الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أطباء: الاعتماد على الخدم يؤخر اكتشاف أعراض الاضطراب

أطباء: الاعتماد على الخدم يؤخر اكتشاف أعراض الاضطراب
23 ابريل 2010 20:24
تتفق الأوساط الطبية على تسمية اضطراب الأوتيزم Autistic Disorder، باعتباره “متلازمة سلوكية” تظهر لدى بعض الأطفال خلال الشهور الثلاثين الأولى من العمر بـ”التوحد” بعد اكتشافه للمرة الأولى عام 1943، وتشير تقارير منظمة الصحة العالمية إلى أن نسبة انتشار التوحد لا تتعدى 15 حالة من بين كل عشرة آلاف حالة ولادة حية، إلا أن التطور الكبير للتشخيص الطبي، والإكلينيكي في كثير من البحوث التي أُجريت في عدد كبير من الدول أكدت أن التوحد يحدث بنسبة تتراوح ما بين 2-4 حالات بين كل ألف حالة ولادة حية، حيث توجد 75 حالة توحد من بين كل عشرة آلاف طفل تقريباً، ويشيع بين الذكور أكثر من الإناث بنسبة 4 إلى 1 من بين كل 500 حالة إعاقة، وقد يعزو سبب اللغط واللبس الذي يقترن بالتوحد إلى التأخر في حسم وتوصيف وتشخيص العوق تشخيصاً نهائياً ومحدداً، مقارنة بغيره من الاضطرابات أو الأمراض النفسية أو السلوكية الأخرى، بل يمكن القول إن العلم لم يقل كلمته الأخيرة بشكل قاطع حتى اليوم، وكثيراً ما نقرأ ونسمع كل يوم عن تسميات، ومسببات، وأعراض، وطرق علاج متباينة ومختلفة وجديدة. تساؤلات عديدة حملناها إلى الدكتور حسام نصر منصور، اختصاصي أمراض التخاطب في مركز المغربي في أبوظبي. - كيف نفهم التوحد، وكيف نعرفه؟ - بداية.. علينا أن نشير إلى أن التوحد ليس مرضاً، وإنما هو حالة إعاقة نتيجة قصور أو توقف في نمو القدرة على التواصل والتفاعل والإدراك الحسي واللغة والتعلم، وبالتالي غياب القدرة على التفاعل الاجتماعي، مما يجعل الطفل يعزف عن التعامل والانخراط مع الآخرين، وينغلق على نفسه وذاته، ويصاحب ذلك نزعة انسحابية وانطوائية، وجمود، وبرود عاطفي وانفعالي، واندماج في حركات نمطية، أو نوبات من الثورة، والغضب، ويعد التوحد أهم إعاقات مجموعة اضطرابات النمو الشاملة. - كيف يمكن للوالدين التعرف مبكراً إلى أعراض التوحد؟ - تختلف وتتنوع أعراض التوحد من طفل لآخر، كما تختلف من حيث الشدة أو درجة الإعاقة، ويمكن الجزم باستحالة وجود طفلين متشابهين تماماً في الأعراض، لكن المحيطين بالطفل يلاحظون أنه هادئ كثيراً، ويستغرق في النوم على ظهره في سبات عميق، ولا يتحرك مثل الطفل العادي، ولا يشعر بوجود الأمن من عدمه، فلا يفرح عندما يراها، ولا يغضب بتركها له، ويرفض أن تحمله، أو تقبله، ويعزف عن تلاقي العيون، ولا يتتبع الشيء المتحرك بعينيه، وفي بعض الحالات يصرخ دون انقطاع دون سبب معلوم، وفي مراحل لاحقة، يلاحظ أن الطفل يعاني من توقف أو قصور في نمو اللغة، والتواصل اللفظي وغير اللفظي، والقدرة على التعبير عن الذات، وقصور في نمو المهارات الاجتماعية، والقدرة على المبادأة، والتواصل الاجتماعي مع