الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«تجربتي مع بلال علمتني أكثر وفجرت عزيمتي»!

«تجربتي مع بلال علمتني أكثر وفجرت عزيمتي»!
23 ابريل 2010 20:27
يقول الله تعالى: “المال والبنون زينة الحياة الدنيا” صدق الله العظيم ، فالأولاد هم فرحة الأبوين وكل العائلة، فإذا صلحوا صلح المجتمع، والعكس، وما أتى من الله من نعمة شكرناه، أو من نقمة حمدناه، ولكن بقدر ما هم مصدر للسعادة، فهم مصدر خوف وقلق دائمين على الوالدين، فإن ولد الطفل مريضا أو تعرض لحادث خطير، كان ذلك بمثابة الامتحان الصعب في مدى تحملهما للمصيبة وصبرهما، فرسالتهما في الحياة ليست بالأمر الهين، فإما أن يحمدا ويحتسبا، وإما أن يجحدا ويعترضا على بلاء الله وامتحانه. هي سميرة سالم، مديرة مركز تنمية القدرات لذوي الاحتياجات الخاصة، التقيناها بكورنيش أبوظبي يوم نظمت تلك المسيرة التي ضمت أكثر من 700 طالب، أتوا من مختلف المدارس والإعداديات، وكذا من مختلف مراكز ذوي الاحتياجات الخاصة وحالات التوحد، وهي على التوالي: مدرسة المعالي، مدرسة الوردية، مدرسة الإيمان، مدرسة الفجر، مدرسة المروج ومدرسة النهضة، أما مراكز ذوي الاحتياجات الخاصة المشاركة، فهي: مركز الإمارات للتوحد، مركز الخليج للتوحد، مركز النور أبوظبي، مركز أبوظبي للتوحد، مركز تنمية القدرات، مركز New england الأميركي. وقد جاءت المسيرة، تقول سميرة سالم، تذكيراً وإحياء لشهر التوحد العالمي، حيث حمل هؤلاء الأطفال لوحات تضمنت عبارات باللغتين العربية والانجليزية، عن ماهية التوحد، وكيفية التعامل معها، والأهم عن إدماج هذه الحالات مع باقي فئات المجتمع، وهي خطورة من شأنها أن تحسن كثيراً من حالة المصاب بالتوحد، عن طريق التخاطب والتواصل معه في جميع حالاته. أما عن توليها إدارة المركز، فتكشف لنا سميرة قصتها التي جعلتها تهتم بحالات التوحد، وتبحث فيها بتعمق، قائلة: “أنا أم فلسطينية لخمسة أطفال، الرابع منهم هو “بلال” عمره الآن 15سنة، ولد بصحة جيدة ووجه مشرق طفولي بريء، تطوره كان طبيعياً بل ويبشر بطفل ذكي، ولكن كان لنا موعد مع القدر، فعندما صار عمره قرابة السنة والنصف، سقط عن الكرسي وارتطم رأسه من الخلف، ومع مرور الأيام أحسست بتغير في سلوكياته، ولكن والده كان يجد أنني مجرد أم تتوهم، وبلال ليس به إلا كل خير، لكن الأعراض تفاقمت، وأصبح بلال منطويا يفضل العزلة وعدم الاختلاط بأشقائه، وعند مناداته لا يستجيب، فقلقت وعرضته على مجموعة من الأطباء الذين عجزوا حينها عن تشخيص حالته، نظراً للافتقار في تخصص دراسة حالات التوحد”. قررت سميرة أن تسافر برفقة أفراد أسرتها في إجازة الصيف إلى فلسطين، حيث عرضت بلال على محلل نفسي، وهنا تقول: “دخلنا في دوامة آراء الأطباء المتضاربة، وتم تحويلنا إلى مركز التأهيل الطبي لعمل جلسات تخاطـب لبلال، وهناك اتفقوا في التشخيص مع المحلل النفسي بفلسطين أن بلال يعاني من “التوحد”، وكنت أسمع بهذا المصطلح للمرة لأولى. من هنا، كانت البداية لرحلة طويلة مع التوحد”! تكمل سميرة حديثها: “حينها، أصبح همنا الوحيد، التعرف على ماهية التوحد، ومن أين يجب علينا أن نبدأ، فأخذنا نسأل الأطباء، ونستعين بالإنترنت ونراجع مراكز التأهيل، حيث تم عمل برنامج تعديل سلوك، وليس جلسات تخاطب لحاجة بلال لتعديل سلوكه أولاً كي يستطيع التركيز والتواصل معنا”. لم تكن في الماضي ثمة