السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أزمة الديون اليونانية... فرصة لصندوق النقد الدولي

أزمة الديون اليونانية... فرصة لصندوق النقد الدولي
7 مارس 2012
في يوم بارد من أكتوبر الماضي، مشى رئيس الوزراء اليوناني جورج باباندريو على سجاد أحمر نحو قمة طارئة للزعماء الأوروبيين في بروكسل وتحدث مفتخراً للصحفيين عن رد حكومته "الإنساني جداً" على أزمة ديونها. غير أنه في التقارير الخاصة التي وردت من أثينا، كان بإمكان مبعوث صندوق النقد الدولي إلى اليونان، "بول تومسون"، رؤية واقع مختلف يتكشف. فقد كشفت مجموعة من البيانات أن اليونان كانت تعمل على غش المتعاقدين مع الحكومة كطريقة لجعل سجلاتها المالية تبدو في حالة أفضل. هذا بينما أظهرت أرقام أخرى أن الحكومة كانت تمول عملياتها اليومية بواسطة الديون، كعائلة تشتري طعامها بواسطة قرض. كما أن اليونان كانت تحقق تقدماً متذبذباً على صعيد الوفاء بتعهداتها بخصوص تقليص أجور موظفي القطاع العام، وإغلاق الشركات المملوكة للدولة، التي تتكبد خسائر، وفرض قوانين ضريبية. كانت اليونان قد قطعت على نفسها قائمة طويلة من الوعود مقابل مساعدة طارئة من صندوق النقد الدولي ومن بلدان أوروبية أخرى، ولكن مسؤولي صندوق النقد الدولي بدأوا يشعرون على نحو متزايد أنهم يتعرضون للخداع. وبعد أن قدم كميات قياسية من المال للبلاد، وجد الصندوق نفسه متورطاً بشكل كبير لدرجة لم يكن يستطيع معها الانسحاب ببساطة. كما لم يكن باستطاعته الاستمرار في تقديم المال لليونان. منذ إنشائه بعد الحرب العالمية الثانية، أخذ صندوق النقد الدولي على عاتقه مسؤولية ضمان صحة الاقتصاد العالمي، حيث قام بشكل متكرر بإنقاذ حكومات مترنحة وإعادة الثقة إلى الأسواق الخائفة عبر مزاوجة خبرته التي لا تضاهى مع المال الذي توفره البلدان الأعضاء، وفي مقدمتها الولايات المتحدة. ولكن أزمة الديون التي تتخبط فيها أوروبا والتي تهدد بنسف جهود استعادة الاقتصاد -الأميركي لعافيته- شكلت تحدياً كبيراً لصندوق النقد الدولي على نحو غير مسبوق. وبحلول الخريف الماضي، ونظراً لامتداد عدوى الديون اليونانية إلى اقتصادات أوروبية أكبر، كان ثمة خطر حقيقي يتمثل في فقدان الاقتصاد العالمي لمساندة فعلية. وكان الوضع المتدهور في اليونان يذكِّر بتجربة الصندوق المؤلمة قبل نحو عقد من الزمن مع برنامج مساعدة كبير لحكومة الأرجنتين. فبعد فشل ذلك الجهد، وجد المدققون الداخليون للصندوق أن البرنامج استمر على نحو جيد بعد أن أصبح واضحاً أن السلطات الأرجنتينية لم تكن تفي بشروط الصندوق، وأنها اتخذت "مبادرات سياسية مختلفة كان يعتبرها صندوق النقد الدولي غير موفقة ولكنه كان يشعر بأنه مضطر لدعمها". وخلص المدققون إلى أن الأرجنتين استمرت في تلقي دفعات القرض بناء على اعتبارات سياسية، وليس اقتصادية. وكان الدرس الرئيسي يتمثل في ضرورة أن يمتلك الصندوق، في برامج الإنقاذ المقبلة، استراتيجية واضحة للخروج في حال رفض المسؤولون المحليون الوفاء بالإصلاحات الموعودة. هذه القصة، التي تستند إلى مقابلات مع أكثر من 20 مسؤولاً رئيسياً من داخل صندوق النقد الدولي وخارجه، هي قصة كيف أصبح الصندوق مرة أخرى متورطاً في عملية إنقاذ فاشلة. وهي أيضاً قصة كيف أعاد الصندوق، تحت قيادة مديرته الجديدة "كريستين لاجارد"، تأكيد قوته في الأخير عبر سياسة أكثر حزماً وصرامة تجاه اليونان ودبلوماسية ذكية مع حكومات أوروبية أخرى. نتيجة هذا التحول الجوهري في صندوق النقد الدولي انعكست في