الآخرين حوله، وانعدام الرغبة في اللعب مع الأطفال الآخرين، والانغلاق حول الذات، والاندماج في أعمال، أو حركات نمطية متكررة لفترات طويلة، والارتباط الشديد بأشياء أو موجودات أو أدوات معينة حوله، والاستغراق في اللعب الفردي، كما أنه يعاني من أعراض أخرى إضافية تتمثل في مقاومته لتغيير الروتين اليومي في الملبس أو المأكل أو الأمور اليومية التي اعتاد عليها، والاندفاع في ثورات غضب وهياج إذا شعر بأي تغيير في روتين حياته، وقد يؤذي نفسه أو المحيطين به، أو يندمج في نوبات ضحك، أو بكاء، ووجود صور من الشذوذ في الإدراك الحسي، أو الاستجابة للمنبهات أو المثيرات الحسية البصرية أو السمعية أو اللمسية أو حتى الشم، ويعاني من حساسية شديدة في كثير من الأحيان تجاه أي من المثيرات الحسية حوله مهما كانت بسيطة ولا تبدو ذات قيمة أو أهمية، وتكرار جمل أو عبارات أو كلمات سبق له سماعها مباشرة أو بعد فترة طويلة من الزمن، إذ إنه يتمتع بذاكرة جيدة، وفي بعض الحالات يلاحظ تقدم في التواصل مع الآخرين مع التدريب المستمر، لكنه يظل يعاني من الغموض في كلامه، ويصعب فهمه للنطق غير السليم، وإذا وجه إليه سؤال نجده يكرر الكلمات نفسها، ويكون قصده “نعم”، ويردد الكلمات التي يسمعها دون استيعاب للضمائر، أنا، أنت، هو، هي •• إلخ، فعندما تسأله “أنت•••”، يجيب: “أنت•••”، كما أن أكثر من ثلثي حالات التوحد تعاني من إعاقات أخرى “من 65 - 70%” مثل التخلف العقلي مما يعقد عملية تأهيلهم، كما أن 25% منهم يعانون من الصرع، وغالباً ما يتأخر ظهوره إلى نهاية الطفولة المتأخرة، كما يعاني أكثر من 30 في المئة من النشاط الحركي الزائد في مقابل 11% تقريباً يعانون الخمول الحركي، وتعاني الأغلبية من قصور في القدرة على التركيز والانتباه، مما يعطل عملية التعلم والتدريب كثيراً، مع وجود السلوك العدواني، والرغبة في التخريب والتدمير أسباب مباشرة - هل هناك أسباب مباشرة لإعاقة التوحد؟ - لم تتوصل الأبحاث والدراسات العلمية التي أُجريت حتى الآن لنتيجة قاطعة حول الأسباب المباشرة للتوحد، إلا أنها انصبت نحو تأكيد وجود خلل وظيفي ما في المخ لأسباب جينية وراثية وحيث تزداد نسبة الإصابة بين التوائم المتطابقة أكثر من التوائم المتشابهة، مما يؤكد عامل الوراثة، فضلاً عن خلل في التركيب الكروموسومي لخلايا جسم الطفل، وهناك العوامل البيولوجية أو العضوية العصبية، ويعتقد أن هناك علاقة بين التوحد وإصابة الأم ببعض الأمراض الفيروسية وفي مقدمتها الحصبة الألمانية، أو تعرض الأم لجرعات إشعاعية أثناء فترة الحمل، أو لنقص الأوكسجين الواصل إلى مخ الطفل لأي سبب من الأسباب، أو لتناول الأم بعض العقاقير الطبية، أو لحدوث رشح شامل في الرحم أثناء الحمل، أو التفاف الحبل السري حول مخ الجنين، أو ارتفاع في سكر الدم، أو إصابة مخ الطفل نتيجة “انحشاره” أثناء الولادة، أو إصابة الطفل بالالتهاب السحائي عقب الولادة، أو