الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

القطاع الصناعي ساموراي اليابان الحديث .. وباعـث التقدم والازدهار للأمة المهزومة

القطاع الصناعي ساموراي اليابان الحديث .. وباعـث التقدم والازدهار للأمة المهزومة
31 مايو 2016 22:39
إعداد وترجمة: حسونة الطيب ساهم القطاع الصناعي حول العالم في خلق اقتصادات رائدة، غيّرت خريطة الدول وحركة التجارة والصناعة العالمية، وتعرض «الاتحاد» من خلال ملف «الصناعة الوطنية.. مقومات وتحديات»، تجارب اقتصادية واعدة لدول لعب القطاع الصناعي الدور الأبرز في نهضتها وريادتها، لتكون نموذجاً ومثالاً للنهضة الاقتصادية التي تشهدها الإمارات، في ظل سياسة التنويع والاستدامة التي تبنتها الدولة لمرحلة ما بعد النفط. وتمثل قصة نجاح اليابان التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، للكثيرين من الخبراء والمسؤولين في الغرب تجربة مثيرة للإعجاب والدهشة في آن واحد. ومعالم النجاح وأسبابه واضحة لا تخفى على أحد. وللبحث عن تفسيرات ذلك، نجد الحماس الذي تتميز به النشاطات الغامضة لأفراد الشعب الياباني في بوتقة تشكل صرحاً ضخماً من التعاون التجاري الحكومي. ويُعزى لهذا التعاون، التطبيق الدائم للطاقة الفردية التي تفرز تدفقاً مستمراً من المعجزات الصناعية. لم تعد الشمس في أرض اليابان بذلك الإشراق القوي، إلا من إشعاعات قليلة تجسدها في صناعة لعبة فيديو جديدة أو سيارة أو لعبة أطفال، القطاع الذي تكاد تحكم سيطرتها عليه. وفي الوقت الذي لم تسمح فيه أميركا لليابان بإعادة تسليح نفسها، كرست الأخيرة جهودها لإنفاق كل أموالها للوقوف على قدميها. ويرى بعض الخبراء أن إنجازات اليابان الصناعية ليست وليدة بنيتها القوية المتكاملة، بل لمقدرتها أكثر من أي دولة صناعية أخرى في العالم، للتعرف على بعض القوانين الأساسية لإدارة المنظمات المعقدة في العالم الحديث. وعلى عكس الغربيين، يعتقد اليابانيون أنفسهم غير موحدين، وأن حياتهم مليئة بالتوترات والضغوطات والخلافات وليست الوحدة. كما تحتدم المنافسة بين البنوك والشركات الصناعية الكبيرة. وغالباً ما يدخل اليابانيون في حرب داخلية تعكس ما يدور في مؤسساتهم، تتمثل في حرب العصابات التي تشنها كل وزارة ضد الأخرى وحرب العصابات التي تشكل الأحزاب السياسية ومجلس الوزراء والجامعات والأعمال التجارية الخاصة. والأهم، أنه وفي حين يرى الأجانب تعاوناً لصيقاً بين الحكومة والأعمال التجارية، يصف اليابانيون ذلك بالتدخل الحكومي وفرض السيطرة. والحكومة اليابانية ليست ناجحة دائماً في حث القطاع الصناعي على التعاون من أجل المصلحة العامة. وبصرف النظر عن الضغوطات التي استمرت لمدة عشرين عاماً، لم تقدر وزارة التجارة والصناعة الدولية على حشد جهود الشركات الكبيرة لصناعة الكمبيوتر، الشيء الذي أنجزته بالفعل حكومات دول مثل بريطانيا وألمانيا وفرنسا. لكن على الرغم من كل ذلك، حقق اليابانيون الإجماع اللازم لمشاركتهم الفعالة في الاقتصاد العالمي. وعلى العكس من العرف السائد في معجزة اليابان الصناعية، فإن النجاح التنافسي لقطاع الصناعة الياباني ليس وليد وحدة الفكر والعمل، لكنه يُعزى لتقاليد السلوك السياسي الذي يستغل تنوع حياة المواطنين اليابانيين لإفراز حراك اقتصادي فعال. ومن بين هذه التقاليد، الاعتماد التام