الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العراق: المشروع الوطني والمأزق الطائفي!

23 ابريل 2010 20:55
لعل أهم ما ميّز الانتخابات النيابية العراقية الأخيرة هو أنها حاولت أن تعطي صورة سياسية نموذجية ليس في المضمون وإنما في الشكل أيضاً. أو على الأقل هكذا أرادت النخبة السياسية العراقية أن تظهرها لمتابع المشهد في عمومه، وحاولت أن تظهر أنها تجاوزت النمط الطائفي والفئوي الذي قيل إنه يعود لأيام بريمر الحاكم الأميركي السابق في العراق، إلى درجة أنه صار شماعة تعلق بعض فئات النخبة السياسية في العراق أخطاءها عليها ولا تعترف أصلا بأن أساس نشأة المكونات السياسية العراقية مبني في الأصل على الفئوية، فالأكراد لهم أحزابهم الخاصة بهم، والشيعة كذلك، وإبان الحكم السابق كانت هذه الأطراف تلجأ، كلما دب خلاف فيما بينها، إلى الجهة المتقاطعة مع أطروحاتها وخلفياتها الطائفية. وقد يكون الاستثناء الوحيد في هذا هو الحزب الشيوعي العراقي العتيق الذي ظل على مسافة واحدة من كل الأطراف، ومع مرور الزمن أراد الكل أن يضمحل هذا الحزب وأن يمحى من الخريطة السياسية لعراق ما بعد صدام، لكن الحزب ما زال موجوداً، وبقي يناضل حتى الآن. وكمثال على انزياح هذا الحزب في زاوية محاصرة ما رأيناه في الانتخابات النيابية الأخيرة إذ لم نرَ أي طرف كبير تحالف معه لكي يبقى على رأس القائمة. وقد تكررت هذه الحالة من المحاصرة مع "حركة التغيير الكردستاني" التي تأسست منذ فترة ليست ببعيدة (ما قبل الانتخابات البرلمانية الكردية) إذ هوجمت هذه الحركة مع مرشحيها طيلة فترة الانتخابات وما قبلها، والكل كان ينظر إليها بارتياب على أنها طرف يعمل خارج السرب، وأن تصرفاتها ستكون سبباً لتشرذم الحالة الكردية. وعلى رغم ذلك استطاعت هذه الحركة تحقيق مكاسب لا بأس بها، إذ إن عدد المقاعد التي حصلت عليها مقبول مقارنة مع حجم وجودها على الساحة. والحال أن المسألة السياسية في العراق لا تنحصر بحجم ما يوضع من قوانين وإنما أساس المسألة يكمن في أن بعض فئات الشارع العراقي نفسه ميالة نحو الطائفية والفئوية، أو هكذا يراد لها، ولعل ما شاهدناه من نتائج للانتخابات يثبت ما للطائفية والعرقية والفئوية من تأثير وفعالية في سير اتجاه الناخب العراقي العادي. فالمالكي، تقدم في الشارع الشيعي ومن بعده يأتي المجلس الأعلى وإبراهيم الجعفري، والتحالف الكردستاني تقدم في الشارع الكردي ولم يتقدم مثلا في أي مدينة ذات تنوع قومي أو مذهبي، وعلاوي بحكم برنامجه وتحالفه مع السُّنة تقدم في الشارع السني وفي بعض المناطق الشيعية. ولو أردنا أن نحسب هذه الأمور فقط في بغداد العاصمة وقارناها بخريطة العراق كله فسنرى أن تحالف المالكي مثلاً جهد لكي يكون في المرتبة الأولى في بغداد كون الشيعة خاصة أغلبية فيها. وفي أربيل نرى تقدم الحزب الديمقراطي الكردستاني على بقية الأحزاب الأخرى في التحالف الكردستاني... لماذا؟ لأن جماعة الديمقراطي الكردستاني هم أكثر طرف كردي يعزف على الوتر القومي، فضلا عن كون الاستحواذ على منصب رئاسة الإقليم صار أقرب إليهم من وجهة نظرهم! ولذا نرى أن غالبية المكونات السياسية صارت متمسكة بلبننة العراق وكأنه صار أمراً اعتيادياً الحديث عن موضوع المحاصصة الطائفية. وربما كانت الانتخابات الأخيرة مناسبة لينكشف المستور وليظهر أن العراق ما زال يترنح تحت وطأة صياغات وسياقات الطائفية، وأن التحالفات وتلون القوائم لا يعني بالضرورة أن زمن الطائفية قد ولّى. ويبدو أن الهاجس الوحيد لدى بعض القوى والأطراف السياسية في العراق هو ألا تخسر مستقبلها الحزبي الضيق لذلك نراها تلوذ بالعصبيات (الطائفية أو العرقية أو الفئوية). ولذا فإن ظاهرة الانزلاق نحو الطائفية ليست من مخلفات بريمر وحده، بدليل مفارقة أن بريمر رحل عن العراق منذ فترة طويلة ولكن الخروج من مأزق الطائفية لم يتسير حتى الآن. وإذن فالمعضلة مرتبطة بشكل وثيق بذهنية بعض شرائح الطبقة السياسية العراقية. ولا يبدو أن الأمل قريب في تجاوز الرؤى المتبعة تجاه مشروع الدولة الوطنية المنفتحة على جميع مكوناتها المجتمعية. فما زال العقل المهيمن عقلاً عصبوياً همه الرئيس استغلال مكونه ليعبر عليه جسراً ليصل بهذا الطرف السياسي أو ذاك إلى مناله دون الأخذ في عين الاعتبار أن هذا يتم على حساب بناء الدولة الوطنية الحقة في بلاد الرافدين. والسؤال هنا الذي تعيد ضغوط اللحظة طرحه مجدداً هو: هل حقاً صار العراقيون على سكة الدولة الوطنية التي تأخذ العلمانية روحاً والانفتاح على الجميع سلوكاً؟ أم أن الطائفية ستبقى هي العنوان الخفي لمجمل تفاصيل اللعبة السياسية في العراق، هذا هو السؤال؟ فاروق حجّي مصطفى - كاتب ومحلل سياسي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©