لإدمان الأم على المخدرات أو العقاقير المخدرة• مشاكل أخرى كما وُجد أن التوحد يظهر أيضاً هؤلاء الذين يعانون من مشاكل صحية أخرى مثل Fragile X Syndrome، لكن الأمر الغالب هو أن يكون لدى الطفل الاستعداد الجيني مع وجود إهمال لدى الأهل للطفل في مرحلة حرجة من مراحل نموه المبكرة. كأن يُترك لفترات طويلة وحده، أو أمام التلفزيون، أو مع مربية تلبي له احتياجاته بشكل تلقائي دون أن يطلب. ومن ثم يحتاج الأهل أن يستشيروا طبيب أمراض التخاطب لمعرفة ما إذا كان طفلهم لديه تأخر في نمو اللغة في حال إذا كان طفلهم قد مر بأي طارئ خلال الحمل أو أثناء الولادة أو بعدها، أو كان الوالدان من الأقارب، خاصة إذا وُجدت في الأسرة اضطرابات تخاطبية، أو أنه لم يتفوه بأيه أصوات كلامية حتى ولو غير مفهومة قبل 9 أشهر، ولم تنمُ عنده المهارات الحركية “الإشارة - التلويح باليد - إمساك الأشياء” في سن 12 شهراً، أو أنه لم ينطق كلمات فردية في سن 12 - 18 شهراً. أو أنه لم ينطق جملة مكونة من كلمتين في سن 24 شهراً. أما بخصوص التوحد بالذات، فعلى الأهل التركيز على أن طفلهم ليس لديه اضطراب سلوكي من اضطرابات المحور الاجتماعي، أوالمحور اللغوي اللفظي أوغير اللفظي، ومحور النشاط الحركي. لكن هذا لا يعنى في ظل عدم توافرها أن الطفل يعانى من التوحد؛ لأنه لابد وأن تكون هناك تقييمات من جانب متخصصين في مجال الأعصاب، الأطفال، الطب النفسى، التخاطب، التعليم. - ألا توجد علاقة بين العوامل البيئية وإعاقة التوحد؟ - نعم.. وهي عوامل تسبب خللاً أو اضطراباً أو نقصاً أو زيادة أكدت كثير من البحوث على وجود علاقة بين الإعاقة والتلوث البيئي ببعض الكيماويات أو النفايات السامة، وفي مقدمتها الرصاص والزئبق وأول أو كسيد الكربون والمركبات النيتروجينية، ومركبات الكبريت، ولا تزال الجهود البحثية تجرى لإزالة كثير من الغموض حول هذه العلاقة. التشخيص - كيف يمكن تشخيص التوحد إذن؟ وما مدى أهمية التدخل العلاجي المبكر؟ - التشخيص الدقيق مهم للغاية، والتشخيص المبكر يساعد كثيراً في عملية التدخل العلاجي أو التأهيل، وهو يتم بواسطة فريق علاجي متكامل يضم مختلف التخصصات، من الطب النفسي، والاختصاصيين النفسيين والاجتماعيين، وطبيب الأطفال، والعلاج المهني، والتعليمي، واختصاصي التخاطب والنطق، من أجل تقييم شامل ودقيق لكل حالة على حدة. وتؤكد الخبرات والدراسات والأبحاث الميدانية أن للتدخل المبكر أهمية كبيرة في إنجاح البرنامج العلاجي والتأهيلي والتعليمي المناسب. - كيف ترى التوحد في دولة الإمارات، وما هي الرسالة التي تود توجيهها؟ - لاحظت خلال فترة عملي الطويلة ارتفاع نسبة التخلف العقلي بين الأطفال إلى 4.5% تقريباً، بينما نجد أن النسبة العالمية لا تتجاوز 2.27%، وإن كانت تزيد عن ذلك في بعض المجتمعات الفقيرة، وتعتبر هذه النسبة عالية جداً في الإمارات إذا أخذنا في الاعتبار المستوى المعيشي المرتفع، مما يدعونا إلى إعادة النظر في ظاهرة زواج الأقارب، وأهمية الفحص الطبي قبل الزواج، والسعي نحو تقليل تأثيرات العوامل الوراثية، وتوعية الأمهات بمخاطر وأضرار الرضاعة الصناعية، وتقليل حوادث الإصابة المبكرة للأطفال عند الولادة، وتوعية الأمهات بالاحتياطيات الوقائية خلال الأشهر الأولى للحمل، فليست مصادفة أن نجد نسبة 33% من أطفال المركز ينحدرون من أب وأم بينهما صلة قرابة، ونجد أحياناً أن أباً ينجب طفلاً توحدياً، ثم يتزوج بأخرى وينجب منها أيضاً طفلاً يعاني الأعراض نفسها، فيجب أن يتركز الجهد الوقائي في هذا الاتجاه، وأن يبادر الآباء والأمهات بالتشخيص المبكر لأطفالهم عند وجود أي علامات غير طبيعية. وتجدر الإشارة إلى أن اعتماد الأمهات بشكل كامل على المربيات والخادمات بسبب خروجهن للعمل، يؤخر التعرف إلى الأعراض، فالخادمة لا يكن همها منصباً إلا في إسكات الطفل، أو نومه، وغالباً عدم اهتمامها ودرجة وعيها لا يساعدانها على التعرف إلى العرض، بينما الوضع يكون مختلفاً إن أعطت الأم وقتها لطفلها. العلاج والتأهيل لا توجد طريقة أو دواء بعينه بمفرده يساعد في علاج حالات التوحد، لكن هناك مجموعة من الحلول مجتمعة مع بعضها، وهي حلول فعالة في علاج الأعراض والسلوك التي تمنع من ممارسة حياتهم بشكل طبيعي. ويتم تحديد مفردات الخطة العلاجية لكل طفل على حدة مع إعطاء الوزن الأكبر للمكان الذي يقضي فيه الطفل أطول وقت، فيكون البيت ثم الحضانة أو المدرسة ثم جلسات التخاطب أوتعديل السلوك مسؤولين بالترتيب عن تصحيح السلوكيات المضطربة لدى طفل التوحد. ووُجد أن هناك بعض العقاقير المستخدمة في علاج اضطرابات أخرى تأتي بنتيجة إيجابية مع بعض السلوك المتصل بالتوحد، بيد أن ذلك يتردد بين القبول والرفض من مستخدميها. وبالطبع، فإن هناك تخصصات يمكن الاستعانة بها لمساعدة الطفل، وهي الاختصاصي النفسي، اختصاصي التربية الخاصة، اختصاصي التخاطب، اختصاصي العلاج الطبيعي، اختصاصي العلاج الوظيفي، ويتعاون كل منهم في حدود تخصصه لتنمية الطفل في كافة نواحيه. الأعراض الشائعة الطفل المصاب بالتوحد يصعب ضبط سلوكياته من قبل المحيطين به لأنه في الغالب لا يعي بما يفعل ، وبالرغم من هذا فإن السلوكيات الصعبة التي يبديها الطفل التوحدي هي عقبة ثانوية للتوحد. والتوحد ليس فقط مجموعة من السلوكيات العديمة الهدف والغريبة والشاذة والفوضوية، ولكنه مجموعة من النواقض الخطيرة التي تجعل الطفل قلقاً، غاضباً، محبطاً، مركباً، خائفاً، مفرط الحساسية، وتحدث السلوكيات الصعبة لأنها هي الطريقة الوحيدة التي يستجيب عبرها الطفل للأحاسيس غير السارة، ويحاول من خلالها إيصال رسالة ما إلى الآخرين، فيستخدم هذه السلوكيات الغريبة أو الشاذة أحياناً ليصل إلى احتياجاته أو بما يحسه وما يطلبه من تغير فيما حوله أو كطريقة المسايرة والتعامل مع الإحباط.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©