لتأثير سياسة مقترحة، على إنتاجية القطاع الصناعي الياباني وقوة اليابان التنافسية في السوق العالمية وميزان المدفوعات والتجارة. وكاد هذا التقليد أن يتحول إلى الطبيعة الثانية لصانعي القرار في البلاد في الوزارات والأعمال وللمحللين والنقاد وأقسام الاقتصاد في الجامعات. واردات الطاقة وعلى العكس من الأميركيين، يدرك اليابانيون مدى اعتمادهم على واردات الطاقة والمواد الخام والأطعمة، وعجزهم عن الاستغناء تماماً عن بقية العالم. وظلت وزارة التجارة والصناعة الدولية، منذ العام 1960 تعارض باستمرار توسع قطاع صناعة السيارات الياباني، الذي تعتبره بمثابة الانغماس الذاتي وشرخ بغيض في نسيج المجتمع الاستهلاكي. بالإضافة إلى أنه وعلى الأقل إبان سنواته الأولى، ثارت بعض الشكوك حول مقدرته على منافسة شركات مثل، جنرال موتورز وفورد وفيات وفولكس فاجن. كما برزت مخاوف في أن ينجم عن سوق كبيرة للمركبات في اليابان، زيادة كبيرة في الطلب تقود لفتح البلاد للواردات الأجنبية، البند الذي عزمت على محاربته لفترة طويلة. وبفضل الدولارات والخبرة الأميركية، تمكنت الشركات اليابانية من صناعة الشاحنات والمعدات الأخرى. وتعتقد الوزارة كذلك، أن نمو قطاع المركبات ربما تكون له آثار سالبة على الميزان التجاري لليابان وعلى مقدرتها الإنتاجية واحتلال مكانتها في الاقتصاد العالمي. وكلما زاد نجاح قطاع السيارات، زادت آثاره الضارة على الاقتصاد. وأشارت الوزارة إلى أن القطاع يتطلب اثنين من المواد الخام تفتقر لهما اليابان بشدة، النفط وخام الحديد. ويتطلب القطاع أيضاً، تحويل الموارد الشحيحة المتمثلة في الأراضي لزراعة المواد الغذائية ورأس المال وإنشاء الطرق السريعة. وبدلاً من قطاع المركبات، تقترح الوزارة استثمارات ضخمة لتطوير شبكات السكك الحديدية لزيادة سعة الشحن. قطاع المركبات وتوضح الوزارة، أنه ورغم مبيعات قطاع السيارات القياسية لأميركا الشمالية وغرب أوروبا، فإن أرباح صادراتها تشكل جزءاً يسيراً مما تكلفه لليابان من صرف أجنبي لاستيراد خام الحديد والنفط. كما أن نسبة قليلة مما يتم إنفاقه على إنشاء الطرق السريعة، كفيل بتوفير سعة الشحن التي تحتاج لها البلاد عبر السكك الحديدية، خاصة أن كل هذه الأموال الطائلة التي أُنفقت، فشلت في توفير شبكة طرق سريعة مناسبة لليابان. كما تزدحم الطرق بالشاحنات وموانئ المدن بالسفن، في وقت تزيد فيه نسبة تلوث المناخ. لكن خسرت الوزارة حربها ضد قطاع المركبات، الذي يمضي في مسيرته بصرف النظر عن معارضتها له، نسبياً للإعجاب بفكرة قيادة الرجل لسيارته في الطرقات، بصرف النظر عن تكلفتها العالية واكتظاظ الطرقات وعدم توفر المواقف. لكن رغم كل ذلك، يؤخذ في الاعتبار تأثير القطاع في الإنتاجية والموقف التنافسي وميزان التجارة. ويتراوح نمو اليابان بمعدل قدره 10,5% سنوياً، في الفترة بين 1950 إلى ستينيات القرن الماضي، بينما لم يتعد نمو بقية دول العالم 4,7%. وبحلول 1952 والتخلي التام عن الأسلحة، تجاوز الناتج المحلي الإجمالي لليابان، المملكة المتحدة بنحو الثلث. وفي العام 1970، حلت اليابان بعد أميركا والاتحاد السوفيتي، مدعومة بعاملي طبيعة العمل والابتكارات. وانعكست طبيعة الابتكار، في صقل الطقوس العادية وتحويلها إلى فنون. وتحولت هذه الصفة بعد ذلك، إلى الرقاقات الإلكترونية