الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

متـــــــــون

متـــــــــون
28 مايو 2008 02:49
فالح حنظل يكشف أسرار مقتل العائلة المالكة دم عراقي في ذمة التاريخ علي العزير في الطبعة الثالثة من كتابه: ''أسرار مقتل العائلة المالكة في العراق''، التي صدرت مؤخراً عن دار الحكمة في لندن، يعيدنا الكاتب العراقي فالح حنظل إلى ما يصفها بـ''أول صفحة دامية في تاريخ العراق الحديث''، وهي صفحة جرّت خلفها تاريخاً من دماء سُفكت طويلاً، ولا تزال تسيل بغير حساب· الكاتب عمل ضابطاً في الحرس الملكي العراقي، ثم تفرغ لدراسة التاريخ العربي والإسلامي إثر حل الحرس بعد اغتيال العائلة المالكة، حيث حاز شهادة الدكتوراه· وكان لتنوع التجربة أن جعل الرواية مزيجاً معبراً بين معطيات الشاهد المطل على المشهد من زاويته الخلفية، وبين استدلالات الباحث الموثق للحادثة في سياقها التاريخي· تراجيدية مقيمة يبدأ المؤلف حكايته التراجيدية من وصف مفرط في الدقة للقصور الملكية التي كان العراق يُحكم منها في بداية النصف الثاني من القرن العشرين، حيث الوصي على العرش الأمير عبد الإله يمهد السبيل أمام ابن شقيقته الملك فيصل الثاني، الذي كان لايزال يافعاً، طري العود، وغير مؤهل لممارسة حكم بلد بصعوبة العراق، وفقاً لما يقتضيه الأمر من دهاء وحيلة وصلابة ومراس· الأسرة المالكة كانت تتألف من الملك ووصيه، وإلى جانبهما الملكة نفيسة أم عبدالإله وجدة فيصل لوالدته، وابنتها الأميرة عابدية، كذلك كانت هناك الأميرة هيام زوجة الأمير عبدالإله· عائلة كان عدد أفرادها يتضاءل أمام ضربات القدر الذي أفقدها مكوناتها في فترات متقاربة، هي اختارت قصر الرحاب هاجرة ما حسبته نحساً يمثله قصر الزهور الذي شهد وفاة الملك فيصل الأول، وبعده ابنه الملك غازي، ثم الملكة عالية والدة فيصل الثاني· لكن سير الأحداث لاحقاً أثبت أن الشؤم لا يرتبط بالمكان، بل هو يلاحق القوم حيثما حلوا· نذر سوداء يؤكد الراوي أنه حذر الأمير عبدالإله مراراً من حركة في الجيش العراقي، يطلق أعضاؤها على أنفسهم تسمية الضباط الأحرار، وتهدف إلى الانقلاب على الحكم القائم· لكن عبدالإله لم يحرك ساكناً، حتى عندما جاءت التقارير الأمنية تؤكد أن قائد الحركة ضابط برتبة مساعد آمر فوج، يدعى عبدالكريم قاسم، وهو ينوي الانقضاض على الحكم، رأى الوصي أنه ليس هناك ما يبرر الذعر، فالحركة هي لبعض الضباط الصغار استنتاجاً من رتبة قائدهم· النذر لم تقتصر على الكلام وحده، بل تعدته إلى الفعل أيضاً، ذات مرة بينما كان الملك ووصيه يتابعان مناورة لإحدى الفرق العسكرية سقطت قذيفتا مدفع بالقرب من مكان وجودهما، وغطاهما الدخان والتراب المنبعثين بفعلهما، لكن جهة ما قررت أنّ الحادث عرضي، ولا يحتمل شكوكاً من أي نوع· وتم التعامل مع الموقف على هذا الأساس· وسالت الدماء يوم الاثنين في الرابع عشر من يوليو كانت الأسرة المالكة تنوي التوجه إلى استامبول لتمضية فصل الصيف، وللمشاركة في اجتماعات رؤساء ميثاق حلف بغداد، ثمة مهمة أخرى كانت تنتظر أيضاً، وهي إتمام مراسم زواج الملك فيصل من سليلة إحدى العائلات التركية المرموقة· وفي الخامسة والنصف من صبيحة ذلك اليوم الحار كانت مجموعة من جنود الفوج الثالث في