مراكز متخصصة بذوي حالات التوحد، فاضطر والدا بلال لإلحاقه فترة بروضة، حتى يتم إدماجه اجتماعياً، ويصبح قادراً على تقبل الآخرين من حوله، ولكن هذا لم يكف، تقول والدته، “فحرصنا على حضور كل محاضرة أو ندوة أو اجتماع يخص التوحد للتعرف والتدرب على البرامج المختصة، ولنعرف كيف نتعامل مع ولدنا بلال” . وجدت سميرة سالم نفسها في دوامة من المسؤوليات، تجاه أسرتها من جهة، وحالة بلال من جهة أخرى، فقررت هي وزوجها أن يحضرا مدرسا خاصا لبلال، وقد كان قرارا صائبا للغاية، حيث قامت سميرة بتقسيم الوقت بينها وبينه، وكانت تهتم بفلذة كبدها صباحاً، وتدرِّبه على البرنامج المتفق عليه، ليأتي المدرس من الساعة الرابعة وحتى الثامنة ويكمل تدريبه، فتتفرغ لباقي أولادها، والعناية بهم على أكمل وجه. تقول سميرة: “الحمد لله بدأ التحسن يظهر بطيئاً، وبدأ بلال يعطينا تجاوباً ولو بسيطاً، فبعد أن كان لا ينظر لأحد ولا يلتفت إذا نادى عليه أحد، أصبح يتجاوب وينظر ويتعلم أساسيات الاعتماد على النفس”.?للأسف، لم تجد سميرة أدوية ثبت نجاحها في معالجة حالة التوحد، وإنما كانت هناك فقط مسكنات وأدوية تفيد بعض الشيء، وهي: كورس كورتيزون، كورس سكريترين ، تحاميل الموصلات العصبية، فيتامينات، ريتالين، جميعها كانت تعطى لبلال تحت إشراف مجموعة من الأطباء. من خلال تجربتها كأم لإحدى حالات التوحد، قررت سميرة أن تتعلم وتعرف المزيد عن هذا المرض، وفي عام 2000، أسست سمو الشيخة شمسة بنت حمدان آل نهيان، أول مركز للتوحد بدولة الإمارات العربية المتحدة، ومن هنا كانت الانطلاقة، حيث انخرطت سميرة كعضوة متطوعة ورئيسة لمجلس أمهات المعاقين، وأصبحت تشارك بفاعلية في مختلف الأنشطة والفعاليات المقامة داخل الدولة وخارجها. وفي 25 مارس 2007، تم تأسيس مركز تنمية القدرات لذوي الاحتياجات الخاصة، وهو عبارة عن مركز خيري خاص قائم على تبرعات أهل الخير والمحسنين، لا يهدف إلى تحقيق الربح، بل يسعى لهدف إنساني نبيل وذلك عبر التخفيف من معاناة الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة وأسرهم. لقد ضم المركز في بداية تأسيسه ما يقارب (20) طالباً وطالبة، لكنه حاليا يضم (50) طفلاً منهم (19) طفل توحد، تتراوح أعمارهم ما بين (5- 20) سنة. تقول الأم المثالية: “لقد كان هناك دور كبير لإخوان بلال في شد انتباهه وجذبه لعالمنا وتقبله للجميع، ومن هنا بدأ التغيير، فمنذ أن عرفنا أن بلال يعاني من التوحد وتعرفنا على ماهية التوحد قمنا بشرح حالة بلال لإخوانه وأفهمناهم أن هذه الحالة ستأخذ وقتاً طويلاً قد يمتد لسنين طويلة وانه بحاجة لمساعدتهم وحبهم وتقبلهم له، أوضحنا لهم أن تكثيف تدريبه والاهتمام به سيخرجه من حالته بوقت أسرع، لذلك علينا أن نعمل معاً حتى يستطيع بلال أن يعتمد على نفسه مستقبلاً ولا يكون عالة على أحد وقت يكون كل فردمنكم مستقلاً في حياته”. تكمل حديثها: “كنا كلما تعلمنا برنامجاً جديداً أو معلومة مهما كانت بسيطة نخبرهم بها ونطلب منهم اتباع نفس الطريقة، والحمد لله كان لتعاونهم معنا وتقبلهم الأمر وحبهم لأخيهم أثر واضح، فبلال الآن يستمتع باللعب معهم نناديه فينتبه ويتجاوب معنا، ابتسامته العذبة رجعت لشفتيه، وأصبح قادرا على التعبير عن مشاعره المختلفة من حزن أو فرح، بالضحك أو البكاء، الصمت أو الصراخ”.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©