الدقيقة، التي ساعدت بعد أزمات النفط في 1973، في زيادة تكاليف الصناعات الثقيلة. وبلغ متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي الياباني في الفترة بين 1961 إلى 1989، 37% سنوياً. ومنذ ذلك الوقت، لم يفلح نمو الناتج في تجاوز نسبة سنوية قدرها 1,67%. وتمكنت المؤسسات الاقتصادية اليابانية بحلول ثمانينيات القرن الماضي، من اللحاق بركب الاقتصادات المتقدمة، لكنها لم تنجح في تجاوزها. وفشل تعاون الحكومة مع الأعمال التجارية وحوكمة الشركات التي تعتمد على البنوك التي عكفت على تسيير البلاد لعدد من العقود، في دفع عجلة النمو إلى الأمام. أغنى دول العالم وأصبحت اليابان في 2001، واحدة من أغنى دول العالم، حيث أنجزت في أقل من قرن، ما عجزت عنه دول مثل المملكة المتحدة وأميركا ودول غربية أخرى، في فترات أطول من ذلك. ومع أن اليابان بدأت رحلتها الصناعية نهاية القرن التاسع عشر، لكن جاء تطورها الاقتصادي بعد دول الغرب المتقدمة حتى 1989. وفي بداية سبعينيات القرن الماضي، بلغ متوسط دخل الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في اليابان، نحو 5960 دولاراً، مقابل 8190 دولاراً لأميركا وما دون 2000 دولار لبعض الدول الغربية الكبيرة. وفي الاقتصادات التي تتمتع بالحرية الصناعية مثل اليابان، يعتمد نمو الاقتصاد الوطني على أعمال القطاع الخاص التي تتضمن، المؤسسات المدرجة والشركات الخاصة والشراكات والجمعيات التعاونية وغيرها. وعند حلول العام 1980، بلغت حصة اليابان من سوق الإلكترونيات العالمية 80%، لتصبح «صنع في اليابان»، رمزاً للجودة والمكانة الاجتماعية. كما احتلت اليابان المركز الثاني كأكبر بلد لصناعة المركبات في العالم. ولا تزال حتى اليوم تكتسب المنتجات اليابانية الاحترام الكبير من علامات تجارية مثل، سوني وسانيو وأيوا وفوناي وياماها وهوندا وتويوتا وميتسوبيشي، وغيرها الكثير. الاعتماد على النفط وتسببت الأزمات النفطية في كشف اعتمادها المفرط على النفط المستورد، وعكست أيضاً مدى كفايتها من الطاقة، مقارنة برصيفاتها من الدول الغربية. ولم تكن مصادفة أنه وبحلول 1980، أن يكون مديرو 67% من الشركات اليابانية من حملة شهادات العلوم التطبيقية والهندسة. وبما أن أميركا وأوروبا تنظران للنجاح الياباني بمثابة التهديد لصناعاتهما، اتجهتا لفرض رسوم حمائية وقيود تجارية على المنتجات اليابانية. وتصدت اليابان لهذه التوجهات، بالاستثمارات في الغرب بدلاً من الدخول في المنافسة. ومن بين استثماراتها، مزارع القهوة في البرازيل والمصانع في نيوزيلندا وصناعة المركبات في المملكة المتحدة. وفي حين يقدر متوسط العمر في اليابان بنحو 90 عاماً، لا يزال الفرد الياباني يعمل وفي أكثر من وظيفة حتى يناهز سن الثمانين. ويتميز اليابانيون بالصلابة والمقدرة على مواجهة الصعاب، حيث لا يزالون متماسكين بصرف النظر عن تعرضهم لقنبلتين نوويتين في ناجازاكي وهيروشيما. وساهم برنامج اليابان بالخلو من الأسلحة، في توفير الأموال لإنفاقها على التعليم ورفاهية الشعب. علاوة على ذلك، تختفي المحسوبية من مسرح التوظيف لتوكل الوظائف لمن هو كفؤ بشغلها. النقابات والاتحادات ومن بين الأسباب التي تعضد نجاح اليابان، ربما لا يوجد بلد مثله في العالم من حيث التنظيم. وتتميز البلاد بعدد ضخم من النقابات