الجيش العراقي تحتل مبنى وزارة الدفاع في منطقة باب المعظم، يقودها العقيد عبداللطيف الدراجي آمر الفوج· وعلى مسافة غير بعيدة منها كان حاجز عسكري يقفل الجسر المؤدي إلى مبنى الوزارة أمام العسكريين وسياراتهم، دون تبرير الأمر· تدريجياً، بدأت تتضح حقيقة الموقف: وحدات لواء المشاة العشرين سيطرت على بغداد في سياق انقلاب عسكري· ثم جرى تطويق القصر الملكي وإطلاق الرصاص عليه بغزارة تسببت بإرباك الحرس المدافعين، كما أربكت قادتهم من مدنيين وعسكريين· في الفترة نفسها كان قصر رئيس الوزراء نوري السعيد يتعرض لإطلاق النار كذلك· وكما هو الحال في مثل هذه الظروف توجه قائد الانقلاب العقيد عبدالسلام عارف إلى الإذاعة ليعلن البيان رقم واحد، مشيراً إلى قيام الجمهورية العراقية برئاسته· وما هي إلا لحظات حتى امتلأت الشوارع بالجماهير التي كانت تتحرك على غير هدى، وقد حمل الناس ما تيسر لهم من سلاح وأسرعوا ملبين نداء قائد الانقلاب للمشاركة في الهجوم على قصر الرحاب ودكه دكاً· احتدم الموقف وازدادت كثافة النيران التي تستهدف القصر الملكي، وتصاعدت الأصوات من الضباط المكلفين بحراسة القصر طالبة الأوامر بالرد على النار، إلا أنّ الأمير عبدالإله أصر على التفاوض مع الانقلابيين حقنا للدماء، كما أنه لم يستجب لدعوات بعض ضباطه الذين طلبوا منه مغادرة القصر مع الملك باتجاه الحدود الأردنية قبل إحكام الحصار، كان جوابه أن طلب من الملك فيصل الثاني احضار ورقة وكتابة تنازله عن عرش العراق· كما طلب من معاونيه إفهام المهاجمين أنه لا يريد سوى مغادرة العراق مع عائلته، وهو يتعهد بعدم العودة إليه لاحقاً· قرابة الثامنة والنصف صباحاً كان الانقلابيون قد بسطوا نفوذهم على بغداد، ولم يبق من يدافع عن الملك وعائلته إلا حفنة من ضباطه المقربين، سعي هؤلاء اقتصر على التفاوض بهدف إخراج الأسرة الحاكمة من العراق· وصل عدد من الضباط الانقلابييين إلى داخل القصر وتحادثوا مع الوصي الذي أخبرهم أن الأسرة المالكة لا تريد سوى مغادرة البلاد، وحين طلب منهم الخروج مستسلمين فوجئ من تبقى معهم من الضباط بأحد المشاركين في الانقلاب يطلق الرصاص عليهم من الخلف، قبل أن يبدأ الجميع في إطلاق النار بكثافة غير مألوفة· فقتلوا جميعاً، باستثناء الأميرة هيام، زوجة عبدالإله التي أُصيبت في فخذها ثم ساعدها أحد الضباط على الاختباء في غرفة الحرس، دون أن يتنبه لها المهاجمون· حكايتان من رحلة ماركو بولو إلى الصين وماجلان حول العالم عجائب الأمكنة وغرائب البشر عندما ولد ماركو بولو في البندقية، عام ،1254 كان والده ''نيكولو'' وعمه ''ميتو'' في رحلة إلى الصين، إلى بلاط ''قبلاي خان'' (إمبراطور المغول ،1260 حفيد جنكيز خان ومؤسس سلالة يوان في الصين)· كانت الرحلات التجارية إلى الشرق الأقصى قد حلت محل الرحلات التبشيرية· ولم يمنع ذلك هذين البندقيين من العودة إلى الصين عام 1271 مرة أخرى، ومعهما الفتى ''ماركو''، محملين بالرسائل والهدايا إلى خان الكبير من البابا ''غريغوار العاشر''، الذي أرسل معهم راهبين· ولكن، إذْ خاف الراهبان من أحوال الفوضى السائدة في أرمينيا، رجعا أدراجهما· إلى الصين اجتازت المجموعة الصغيرة، وقد عادت لتكون ثلاثة مسافرين، أرمينيا ثم تبريز، وعبرت