الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فضضت ختامها

فضضت ختامها
16 يوليو 2009 01:37
إذا كان الشرب له عاداته وطقوسه فإن الشعر الذي يدور حوله قد عتق صوره وأمعن في استعارته، وهي بطبيعتها تمزج الواقع بالمتخيل دون فصل بينهما، شأنها في ذلك شأن بقية التصورات الإنسانية بكل أبعادها ومستوياتها. ومن أوائل الصور الخمرية ما يمثل خروجها من الدنان الذي يسمي البزال، وهو ثقب الدن لينبجس منه السائل، فيقول أبو نواس: فضضت ختامها والليل داج فدرَّت درة الودج الطّعين بكف أغنَّ مُختضبٍ بنانا مزال الصُّدغ مضفورِ القرون لنا منه بعينيه عداتٌ يخاطبنا بها كَسرُ الجفون كأن الشمس مقبلة علينا تمشي في قلائد ياسمين فالجملة الأولى توحي بالاحتفال الدموي بالخمر كأنها العروس عند فض بكارتها، فتنبثق مثلما ينهمر الدم من عرق الودج المطعون، لكن الشاعر يتدارك على هذه الفحولة غير المقصودة، فيشير في البيت الثاني الى أن ذلك الطقس يتم بكف ساق كأنه الظبي الأغن رقة وخضاب أصابع، وطول سوالف وقد أرخى ضفائر شعره كأنه قرون، وهو إضافة لذلك يجيد الغمز بعينيه، ويعتمد في خطابه على حركات جفنيه، والمهم في نهاية الأمر أن السلافة تتدفق بنورها كأنها شمس تتوشح بقلائد الياسمين، فخراج العنف الذي يبرز من فعل الفض وانبثاق الدم لا يلبث أن يلين برقة بالغة في يد الساقي المخنث اللعوب، لكي يكتمل طقس الشراب المضاد بطبيعته اللاهية لحياة الطعن والحرب والنزال، لأنه سلمي في جوهره، ولعله يكتسب أهميته الثقافية من تمثيل هذا الجانب اللين المتسامح في الحياة، فهو الذي يصور حياة المدينة بما تحفل به من لهو ولعب وغزل وترف، في مقابل حياة الصحراء البدوية الشاقة وما تتطلبه من يقظة حادة في الحواس والأعراف لا يجدي معها السكر ولا الرفاهية. ويتفنن الصنوبري في تقديم صورة أخرى لهذا البُزال قائلا: ما زال يقبض روح الدن يبزله كما تغلغل سلك الدر في الثقـب وأمطر الكأس ماء من أبارقه فأنبت الدر في أرض من الذهب وسبح القوم لما أن رأوا عجبا نورا من الماء في نار من العنب فهو يبدأ مثل سابقه بصورة عنيفة تجعل البزال قبضا لروح الدن، ثم لا يلبث أن يرق بأن يجعله ثقبا لسلك الدر وانهمار الأمطار في الكأس، وإنباتا للدر في أرض ذهبية، بل يذهب إلى أبعد من ذلك في استعارة حالة التقوى المضادة في تسبيح القوم ودهشتهم لمعجزة الخمر التي تجمع بين نور الماء ونار العنب في لمحة شعرية فائقة. أما ابن المعتز فيقدم صورة شعرية أخرى للبزال بالغة الجدة والطرافة إذ يقول: مسندة قامت ثلاثين حجة كواضعة رجلا وقد رفعت رجلا فأخرج بالمبزال منها سبيكة كما فتل الصواغ خلخا له فتلا فهي دنّ معتقة، مسندة على الحائط كأنها امرأة في وضع تهيؤ مثير، والساقي يخرج منها سبيكة ذهبية تنسل مثل الخلخال المفتول الذي يتولى من المرأة الداعية في مشهد تشكيلي يمتزج فيه الواقع بالخيال المشبوب المجنح.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©