الاقتصادية والاتحادات الصناعية والروابط المهنية والجمعيات التجارية وأندية الاهتمامات الخاصة وغيرها. وتتكتل كل من هذه المجموعات بجرأة تامة مستخدمة حقها الانتخابي بوضوح وأموالها لتحقيق غاياتها. ومع ذلك، عندما ترغب في توصيل صوتها وتأثيرها للمسؤولين، تقدم المصلحة الوطنية على الشخصية. ورغم ذلك، من المتوقع أن تكيف كل مجموعة مصالحها وفقاً للاحتياجات العامة والأهداف والتطلعات والقيم الوطنية. وبما أن مبدأ تقديم المصلحة الوطنية هو السائد منذ أمد بعيد، يجد مديرو الأعمال اهتماماً كبيراً عند مناقشة سياسات اقتصادية أو اجتماعية، حتى من قبل 40% من أفراد الشعب الياباني الذين يؤمنون بالماركسية أو يعارضون بشدة أحزاب الأعمال ومرشحيها. وفي حين، ربما تواجه المقترحات الجديدة في اليابان المعارضة من قبل مجموعة ذات اهتمام معين، لكن يتم تعليق الاهتمامات الخاصة لأعضائها لحين النظر في المصلحة العامة. وفي الغرب، تصبح هذه الاهتمامات الخاصة محور النقاش، لكنها هامشية في اليابان. المرأة في سوق العمل ولا يزال مديرو الأعمال في اليابان، يفضلون التغاضي عن التهديد الذي يشكله دخول المرأة بشدة مجال الوظائف الإدارية والمهنية. وربما لا يجد حتى عدد قليل للغاية من مديري الشركات الكبيرة في اليابان، وقتاً كافياً لإدارة شركاتهم، حيث يخصصون جل الوقت للعلاقات. ويديرون شؤونهم من خلال الاهتمام الكبير بالقرارات الشخصية لكبار المديرين والمطالبة بالتقارير الدقيقة المتعلقة بالخطط والشؤون المالية. لكنهم لا يعيرون انتباهاً كبيراً للعمليات التي تُوكل لصغار العاملين في السلم الوظيفي. ودائماً ما يجلس هؤلاء المديرون مع مسؤولي البنوك وكبار الإداريين والوزراء ومع أشخاص من داخل الشركات التي ينتمون لها. وليس بالضرورة مناقشة الأعمال خلال هذه الجلسات التي تتنوع بين شؤون تتعلق بالسياسة الاقتصادية إلى اهتمامات شخصية وبين تطلعات المستقبل إلى إعادة تحليل الماضي. ولا يقتصر هدفهم بالضرورة على حل أي معضلة، لكن لإرساء تفاهم مشترك. وعند حدوث مشكلة ما، يدرك الطرف المعني الخطوات التي ينبغي اتباعها وبكل حزم وفاعلية. ومن بين آخر تقاليد السلوك الاقتصادي الياباني، ربط التفاعل الإنساني ليس بالعلاقات المتنازعة فحسب، بل أيضاً بالمصلحة العامة والثقة المتبادلة. وتبدو علاقة الخصومة والتنازع عنيفة في اليابان وتخلو من ثقافة إدارة الخد للمسيء، في بيئة تزخر بالعنف من براكين وفيضانات وزلازل. وفي اليابان، يصعب العمل أو العيش بالقرب من المنافسين، لذا تبدو المنافسة في احتدام دائم بين الشركات العاملة في نفس المجال وبين مجموعة من الشركات، على سبيل المثال بين سوني وباناسونيك أو بين ميتسوي بنك وفوجي بنك. لكن عندما تقتضي الضرورة إيجاد علاقة مع منافس، يبدأ البحث عن أرضية مشتركة. وفي الوقت نفسه، تبذل كل الأطراف المتنازعة جهوداً كبيرة لعدم المساس بالمصالح العامة وإدراك أن ليس هناك انتصار نهائي، سواء على الأفراد أو الشركات. وبذلك، ينبغي التأكيد على جعل الاختلاف مفيداً للطرفين، بدلاً من المحاولة اليائسة لكسب الجولة. وأظهرت بعض الشركات اليابانية الكبيرة والناجحة مثل، سوني وباناسونيك وميتسوبيشي وهوندا، القليل من الاحترام لقوانين البلاد السائدة. ولا يعير مديرو هذه الشركات ورواد أعمالها الكثير من الاهتمام أو