مضيق هرمز، ومنه إلى خراسان في بلاد فارس، فجبال بامير وصحراء غوبي، حتى وصلت أخيراً بعد رحلة طويلة في البر إلى بكين عام ·1271 وبقي أبناء بولو الثلاثة في الصين ستة عشر عاماً في حماية الخان· عمل ''ماركو'' هناك في عدة وظائف إدارية· وأتيحت للثلاثة فرصة العودة إلى ديارهم عام ،1291 حين رافقوا وفداً مكلفاً بخفارة أميرة من قبيلة قبلاي حتى الخليج العربي، بالطريق البحرية هذه المرة· بلغت رحلتهم منتهاها عام ،1295 عندما نزلوا في البندقية، وقد حسبهم أناسُها موتى منذ زمن طويل· تزوج ''ماركو بولو'' فيما بعد ''دوناتا بادوير''، التي أنجبت له ثلاث بنات· في العام ،1298 جرى اعتقاله خلال إحدى المجابهات الكثيرة بين البندقية وجنوى، وسجن ثلاث سنوات، وراح في أثناء ذلك يملي على رفيق سجنه ''روستيشيلو دو بيز''، روائيٍّ من ذلك الزمان، ذكرياتِ رحلته· وقد نقلت هذه الذكريات إلى الفرنسية تحت عنوان ''كتاب العجائب'' (أو ''كتاب عجائب العالم'')، الذي ضاعت مخطوطته الأصلية بعد نسخه عدة مرات، وكان مليئاً بالأغلاط ومقاربات التواريخ والأحداث· وكنصوص عديدة أخرى من ذلك العصر، يكرر الكتاب بعض الفقرات أو يغيّر في كتابات سابقة، مع ما فيها من أشياء يصعب تصديقها واستطرادات خيالية· بالمقابل، قدمت هذه الذكريات معلومات جغرافية ثمينة، لم يكن قد أخذها بالحسبان رسامو الخرائط إلا منذ القرن الخامس عشر، بسبب الاشتباه بالمكان الذي قامت فيه هذه ''الأعاجيب'' الحقيقية أو الخيالية· في كينشاي في ما يلي مقطع من ''كتاب العجائب''، يشير فيه ''ماركو بولو'' إلى مدينة ''كينشاي'' (هانغزهو اليوم) في الصين الشمالية ويتحدث عن أسواقها· إنها المدينة الأنبل والأروع، التي سميت ''كينشاي''، لمثاليتها، وأهميتها، وجمالها· (···) لكينشاي مائة ألف برج أو يكاد، لأن شوارعها وأقنيتها طويلة جداً وعريضة جداً· هنالك ساحات مربعة، تقوم فيها أسواق، وهي، لكثرة ما يلتقي فيها بشر، واسعة جداً وفسيحة بالضرورة· (···) في كل من هذه الساحات، يجتمع، ثلاث مرات كل أسبوع، أربعون إلى خمسين ألف شخص، من القادمين إلى السوق، حاملين معهم كل ما يمكن أن تشتهوه من الأطعمة، إذ هنالك دائماً وفرة فيه؛ لحم طرائد، يحامير، أيائل، وعول، أرانب برية، وداجنة؛ وطيور، حجل، وتدرّج، ودُرّاج، وفرّي، ودواجن، وديكة مخصية، وكثير من الإوز، والبط، وقلْ ما شئت أكثر من ذلك· يصيدون الكثير منها في هذه البحيرة حتى أنك تستطيع، مقابل مبلغ كبير من المال البُندقي، شراء زوج من الإوز أو زوجين من البط· حول العالم ''أنطونيو بيغافيتا''، هذا الإيطالي الذي رافق ''ماجلان'' في رحلته حول العالم، وكتب ما رواه فيها، ولد في ''فسينيا''، قرب البندقية، نحو ·1480 كان رجل ثقافة وفيلسوفاً، محباً للبحر والمغامرة، وله نفس عمر رفيقه· نجهل، خلال الفترة 1517 - ،1518 وضْعه وعلاقته بماجلان (البرتغالي فرناو دي ماجلان)، الذي جاء ليخدم إسبانيا من خلال مشروع رحلة إلى جزر المولوك (جزر التوابل/ أندونيسيا) انطلاقاً من الغرب، وقد عرضه على الملك الإسباني ''شارلكان''· أبحر ''ماجلان'' من مرفأ ''سانلوكار'' الإسباني في 20 سبتمبر 1519 مع خمس سفن ومائتين وخمسة وستين رجلاً· تولى ''بيغافيتا'' كتابة يوميات