الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

البصرة··· دروس مستفادة

البصرة··· دروس مستفادة
27 مايو 2008 02:21
في كورنيش البصرة، الشارع الذي يلتقي عبره دجلة والفرات ويصبان في الخليج العربي، يسود شعور جماعي بالارتياح هذه الأيام، فبعد أن تم طرد فرق الموت والميليشيات الإسلامية من معاقلها على يد الجيش العراقي، يرى الكثيرون أن هذه المدينة-الميناء باتت أفضل حالا مما كانت عليه قبل شهرين، ولكن العراقيين يتساءلون مع ذلك لماذا لم يحدث ذلك قبل سنوات، وهل تصلح العملية لتكون نموذجا يطبق على المناطق المضطربة الأخرى في العراق؟ والحقيقة أن التقييمات، المتضاربة أحيانا، تفيد بصعوبة استخلاص دروس أكيدة بخصوص كيفية إرساء الاستقرار وتحقيق الوحدة في العراق· بعد شهرين على توجيه رئيس الوزراء نوري المالكي أوامره إلى الجيش بتنفيذ الهجوم، يتحدث سكان البصرة اليوم عن شعور بالأمان، وإن لم يكن أمانا كاملا، وذلك بعد سنوات من الاضطهاد على يد العصابات المسلحة و''فارضي'' الشريعة، ففي السنوات الأربع التي كانت القوات البريطانية منتشرة في المدينة -من 2003 إلى أواخر 2007- ظهر الخارجون عن القانون الذين كانوا يتربصون بالموسيقيين وبائعي الكحول والمسيحيين والنساء غير المحجبات والأكاديميين، وأي شخص لا يتبنى النسخة المتشددة من الإسلام التي يتبنونها· أما اليوم، فتظل المتاجر والمطاعم مفتوحة في البصرة وقتا أطول من السابق، كما تم استئناف بيع الكحول بشكل غير علني، كما يبدو أن القوات الحكومية قد قضت على جيش المهدي التابع لمقتدى الصدر وغيره من الميليشيات، غير أن الجو في بعض المناطق الأكثر فقرا مثل ''الحيانية'' مازال متوترا، بل إن الأمن حتى في وسط المدينة يبدو هشا، حيث لا يعمل على ضمانه سوى الآلاف من الجنود وأفراد الشرطة العراقيين المنتشرين في نقاط التفتيش عبر المدينة· ولكن السؤال الرئيسي -في تعليقات الناس التي لا مفر منها- يتعلق بما إن كان يتوجب على القوات متعددة الجنسيات في جنوب العراق، بقيادة البريطانيين، أن تُخلص المدينة من أفراد العصابات منذ وقت طويل، فقد شاهد سكان البصرة بريطانيا وهي تقلص عدد جنودها في جنوب العراق من 46000 جندي في عام 2003 إلى ،4000 ثم وهي تسحبهم في سبتمبر الماضي من وسط المدينة إلى المطار، الذي يبعد عن المدينة بعدة أميال، قبل أن تقوم بتسليم السيطرة الكاملة على الإقليم للعراقيين في شهر ديسمبر، وحسب العديد من سكان البصرة الغاضبين، فإن البريطانيين لم يكونوا يريدون تكبد الإصابات الضرورية لفرض النظام لأنهم كانوا يخوضون حربا تفتقر إلى الشعبية في بلدهم بريطانيا· بيد أن البريطانيين يرفضون هذه الأقوال، ويؤكدون أنهم واجهوا مشكلة مختلفة تماما عن تلك التي واجهها الأميركيون نحو 300 ميل إلى الشمال من المدينة، فقد ظهرت عصابات شيعية على شاكلة المافيا في مدينة أغلب سكانها شيعة، في حين كانت الفصائل السنية والشيعية إلى الشمال من البصرة تخوض حربا أهلية في مدن مثل بغداد وبعقوبة· كان البريطانيون يجادلون، قبل انسحابهم من وسط المدينة، بأن بقاءهم هناك إنما يجعل الوضع أسوأ لأنهم أضحوا بمثابة ''مغناطيس'' جاذب للهجمات، وفي هذا الإطار، قال المقدم ''باتريك ساندرز'' -القائد البريطاني للكتيبة الرابعة في فوج المشـاة- في يوليو الماضي: ''لا شك أننا نمثل، في أعين بعض الأهالي، جزءا من المشكلة، أكثر منه جزءا من الحل''، مضيفا: ''يجب أن نغادر، ما من شك في ذلك، فالطريقة الوحيدة لحل مشاكـــل البصـــرة هي حل عراقي''، ثم أضاف يقول: ''طالما أننا هنا، فإن قوات الأمن العراقية ستظل أقل ميلا إلى مواجهة الميليشيات''· كما يجادل البريطانيون بأن انسحابهم من وسط البصرة -بعد أن أصبحت القوات العراقية مستعدة لتسلم المهام الأمنية في المدينة- هي التي جعلت الهجوم الذي شنه رئيس الوزراء المالكي في مارس مقبـــولا من قبل الجمهور، وفي هذا الإطـــار يقول الرائد ''توم هولوي'' -المتحدث العسكري البريطاني في البصرة-: ''كان لا بد من القيام بعملية صولة الفرسان، وكان لا بد من أن يقوم بها العراقيون''، مضيفا ''كان لا بد من أن يقودها العراقيـــــون، وهــو مــا كــان بالفعل''· الآن وبالنظر إلى المستقبل، يُطرح السؤال بخصوص ما إن كان باستطاعة الجيش والشرطة والحكومة العراقية الحفاظ على التحسن الذي تم تحقيقه هنا وفي أماكن أخرى، وما إن كانت مناطق مثل البصرة والموصل ومدينة الصدر في بغداد ستعود إلى الفوضى حين يعيد المسلحون تنظيم أنفسهم، والواقع أنه حتى الجنرال العراقي ''موحان الفريجي'' -الذي قاد عملية البصرة- أكد أن المدينة ''آمنة بنسبة 75%'' فقط، اعتبارا من منتصف شهر مايو، موضحا أن أصل المشكلة ليس عسكريا، وإنما سياسي واقتصادي، وأن البصرة كانت عرضة للتهميش والإهمال لعقود، وأنها في حاجة اليوم إلى برنامج كبير للاستثمارات والتنظيف وخلق الوظائف· الحقيقة أن العديد من العراقيين والأجانب يرون أن الحل بالنسبة لبلد منقسم سياسيا ينبغي أن يكون سياسيا، وليس عسكريا، وفي هذا السياق يقول ''نيجل هيوود'' -القنصل العام البريطاني في البصرة-: ''يمكنك أن تضمن الأمن بواسطة الجنود على الميدان إلى مرحلة معينة، والحال أنه من أجل الأمن الحقيقي لا بد أن يكون السكان مستعدين ليقولوا: ''بصراحة، لا نريد عودة الميليشيات، وإذا حدثت مشاكل فسنبلغ الشرطة بشأنها''· ستيفان فاريل -البصرة ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©