الوقت للعلاقات الخارجية ولا إذا ما كانوا سيجدون القبول. وتنتشر عملية انتقاد بعض القوانين بكثرة في اليابان، خاصة في محيط الأعمال، بجانب الشكوك حول ما إذا كانت لا تزال مناسبة لاحتياجات اليابان. ويتساءل البعض بخصوص مقدرة الإدارات العليا، لتكريس جل وقتها للعلاقات الخارجية دون فقدان الاتصال بالحقائق المتغيرة للاقتصادات والأسواق والتقنيات. ومع ضعف هذه القوانين وقصورها والقيود التي تكتنفها، فإنها لا تجد الموافقة العالمية أو التطبيق دون استثناءات. ورغم ذلك، أثبتت فعاليتها في تعزيز الأداء الصناعي في اليابان. تجانس صناعي ويتناقض التجانس الصناعي الراهن في اليابان، والذي يُعزى للقيم الثقافية الضاربة في القدم، مع تاريخ العلاقات الحافلة بالعنف بين الرؤساء والمرؤوسين في اليابان. وحتى عشرينيات القرن الماضي، التي صادفت مرحلة التكوين في اليابان، شهدت البلاد أعنف العلاقات العمالية بالمقارنة مع أي بلد صناعي آخر في العالم. وقبل فترة اليابان الحديث بنحو 150 سنة، وإبان حقبة ميجي في 1868، نتج عن العلاقة بين اللوردات وجيوشهم من الساموراي من جهة، وقوة المزارعين من جهة أخرى، تمرد دموي للمزارعين مرة كل سنة على أقل تقدير. ولا زال نهج الحكومة الدموي بدلاً من المحاولة الحذرة لإيجاد أرضية عامة، هو الذي شكل قانون العلاقات بين المجموعات المتنافسة في ثلاثينيات القرن الماضي. وبجانب إيتشي شيبوساوا، الذي كون أخلاقيات المجتمع الياباني الحديث، ساهم أيضاً ياترو إيواساكي، الذي أسس شركة ميتسوبيشي، في بناء اليابان أيضاً. وكدليل للنهضة الصناعية، وجدت هذه القوانين طريقها بعد الحرب العالمية الثانية، عندما شرعت اليابان المهزومة والمدحورة، في عمليات إعادة البناء والبحث عن أفضل القوانين التي تساعد في ذلك في عالم زاخر بالمنافسة المحتدمة. ونجحت اليابان بعد إذلالها من قبل أميركا، في إعادة ترتيب أوراقها، لتصبح واحدة من أهم الدول التجارية الحديثة، رغم تشبثها القوي بثقافتها المحلية، التي استغلت ما يناسب من عناصرها دون المساس بالعناصر الأخرى. وربما كان عامل الاستعمار ودخول قوات لأرض لم يسبق أن وطأتها أقدام أجنبية، الأهم في تحريك رغبة جامحة لتجربة أشياء لم تتناولها أيدي اليابانيين من قبل. ورغم غياب القائد الفذ لوضع البلاد على الطريق الصحيح، أسهمت شدة حاجة العمال اليابانيين، في توفير القوة المحفزة. كما أنه رغم تباين المصالح والقيم والمؤسسات، وحدت اليابان أفعالها واستمدت قوتها وتماسكها، مستفيدة من الاعتماد والإحاطة بجملة من القوى المتنافسة. وربما لا تكون الشركات هي العامل الوحيد وراء الإنجاز الاقتصادي لليابان، لكن من المرجح أن البلاد أعدت نفسها لتحديد القوانين لمجتمع تعددي ومعقد من منظمات كبيرة في عالم يتسم بسرعة التغيير وزيادة الترابط. سمات الازدهار وتزخر يابان اليوم بمختلف السمات التي تعكس الازدهار الذي تعيشه البلاد ومستوى النظافة المثير للإعجاب، فلا يرى الزائر أعقاب السجائر في محطات القطارات مع ملاحظة السيارات الفاخرة من مرسيدس وبي أم دبليو في طرقات طوكيو وكيوتو وتدفق السياح الأجانب وازدحام المطاعم والمقاهي الراقية. ويمكن تلخيص قصة نجاح اليابان في عدد من النقاط من بينها، نظام الرعاية الصحية عالي الجودة في البلاد. ونجحت اليابان في قطع خطوات بعيدة في إرساء