف أن الهوى أول، وهو أعم لوقوعه على كل ما يهواه الإنسان'' فالهوى بالنسبة له يقع في منطقة الإعجاب أو الافتتان العارض، وهو بهذا قريب من مفهوم الهوى عند الشاعر الرومانيّ الكبير ''أوفيد'' في كتابه ''فن الهوى'' الذي ترجمه ثروت عكاشة إلى العربية بأناقة بليغة، والهوى فيه يعني الشغف بالمرأة والتماس وصالها بما يشبه المغامرة· ويأتي مصطلح الحب في المرتبة الأعلى عند ''الرفاء'' لأنه أخصّ من الهوى، ثم مصطلح العشق وهو أقصاه، ويستشهد على ذلك بقول البحتري: فاليوم جاز بي الهوى مقداره في أهله وعلمت أني عاشق ثم يلجأ ''الرفاء'' إلى تأييد هذا الترتيب من الأبسط إلى الأعمق بحجج لغوية، فيرى أن الهوى يدل على زوال الشيء عن موضعه أو الوقوع، أما الحب فهو ملازمة المكان ثم الانبعاث، كما قيل: محبُّ كإحباب البعير وإنما به أسف أن لايرى من يصاوله والعشق إنما هو من العَشَقة، وهي اللبابة، سمُىّ بذلك لذبوله، يقال عشق بالشيء إذا لزمه· والطريف أن المؤلف يحاول أن يشرح طبيعة الحب وهو بيت القصيد في كتابه، فيعمد إلى تلخيص رؤية الأجيال له، ويقصد بالأجيال أهل الطوائف والمهن المختلفة؛ إذ لم يكن مصطلح الجيل قد أخذ بالبعد الزمني الذي نفهمه منه الآن فيقول: ''ولكل جيل من الناس قول في الحب حسب اعتقاده، فالمنجّمون ردوه إلى تأثير الكواكب، والأطباء ومن جرى مجراهم ردوه إلى الطبع، وأصحه بحكم العيان وقضية المشاهدة (أي التجربة المباشرة) ما قالت به الخُسّ (وهي أديبة جاهلية بليغة كانت تحضر سوق عكاظ) قرب الوساد وطول السواد؛ أي دوام النظر والفكر· ومن أحسن ماقالته الإعرابية في صفة الحب (لاحظ غلبة المرجعية النسائية فكأنها هي الحجة في العواطف) ''خَفِيَ عن أن يُرى، وجلّ عن أن يخفى، وهو كامن مثل كمون النار في الحجر، إن قدحته أورى، وإن تركته توارى، وأن لم يكن شعبة من الجنون فهو عصارة من السحر''· وبالرغم من كثرة ما قيل في كتب التراث في توصيف هذه العواطف فإنه مقدمة شاعرنا السريّ الرفاء لهذا الجزء الذي يدخل عالم المحبين على وجازتها تنم عن فكر منظم، ووجدان يقظ، وحساسية شعرية مرهفة·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©