الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإعلام الصيني و نعمة الزلزال

الإعلام الصيني و نعمة الزلزال
28 مايو 2008 01:58
بعد زلزال ''سيشوان'' المدمر وفي لحظة أمل غير متوقعة عرفت صورة الصين على الساحة الدولية تحسناً دراماتيكياً خلال الأسبوعين الماضيين، بسبب التعاطف الواسع الذي أبدته دول العالم مع الضحايا ومشاعر التقدير التي أحاطت بالاستجابة السريعة والفورية للسلطات في بكين، لكن هذا الانعطاف في صورة الصين العالمية يظل مع ذلك هشاً وقابل للانتكاس، لا سيما إذا تراجعت الحكومة الصينية عن السياسة التي أكسبتها كل هذا التعاطف والمتمثلة في حرية الصحافة، ويعبر عن هذا التخوف ''ويران جيانج، -الأستاذ بجامعة ألبيرتا بكندا- قائلا: ''إن الصورة الجديدة للصين هشة، إذ لا أتوقع أن يطول شهر العسل بين الحكومة والصحافة لأن الشعب الصيني نفسه سيبدأ في طرح الأسئلة، حول بعض القضايا المحرجة مثل عدد المدارس التي انهارت''، مضيفا قوله: ''لا أحد يستطيع كبح جماح الانتقادات، وانتقال الحكومة إلى صف الدفاع عن نفسها''· ورغم الفرصة السانحة التي يمنحها العام 2008 لتحسين صورة الصين لتنظيمها الألعاب الأولمبية، إلا أن بدايته كانت سيئة للغاية بالنسبة للسلطات في بكين بسبب قمعها للمظاهرات في التبت والتكتم على الموضوع، فضلا عن الجدل الذي رافق الشعلة الأولمبية في جولتها العالمية، ثم الانتقـــادات الدوليــة التي لطخت صورة تعاني أصلا من فضائح الفساد ومشاكل توفير الغذاءن لكن الزلزال الذي ضرب البـــلاد مؤخراً وخلف أكثر من 80 ألف قتيل، وما لحقها من استجابة حكومية سريعة أعاد بعض الوهج لصورة الصين لتبدو بمظهر مختلف، ويرجع ''جونج وينجزيانج'' -رئيس كلية الصحافة في جامعة بكين- هذه الصـــورة الجديدة إلى ''التغير الكبير في الموقف الحكومي تجاه الصحافة الأجنبية بعدما فسحت المجال أمام المراسلين الأجانب للوصول إلى المنطقة المنكوبة''، موضحاً أنه ''عندما تسمح للناس بالتعرف على معانـــاة الآخرين، فإنهــم يبــدون تعاطفهم لأنهم يرون كيف تحولت الحياة الإنسانية إلى أولى الأوليات''· وبالنسبة للبروفيسور ''ويران جيانج'' فإن الزلزال -ورغم سلبياته العديدة- إلا أنه ''غير بشكل واضح من ديناميكية العلاقة الصينية مع باقي العالم، والحقيقة أني لم أرَ تغيراً مشابهاً يطال صورة الحكومة في مثل هذه الفترة الزمنية القصيرة''· وحسب المراقبين استفادت الصين كثيراً من الاختلاف السافر بينها وبين ميانمار في طريقة التعامل مع الكارثة، إذ في الوقت الذي منع فيه النظام العسكري الحاكم في ميانمار دخول فرق الإنقاذ الأجنبية لمساعدة ضحايا الإعصار الذي خلف أكثر من 130 ألفا بين قتيل ومفقود، فتحت الصين أبوابها للدعم الخارجي، وسمحت للصحافة الأجنبية بنقل صور الكارثة دون تحفظ، وقد تجلى رد الفعل السريع للسلطات الصينية في مشاركة المسؤولين الصينيين أنفسهم في عملية الإنقاذ وفي مقدمتهم رئيس الوزراء ''وين جيابو'' الذي انتقل إلى عين المكان في محافظة ''سيشوان'' بعد ساعتين فقط على الزلزال· وطيلة تواجده في المحافظة رافقته وسائل الإعلام التي نقلت إشرافه على عمليات الإغاثة، ووقوفه إلى جانب الضحايا ومواساته للأسر المنكوبة· في الأسبوع الماضي عاد رئيس الوزراء في زيارة تفقدية ثانية إلى المنطقة، حيث مازالت الصعوبات مستمرة، لا سيما بعد الهزة الارتدادية التي ضربت المنطقة يوم الخميس الماضي وأسفرت عن مقتل ثمانية أشخاص، فضلا عن احتمال حصول فيضانات بسبب تساقط الأمطار وتجمع المياه بين مخلفات الأنقاض، وأمام هذه الأخطار والصعوبات وعلى رأسها إعادة توطين أكثر من خمسة ملايين شخص شردوا نتيجة الزلزال، خفت الضغوط على الحكومة الصينية في مجال حقوق الإنسان، ولا بد من الإشارة أنه في قلب التغير الحاصل في الموقف العالمي تجاه الصين وتحسن صورتها على الساحة الدولية تكمن القصص الإنسانية لضحايا الزلزال التي نقلها المراسلون الأجانب، وفي هــــذا الإطـــار يقـــول ''شي يينجهـــون'' -أستاذ العلاقات الدولية بجامعة ''رينمين'' بالصين-: ''كان هذا الانفتاح الإعلامي لابد منه لتعبئة الناس وإشراكهم في عمليات الإنقاذ، وقد شكل ذلك تقدماً حقيقياً مقارنة مع السياسات السابقة''· لكن هل ستستمر سياسة الانفتاح الإعلامي طويلا؟ هذا ما لا يجزم به البروفيسور ''بينجهون''، والحقيقة أن سيطرة الدولة على الإعلام مازالت قوية، كما أن الحزب الشيوعي الذي يشرف على إدارة الإعلانات هو من يفرض أجندة الأخبار على الإعلام الصيني، وبالطبع ''لن تنحسر هذه السيطرة الحكومية بين ليلة وضحاها'' يقول ''ديفيد باندورسكي'': الباحث بجامعة ''هوج كونج''، ويوافق هذا الرأي البروفيسور ''جونج وينجزيانج'' الذي أكد أن ''أي تغيير دائم في السياسة الإعلامية للصين يتعين أن يسبقه تغيير مماثل في النظام السياسي، لكن حتى اليوم لم نر أي تغيير جوهري في النظــــام السياسي''، والأكثر من ذلــــك أن كارثة الزلزال والمأساة التي ترتبت عليه دفعت وسائل الإعلام إلى إظهار الجانب الإنساني والمعاناة المصاحبة له، ما أدى إلى تعاطف واسع مع الصين، لكن تغطية أحداث أخرى قد لا تكون بنفس الأسلوب· فمع احتمال تصاعد الانتقادات الموجهة للحكومة الصينية والتساؤل عن سبب انهيار المدارس، فإنه من غير المرجح أن يستمر الانفتـــاح الإعلامي وتسامــح السلطات الصينية مع التقارير الإخبارية، وهو ما قد يعيـــد الصين إلى صورتها السابقة قبل الزلـــزال· بيتر فورد- بكين ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©