الرحلة· وروى، بلغة هي مزيج من البندقية والإسبانية، مباهج البعثة ومآسيها· وشارك ''ماجلان'' في رحلات البحّار البرتغالي ''ألبوكركه'' إلى جزر الهند وملَقَه· وشاهد خرائط سرية واستفهم من الكثير من القباطنة: كان مقتنعاً بأن هناك ممراً يتيح عبور أمريكا· تحدث ''بيغافيتا'' عن الوصول إلى خليج ريودي جانيرو البرازيلي، وعن أسرار قاع خليج ريو دي لابلاتا الواسع (بين الأرجنتين والأورغواي)· روى حكاية الرياح المجنونة في بتاغونية (الأرجنتين)، ونيران الهنود على ''أرض النار'' (أرخبيل أقصى جنوب أمريكا)· ووصف ما صادفوه من أخطار خلال ما يقرب من شهر في متاهة ما سيسمى ''مضيق ماجلان''· في نهاية نوفمبر ،1520 انفتح أمامهم المحيط الكبير، الذي سمي ''الهادئ''· ولم يصادف عبورهم بعد ذلك أية أرض حتى جزر ''ماريانا'' (شرق الفيليبين)· من هناك، وصل ماجلان إلى الفيليبين، حيث لقي حتفه: قتله السكان المحليون في 5 أبريل على جزيرة ''مكتان'' الصغيرة، قرب جزيرة ''سيبو''· روى ''بيغافيتا'' الحادث، وأنهى حكايته بالحديث عن العودة إلى إسبانيا· عاد المركب ''فيكتوريا''، الوحيد الذي بقي للبحارة، بقيادة الباسكي ''خوان سيباستيان إلكانو''، ليرسو على شاطئ ''سنلوكار'' في 6 سبتمبر ·1522 كان ''بيغافيتا'' واحداً من الناجين الثمانية عشر الذين أبحروا في أول رحلة حول العالم، التي استمرت ثلاث سنوات· جزيرة اللصوص (السبت، السادس عشر من آذار لعام 1521) بلغنا عند الفجر جزيرة عالية تبعد ثلاثمائة فرسخ عن جزيرة اللصوص؛ هذه الجزيرة اسمها ززمال· أراد الربان العام، في اليوم التالي، النزول في جزيرة أخرى غير مأهولة مجاورة للأخرى، لتأمين أكبر قدر من الأمان، ومن أجل الحصول على الماء؛ كذلك بهدف الاستراحة هنا بضعة أيام· نصب خيمتين على الأرض، من أجل المرضى، وقتل لهم خنزيرة· (يوم الاثنين، الثامن عشر من آذار)، بعد العشاء، رأينا قدوم قارب يتجه نحونا وفيه تسعة رجال· حينها، أمر الربان العام أن يبقى الجميع ساكنين، وألا يقولوا أي شيء قبل أن يسمح لهم بذلك· عندما جاؤوا إلى هذه الجزيرة صوبنا، اتجه زعيمهم إلى الربان العام مباشرة، مبرهناً عن سروره البالغ بقدومنا· بقي خمسة من أبرزهم معنا· أما الآخرون، الذين لم يغادروا القارب، فقد ذهبوا بحثاً عن أولئك الذين يصطادون، ورجعوا معاً كلهم· ولما رأى الربان أنهم أناس عاقلون، أشار بتقديم الطعام والشراب لهم، وأعطاهم قبعات حمر، ومرايا، وأمشاطاً، وأجراساً صغيرة، وعاجاً وأشياء أخرى· ولما لمسوا كرم الربان، قدموا له السمك، وإناء من خمر النخيل يسمونه ''فراكا'' بلغتهم، وثمر صبار طوله أكثر من قدم وأخرى أصغر وأطيب طعماً، وجوزتي هند· عندئذ، لم يبق لديهم شيء يعطونه، وأشاروا لنا بأيديهم أنه كان يمكن أن يقدموا لنا ''الأوماي''، أي الرز، والكثير من الأطعمة الأخرى، لو أننا كنا قد وصلنا قبل ذلك بأربعة أيام· الأمة المصري هادن الإنجليز ثم قاد الثورة ضدهم وبدأ معتدلاً وانتهى متشدداً سيرة حزب من الولادة إلى الموت حلمي النمنم أيهما أجدى: الاعتدال في المطالب الوطنية والقومية أو الحماس لها؟ وبصياغة أخرى: هل التساهل انفع أم التطرف والتشدد؟! مازال هذا التساؤل مطروحاً، سواء في القضية الفلسطينية أو المأساة العراقية أو في قضايا الإصلاح العربي، وانقسم المثقفون والرأي العام إلى فريقين أحدهما ينحاز إلى الاعتدال واللين، والآخر يرى ضرورة القوة والمواجهة الحاسمة· وحتى لا ننزلق إلى اتهامات كل طرف للآخر، فإن المسألة كانت مطروحة في كل الأزمات الوطنية بمنطقتنا، ومن هنا تأتي أهمية هذا الكتاب الذي صدر مؤخراً لأستاذ التاريخ الحديث د· أحمد زكريا الشلق، بعنوان ''حزب الأمة ودوره في السياسة المصرية''، وهو الحزب الذي أُسس عام 1907 في القاهرة وتزعمه مجموعة من الكتاب والمفكرين مثل أحمد لطفي السيد، وعرف في الدراسات التاريخية بأنه حزب الأعيان وكبار الملاك· حزب الملاّك الثابت أن الأعيان وكبار الملاك أرادوا تأسيس حزب يعبر عن كيانهم ودورهم في الحياة الاجتماعية والسياسية المصرية، ومعروف أن لورد كرومر - المعتمد البريطاني في مصر آنذاك - شجع قيام الحزب وسانده، ليكون مواجهاً للحزب الوطني، حزب مصطفى كامل الذي ناصب الاحتلال العداء وكان حزباً جماهيرياً، استطاع أن يحشد المصريين خلفه، وأن يكون له أنصار من خارج مصر وكان الحزب الوطني في المرحلة الأولى يحظى بدعم الخديوي عباس حلمي الثاني الذي كان يتبادل الكراهية والعداء مع كرومر، فقد كان كل منهما يرى أنه الحاكم الحقيقي لمصر دون الآخر· واتُهم حزب الأمة من بعض الوطنيين بأنه حزب الإنجليز، ويصعب أن نجزم بذلك لكن أعضاءه رأوا أن الاحتلال مأساة كبرى وقدر لا يمكن منازلته والأفضل السير في خطين متوازيين الأول هو الاستفادة من وجود الاحتلال قدر الإمكان والتهادن معه والثاني اعداد الأمة للاستقلال بنشر التعليم والأفكار الحديثة ولذا لم يكن غريباً أن يكون قادة حزب الأمة هم الذين تبنوا الدعوة إلى تأسيس الجامعة المصرية، لتعد جيلاً من المتعلمين، رغم أن كرومر كان ضد قيام الجامعة· والاعتدال أو التشدد ليس حالة أو سمة مطلقة، بل هو أمر نسبي، ذلك ان حزب الأمة كان معتدلاً تجاه الإنجليز، ولم يوافق على اعمال مصطفى كامل وخطبه وتحركاته العنيفة تجاه الاحتلال، ولكن هذا الحزب نفسه، كان حاداً في مواجهة علاقة مصر بالباب العالي، والدولة العثمانية وراح أنصاره يطالبون بقوة باستقلال مصر نهائياً عن الدولة العثمانية، وهم في هذا الموقف اتفقوا مع الخديوي عباس حلمي، الذي كان على غير موقفهم من الاحتلال البريطاني، على الأقل حتى رحيل كرومر إثر حادثة دنشواي ومجيء كتشنر معتمداً بريطانياً، بينما كان مصطفى كامل وحزبه الوطني يعتزان بصلة مصر بدولة الخلافة ويؤكدان احترامهما البالغ للسلطان العثماني، ولذا هاجما حزب ''تركيا الفتاة''، بينما دافع عنه حزب الأمة· ودعا حزب الأمة على لسان مفكره الأكبر لطفي السيد إلى إنشاء بنك وطني مصري تأسيساً على أن الاستقلال الاقتصادي لا ينفصل عن الاستقلال السياسي، ودعا لطفي السيد المصريين إلى شراء أسهم الدين المصري حتى تتخلص مصر من السيطرة البريطانية على اقتصادها، ودعا إلى الاهتمام بالصناعة الوطنية، وطالب بفرض جمارك مرتفعة على الصناعات الأجنبية حماية للصناعة الوطنية، وبالرغم من ذلك كان معادياً للاشتراكية· توجهات ثقافية وفي الجانب الثقافي والفكري أثرى أعضاء حزب الأمة الحياة الثقافية بترجمة عدد من الأعمال الفلسفية والفكرية الأوروبية، مثل مؤلفات أرسطو التي نقلها