الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بابل من اللغات الفوتوغرافية

بابل من اللغات الفوتوغرافية
8 يناير 2014 21:31
هو المعرض السنوي الثاني والثلاثون للتصوير الفوتوغرافي، الذي تقيمه جمعية الإمارات للفنون التشكيلية إنما بلا عنوان، أي بلا فكرة أو ثيمة محددة وجامعة تجعل من الممكن للناظر إلى هذه الأعمال التي بلغ عددها تسعاً وتسعين عملا،ً أن يلتقط فكرة بعينها تلتئم من خلالها هذه الأعمال التي يشارك في تقديمها خمسة وثلاثون مصوراً فوتوغرافياً إماراتياً ومن المصورين العرب المقيمين في الدولة. بهذا المعنى فإن لكل من الفنانين المشاركين اجتهاداً في تقديم تقنيات وأفكار خاصة ومسعى ما إلى التميز والخصوصية في معالجة المشهد الذي يقدمه للجمهور من خلال عينه، وتطويعه “عين” الكاميرا بحيث تخدم إبراز أفكار بعينها لدى كل مصور فوتوغرافي، بحيث يشعر المرء، إذ يمارس أكثر من تجربة جمالية أنه أمام “بابل” من “اللغات” الفوتوغرافية التي تطرح تجارب متعددة. ما يميز هذه التجارب هو الاختلاف في المرجعية التشكيلية التصويرية بحسب الطرائق التي تمت من خلالها معالجة الصور بالمعنى التقني للكلمة. ومن جهة أخرى زاوية النظر تلك التي جرى من خلالها التقاط المشــهد ومن ثم تأبيده في الصــورة، وجعــلها شاهد عيان حيّاً على المكان وهيئته في لحظة ما من عمر هذا المكان. غياب اليوميات وسوى غياب بعض الأسماء الكبيرة من المصورين الفوتوغرافيين الإماراتيين، وحضور جيل جديد منهم، فإن اللافت للانتباه هو غلبة الاتجاه الواقعي في التصوير على ما عداه من الاتجاهات إلى حد أن المرء يحسب أن أغلب المصورين المشاركين، أو البعض من بينهم، يقول للناظر إلى أعماله: إنه مصور فوتوغرافي مكتمل الشرط الخاص بفكرة المصور الفوتوغرافي، الذي يمتلك الإحساس بالمشهد والصورة والتقنية.. أي الأدوات التي تتيح له أن يخرج بهذا المشهد خارجاً عن المألوف.. إنما دون استغراق في نزعة تجريبية أو محاولة اختبار لطاقة التقنية والمعالجة، باستثناءات نادرة يمكن تحديدها في المعالجة عبر البرامج الحاسوبية الخاصة، التي جعلت العديد من الصور مفهومة أو محتملة بسبب واقعيتها وراهنيتها إنما تبدو التقنية في المعالجة ذاتها مطروقة سابقاً إلى حدّ أنها باتت لا تميز صاحبها ولا تمنح المصور الفوتوغرافي اختلافاً في المشهد الفوتوغرافي في الإمارات على نحو أوسع. أيضا، ما من اتجاه أو تيار فني آخر سوى الاتجاه نحو الواقعية في المعرض على نحو الإجمال، ربما بسبب ذلك التركيز على التقاط مفردات الحياة اليومية التقليدية الإماراتية، وكذلك السعي إلى التقاط العمران الناشئ حديثاً، أكثر من الذهاب إلى الحياة اليومية مثلما هي عليه في اختلافها وندرتها وازدحاماتها وغلبة الضجيج اليومي والعادي فيها، والابتعاد تقصد التقاط المشهد الطبيعي البعيد عن الحراك المديني الحادث (الآن، وهنا) بتفاصيله وواقعيته التي نصادفها يوميا دون أن نعتني نحن في التقاطها والتي تحتاج إلى تلك العين الذكية التي تبرزها للناظر إلى منتَجِها الفوتوغرافي على نحو مختلف تماما. للنساء الثلثان واللافت للانتباه أيضا، أن من بين المصورين الفوتوغرافيين الخمسة والثلاثين تشارك تسع عشرة امرأة، أي قرابة الثلثين، في هذا المعرض، الأمر الذي قد “يعني” بكل بساطة أن المستقبل القريب للتصوير الفوتوغرافي في الإمارات سوف تقوده النساء، بتفاصيل حياتهن اليومية وبمقدرتهن على التعبير عن ذواتهن من خلال هذا الفن الذي لا ينضب له معيناً ما دامت الحياة قائمة والناس تسعى إلى حراك يومي يبدو أنهن أكثر قدرة من سواهن على التقاط تفاصيله وقبل ذلك الإحساس بما تعنيه هذه التفاصيل، رغم أنهن الأكثر نأياً عن التجريب والتقاط الصورة الأكثر حداثة وميلهن إلى تفاصيل الحياة اليومية الإماراتية الموروثة أو البعيدة عن المدن والقريبة إلى الحياة في طزاجتها الأولى وبريتها الأولى بكل ما يعنيه ذلك من رومانسية وحنين إلى ماض مختلف لم يعشن منه سوى إحساسهن به، إلى حد أنه ما من مبالغة في القول بأن هذا المعرض، على نحو إجمالي يحمل توقيع نون النسوة بامتياز، سواء على مستوى العدد والمشاركة أو على مستوى التميز والمقدرة على الاختلاف بشكل عام. تذهب المصورة الفوتوغرافية الإماراتية حليمة السعدي إلى التقاط بضعة تفاصيل من الحياة العائلية، فنرى امرأة، هي جدّة بالتأكيد، تقبل حفيدها الذي يبدو وليداً للتو، بل إنها لا تقبله فحسب، بل تتشمم رائحة الحياة الطازجة في أنحاء جسده. هي صورة حميمة تأخذ الناظر إليها المتأمل فيها إلى عالم آخر، بما يجعل المرء يتفقد في داخله فكرة العائلة والانتماء بدءاً من جذر هذه الفكرة. غير أنه أسماء عبدالرحمن الزرعوني تذهب في اتجاه آخر تماما إ تنزع إلى التقاط جماليات بحرية في الشارقة، إذ نرى في مقدمة المشهد التصويري الليلي، وإلى جهة اليسار، سفينة ترسو، في حين الخلفية هي البنايات التي تنعكس أضواؤها في المياه على نحو يقبل التأويل بأن هذه المدينة تعيش في باطنها حياة ممتلئة صخباً وضجيجاً كسواها من المدن الكبرى وليست منكفئة على ذاتها بدلالة أنها مضاءة على هذا النحو وتسهر ليلاً، لكن تبقى تلك السفينة التي ترسو وكأنها على أهبة الانطلاق والسفر مجدداً هي ما ينح هذا المشهد الشارقي بلاغته الخاصة به.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©