بنية تحتية قوية لقطاع الإنترنت. وفي مسح أجرته مؤخراً أكاماي تكنولوجيز. آي إن سي، وهي شبكة توزيع محتوى ومقدم للخدمات السحابية، يقع مقرها في كامبردج ماساتشوستس في الولايات المتحدة، وجدت أن من بين 50 مدينة تتميز بأسرع إنترنت في العالم، 38 منها في اليابان، مقارنة بثلاث فقط في أميركا. نقلاً عن: إنترناشونال نيويورك تايمز، موقع بيزنيس ألبيرتا الكندي، ذا جارديان، ذا أتلانتيك، موقع يور ستوري، وهارفارد بيزنس ريفيو الين وقوة الاقتصاد أبوظبي (الاتحاد) حقق الين ارتفاعاً منذ نهاية 1989 قدره 87% مقابل الدولار ونحو 94% مقابل الجنيه الإسترليني. ويقدر معدل البطالة في البلاد بنحو 4,2%، أي نصف نسبة أميركا. ووفقاً لموقع سكاي سكرابرز، تحتضن مدينة طوكيو 81 بناية يزيد طولها عن 500 قدم، بينما توجد 64 منها في نيويورك و48 في شيكاغو و7 فقط في لوس أنجلوس. ويقدر حجم فائض الحساب الجاري في اليابان، بنحو 196 مليار دولار في 2010، بزيادة أكثر من ثلاثة أضعاف عنه في 1989، في حين ارتفع في أميركا من 99 مليار دولار إلى 471 مليار دولار في الفترة نفسها. وبينما يُعد استهلاك الكهرباء أحد معايير ترف الشعوب ونشاطها الصناعي، بلغ معدل زيادة إنتاج الكهرباء خلال تسعينيات القرن الماضي في اليابان، ضعفي نسبة الزيادة في أميركا مع مضيها في التفوق عليها في القرن الجديد. وكثيراً ما تعزي أميركا والدول الغربية قضية تحديد النسل وتقدم السن بين اليابانيين، لفشل اليابان السياسي، رغم وجود نفس الظاهرة في عدد من الدول الصناعية الكبيرة الأخرى. كما أن هذا الخيار حددته اليابان وأفراد شعبها. ونجحت اليابان لحد كبير في إنتاج ما يسمى بسلع المنتجين التي تحتوي على مكونات متطورة أو مواد أو معدات إنتاج غاية في الدقة. وربما لا تكون هذه المنتجات واضحة بالنسبة للمستهلك، لكن يصعب في غيابها وجود العالم الحديث. وهيمنت أميركا على هذا النوع من الصناعة، الذي يتطلب رأسمال ضخم وخبرة كبيرة، إبان خمسينيات وستينيات القرن الماضي ما أهلها للريادة العالمية في مجال الاقتصاد. وينبغي أخذ اليابان كنموذج وليس كموعظة. وإذا كان في مقدور دولة أن تستجمع قواها للمضي قدماً، لن يصعب عليها تحويل الظروف غير المواتية لمزايا. ويتطلب التطوير الدائم للبنية التحتية، تعاوناً كبيراً بين طيف واسع النطاق من الجبهات السياسية. دخل الفرد أبوظبي (الاتحاد) يناهز مستوى دخل الفرد في اليابان نظيره في أميركا، بيد أن وتيرة النمو تثاقلت للغاية في اليابان على مدى الثلاثين سنة الماضية. كما أن معدل الولادة فيها دون متوسط الدول المتقدمة، إلا أن معدل الادخار يظل من بين الأعلى في العالم. ويعتبر معدل الاستهلاك بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي، دون الولايات المتحدة الأميركية بكثير. وفي أعقاب الفقاعة العقارية في 1990، نجحت البلاد بشكل كبير في تفادي الفائض في السوق العقارية والمشتقات التي أسهمت في وقوع مشاكل الائتمان في أميركا في 2008. ومع أن الين ليس من بين عملات الاحتياطي ورغم ارتفاع معدل الدين، استمرت عملة البلاد في قوتها. وبفضل النظام المصرفي وبصرف النظر عن تعثره قبل عشرين سنة، يظل مستوى الادخار قوياً، لتتخلص البلاد من مخاوف تصرفات الدائنين الأجانب.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©