لطفي السيد إلى ''العربية'' وغيرها، وهي الأعمال التي دعمت أفكار الحزب وتوجهاته· وهنا تبرز ترجمات أحمد فتحي زغلول لعدد من الكتب المهمة مثل ''سر تقدم الإنجليز'' وغيره، وكانت الترجمات غالباً عن ''الفرنسية''، وبالرغم من ارتباط هؤلاء سياسياً بالإنجليز، فإنهم اهتموا بالثقافة الفرنسية وعملوا على نشرها، في مواجهة الثقافة الإنجليزية ودعوا إلى الاهتمام بإصلاح اللغة العربية وتجديدها في مواجهة اللغة الإنجليزية التي عمل ''دنلوب'' الإنجليزي على نشرها في المدارس المصرية· والملاحظ أن المجموعة التي أسست حزب الأمة كانت من تلاميذ والمعجبين بأفكار الأستاذ الإمام محمد عبده، وكان محمد عبده على رأس الجناح المدني في الثورة العرابية وجاءت الهزيمة القاسية لعرابي ورفاقه ثم محاكمته هو ونفيه من مصر لتجعله يعيد النظر في عدد من الأفكار ومن أهمها فكرة الثورة، فتبنى سياسة الاعتدال والتدرج في المطالب الوطنية والعامة، فقد رأى أن الثورة انتهت بالفشل وجلبت الاحتلال، وتشرب تلاميذه هذه الفكرة وآمنوا بها· سعد مرتضى أول سفير مصري في تل أبيب يروي تجربته المثيرة هناك وجه إسرائيل بلا رتوش في حين تحتفل هيئات أهلية عربية بذكرى 60 عاماً على النكبة ومؤسسات رسمية إسرائيلية بمرور 60 عاماً على إنشاء الدولة العبرية، يسجل أول سفير مصري في تل أبيب بعض العقبات أمام انسجام النسيج الاجتماعي في دولة تضم مهاجرين من أصول مختلفة ولا يتفقون إلا على الهاجس الأمني· يرصد سعد مرتضى في كتابه ''مهمتي في إسرائيل·· مذكرات أول سفير مصري في تل أبيب'' من خلال تجربته ''الفريدة والمثيرة'' التي استمرت 31 شهراً في الدولة العبرية، كيف ''يسيطر الأشكيناز (اليهود الغربيون) على الحكم'' وهذا ما يدفع اليهود الشرقيين إلى عدم التفاعل الكامل مع المجتمع الإسرائيلي· وينقل ما قاله له أحد اليهود المغاربة ''الذين يستوطنون أوروبا الآن· صارحني بأنه يسعده كثيراً أن يلتقي بصديق عربي قادم من المغرب؛ لأن ما بينهما من تفاهم وخلفية مشتركة·· قد يزيد على ما يوجد من روابط مشتركة بينه وبين زائر أشكينازي من إسرائيل·· وهناك أيضاً فئة من اليهود المتدينين تعرف باسم ناطوري كارتا·· تعيش في إسرائيل ولا تعترف بدولتها·· ويرفضون الصهيوينة''، مضيفاً أن نحو 80 في المائة من شعب إسرائيل اليهودي لا يتمسكون بتقاليد الدين اليهودي· ويقول: إن إسرائيل ''تستغل المخاوف الأمنية·· فيبالغ حكامها خاصة إذا كانوا من الصقور مثل الليكود في تصوير الأخطار التي يتعرض لها شعب إسرائيل ويستخدمونها أحياناً لستر الأطماع التوسعية··· يعلمون الجيل الجديد في إسرائيل أن الضفة الغربية وقطاع غزة هما ضمن حدود إسرائيل التاريخية·· أما دولة الفلسطينيين فهي الأردن حسب ادعاءاتهم''· قبل المهمة ويقع الكتاب في 334 صفحة كبيرة القطع وأصدرته (دار الشروق) في القاهرة· وكان المؤلف سفيراً لمصر، في المغرب حين فوجئ ''كما فوجئ العالم'' بزيارة الرئيس المصري السابق أنور السادات لإسرائيل يوم 19 نوفمبر ·1977 ويرصد في كتابه ردود الأفعال العربية التي كانت في مجملها ترفض تلك الزيارة إذ أعلنت سوريا ''يوم 19 نوفمبر يوم حداد''، أما تونس فرأت في الزيارة نوعاً من سياسة ''فرض الأمر الواقع ومخالفة للاسترتيجية