حزمة الإنقاذ المالي الجديدة لليونان، التي وافق عليها الزعماء الأوروبيون الشهر الماضي، حيث تقتضي المبادرة جهوداً أكبر من قبل اليونان وبلدان أوروبية أخرى، وتعتبر أقل سخاء بمال صندوق النقد الدولي، وأكثر صراحة بشأن احتمال الفشل. وفي الأثناء، دفع صندوق النقد الدولي اليونان إلى حافة الإفلاس، كما أثارت شروطه ومطالبه أعمالَ شغب عنيفة أدت إلى اشتعال وسط أثينا. واليوم، يحاول الصندوق نجدة جهود إنقاذ اليونان، والتي قد تثبت أنها أساسية بالنسبة لمستقبل الصندوق، واستمرار العملة الأوروبية الموحدة "اليورو"، وصحة الاقتصاد العالمي. نقطة التحول في علاقة اليونان بصندوق النقد الدولي، جاءت في أوائل أكتوبر الماضي حين زارت "لاجارد"، في إطار جولة دبلوماسية مكوكية، العواصم الأوروبية الكبيرة، وأبلغت زعماءها بأن الصندوق سيتوقف عن قول الكلام المعسول حول حقيقة الوضع اليوناني. فقد كان الصندوق، الذي كان يُعِد تقريراً يدين اليونان، تحت ضغط كبير من شريكيه البنك الأوروبي المركزي والمفوضية الأوروبية. وحسب مسؤولين شاركوا في المفاوضات، فإن بعض زعماء المفوضية كانوا يضغطون على الصندوق حتى يصف الوضع في اليونان أحسن توصيف. كما أن البنك الأوروبي المركزي كان يخشى أن يتسبب الصندوق في خسائر أكبر للمستثمرين ومن ذلك بنوك أوروبية. ولكن، ومثلما قال مسؤولون مطلعون على المفاوضات، فإن "لاجارد" وجدت دعماً من الزعيم الأوروبي الأهم: المستشارة الألمانية، التي بدأت أيضاً تضيق ذرعاً بالتقدم البطيء في اليونان، وكانت تحت ضغط البيت الأبيض، والأسواق المالية، وآخرين للقيام بالمزيد. فقامت "ميركل"، مدعومة بلاجارد، بعقد اجتماع خاص مع ممثل للبنوك الكبرى في أوروبا وفرضت عليهم قبول خفض في قيمة العملة اليونانية بنسبة خمسين في المئة. وقيل للبنوك الأوروبية إن تستعد للأسوأ عبر جمع عشرات المليارات من الدولارات من الأموال الإضافية كإجراء احتياطي تحسباً لخسائر ممكنة، وهي مقاربة دعا إليها مسؤولون أميركيون و"لاجارد". وبعد فقدان ثقة زعماء أوروبيين آخرين، استقال "باباندريو" من منصبه كرئيس لوزراء اليونان. ضغط الصندوق على اليونان تواصل من هناك، فبينما تواصلت المفاوضات بشأن مخطط الإنقاذ المالي الجديد خلال فصل الشتاء، شدد الصندوق على أنه لن يكون ثمة مزيد من المساعدة حتى تنفذ اليونان الإصلاحات، التي وعدت بها. كما حدد الصندوق سقفاً لإقراضه لليونان. والجدير بالذكر هنا أن برنامج الإنقاذ الجديد الذي تمت الموافقة عليه الشهر الماضي يتم تمويله حالياً بشكل حصري تقريباً بواسطة قروض جديدة من أوروبا وبواسطة الأموال، التي تسنى ادخارها نتيجة حمل المستثمرين الخواص على تحمل خسائر بخصوص السندات اليونانية. وحتى في الوقت الذي رحب فيه زعماء أوروبيون ومستثمرون عالميون بمخطط الإنقاذ المالي الجديد، فإن صندوق النقد الدولي حرص على التذكير بحقيقة الأشياء في العالم الواقعي. ففي دراسة أُعدت عشية القمة الأوروبية التي وافقت على خطة الإنقاذ، حذر الصندوق من أن اليونان قد تحتاج إلى مساعدة مالية "طويلة" تمتد إلى ما بعد الثلاث سنوات التي ينص عليها الإنقاذ المالي الجديد، ومن أن الركود الذي يزداد تدهوراً في اليونان، يمكن أن يعرِّض الجهد برمته للخطر. وبعد عامين من العمل الشاق والمضني في اليونان، خلص صندوق النقد الدولي إلى خلاصة قاتمة: "بالنظر إلى الأخطار، فإن البرنامج اليوناني يمكن أن يظل معرضاً للحوادث". هاورد شنايدر محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©