العربية''، ولم ينس مرتضى أن يسجل أن الرئيس التونسي السابق الحبيب بورقيبة كان ''أول رئيس عربي يعلن في أواخر الخمسينات استعداده للاعتراف بإسرائيل وإنهاء حالة الحرب· ولكن الرئيس المصري الأسبق جمال عبدالناصر اتهمه بالجنون''· ويضيف أن معظم المثقفين المصريين رفضوا مبادرة السادات ورأوا فيها ''إهداراً لمكاسب حرب أكتوبر (1973)· وكان هذا التيار الرافض يضم معظم دوائر وزارة الخارجية المصرية''، حيث استقال إسماعيل فهمي الذي كان يشغل منصب نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية ورفض السفر مع السادات إلى القدس ثم استقال محمد رياض وزير الدولة للشؤون الخارجية الذي اعتذر بدوره عن مرافقة الرئيس الراحل في زيارته للقدس، وخلال مباحثات كامب ديفيد لم يوافق وزير الخارجية محمد إبراهيم كامل على مشروع الاتفاق وقدم استقالته· كما يسجل ''استياء قادة الدول العربية من انفراد مصر باتخاذ قرار السلام مع إسرائيل''، مشدداً على أن السلام المصري مع إسرائيل كان حلاً عملياً وحيداً وممكناً لكنه ووجه بإدانة من رأوا فيه ''استسلاماً لإسرائيل وإهداراً لانتصارات أكتوبر 1973 وتفريطاً في حقوق الشعب العربي الفلسطيني وانشقاقاً على وحدة الصف العربي وعزلاً لمصر عن العالم العربي وخروجاً من ميدان المعركة''، حيث أشار السادات إلى أن أكتوبر هي آخر الحروب بعد تمكن الجيش المصري من عبور قناة السويس واستعادة شريط مواز للقناة من شبه جزيرة سيناء التي احتلتها إسرائيل في حرب ·1967 مهمة غير عادية ويصف مرتضى مهمته الدبلوماسية ''غير العادية'' التي بدأت في فبراير شباط 1980 وانتهت بعد غزو إسرائيل للبنان عام 1982 بأنها ''لم تكتمل· تحققت بعض مظاهر وأهداف السلام بين مصر وإسرائيل وتعثرت الآمال والأهداف الأخرى'' الخاصة بحقوق الفلسطينيين، مضيفاً أن ''ميدان العمل الدبلوماسي والسياسي والعسكري'' لايزال مفتوحاً أمام الشعوب والدول العربية الأخرى· ويقول: إن القطيعة بين العرب وإسرائيل ''نتيجة الصراع بينهما'' ساعدت على إسدال كثير من الغموض عن إسرائيل من الداخل ومن ذلك مثلاً أن ''نحو 20 في المائة فقط من اليهود هناك هم الذين يتمسكون بكل تعاليم الدين اليهودي''· ويخصص المؤلف فصلاً عن شخصيات إسرائيلية عرفها عن قرب مثل رئيس الوزراء الأسبق مناحيم بيجن ذي ''الاتجاهات الفكرية المتطرفة·· والآراء المتعصبة'' التي جعلت السفير المصري يعتقد أن بيجن ''يعتبر نفسه صاحب رسالة شبه سماوية يلتزم بأدائها·· يؤمن أن رسالته هي إعادة بناء مملكة إسرائيل''· كما يرى أن رئيس الوزراء السابق أرييل شارون ''شخصية عدوانية طموحة مثل الجراد لا يتردد في اكتساح أي صعوبة يمكن أن تقف في سبيله''، ورغم ذلك أو ربما بسبب ذلك فإنه يتمتع بتأييد ''المتطرفين'' في إسرائيل· وفيما يشبه التلخيص يقول مرتضى إنه خلال وجوده في إسرائيل لم يشعر بتفوق ''المخ اليهودي'' ويعزو التفوق التكنولوجي إلى خبرة ومهارات المهاجرين الأوروبيين والأميركيين إلى إسرائيل وهذا ''يجب ألا يخيف العرب· أما الحاجز النفسي الذي حاول الرئيس السادات تحطيمه بعد زيارة القدس، فمن الواضح أن الواقع العربي الآن يشهد بفشل هذه المحاولة''·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©