الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

انهيار «سد الموصــــــــل» بين سندان الإهمال ومطرقة الرعب

انهيار «سد الموصــــــــل» بين سندان الإهمال ومطرقة الرعب
30 مايو 2016 23:47
سرمد الطويل (بغداد) بين تحذيرات وتطمينات، ترقص قصة انهيار سد الموصل على مخاوف العراقيين الذين لا يحتاجون كارثة أخرى تشرد ملايين وتقتل ملايين آخرين. فالحكومة العراقية لا تلقي بالا للتحذيرات الأميركية والدولية من احتمال انهيار السد الذي يعتبر أكبر سدود المنطقة، بحجة أن «الأميركيين يبالغون لأغراض سياسية»، بينما يصر الخبراء على أن الانهيار واقع لامحالة وسيحصد من خلال موجات التسونامي التي ستنتج عن انهياره قرابة مليون ونصف مليون شخص، كما أن خطر الانهيار يهدد بكارثة بيئية واقتصادية كبيرة. فما هي الحقيقة الكامنة وراء هذه القضية، وهل سينهار سد الموصل؟ يعد سد الموصل واحدا من بين أربعة سدود كبيرة في الشرق الأوسط، ومشروعا تنمويا استراتيجيا كبيرا، من خلال ما يمثله من إضافة مهمة الى الاقتصاد العراقي. ففضلا عن كونه خزانا عملاقا لاحتياطي المياه في العراق، يشكل السد مصدرا مهما من مصادر توليد الكهرباء النظيفة، ويسهم في زيادة رقعة الأراضي المزروعة، كما يعد معلما سياحيا مهما. وقد ناقش خبراء متخصصون في مجال الموارد المائية خلال ندوة عقدها معهد التقدم للسياسات الإنمائية في بغداد مؤخرا، الأخطار التي يتعرض لها السد، ودعوا إلى بناء جدار إسمنتي خلفه لدرء خطر الفيضان في حال تعرض لأي مشكلة. ورسم وزير الموارد المائية السابق عبد اللطيف جمال رشيد، صورة واضحة لواقع سد الموصل واحتمالات المستقبل والعمل المطلوب لدرء خطر الانهيار المحتمل، فأشار إلى أن الإمكانات العراقية في تخزين المياه عالية جدا تصل إلى أكثر من 160 مليار متر مكعب في السنة. وقال رشيد إن «المشكلة تكمن في أن إدارة الموارد المائية لدينا غير جيدة وضعيفة». وأضاف أن «حجم التخزين في بحيرة السد يبلغ نحو 12 مليار متر مكعب، يستفاد منها في توليد 750 ميغاواط من الكهرباء النظيفة والرخيصة» ، لافتاً إلى أن «المعالجة تقتضي بناء كتلة إسمنتية، لكن المشكلة التي واجهت تنفيذ هذه المعالجة هي أن الإمكانات العالمية حينها لم تكن قادرة على الوصول إلى العمق المطلوب لبنائها على عمق 210 أمتار تحت جسم السد. وأوضح أن شركات ألمانية وإيطالية أعلنت العام 2008 امتلاكها المعدات للحفر، وكانت الكلفة تصل إلى ملياري دولار. ومن المعالجات المقترحة لحل مشكلة سد الموصل، إنشاء «سد بادوش» لمنع الكارثة عند انهيار الأول، ويكون سداً تنظيمياً وليس بديلاً. تقصير حكومي أم قصر يد تساءل الخبراء عن سبب عدم اتخاذ الحكومة خطوة بناء الجدار الإسمنتي لتدعيم السد، حتى ولو كانت كلفته ملياري دولار، من موازنة تناهز 112 ملياراً. وأشار المستشار المالي لرئيس الوزراء العراقي مظهر محمد صالح في مداخلة خلال الندوة، إلى أن الإدارة الأميركية أعربت عن قلقها حيال وضع سد الموصل، لدى زيارة رئيس الوزراء حيدر العبادي إلى واشنطن العام 2014، وخصصت مبلغ 200 مليون دولار لصيانته من ضمن قرض البنك الدولي البالغ 1,2 مليار. كما حذر خبراء جيولوجيون، قبل فترة من «انهيار وشيك» لسد الموصل. وقال عالم الجيولوجيا وليد ساطع «كان لنا اجتماع استثنائي مع عدد من المهندسين والمختصين بالجيولوجيا وتوصلنا إلى أن سد الموصل سينهار خلال مدة لا تتجاوز مايو الجاري». وشدد «على ضرورة تفريغ السد من المياه منعا لحدوث تصدعات تؤدي إلى انفجارات داخل بنيته». وأضاف «في حالة حدوث الانهيار فإن مدينة الموصل ستغرق» مبيناً أن «مياه الفيضان الذي سينجم عن انهيار السد ستصل إلى بغداد خلال ثلاثة أيام». وأوضح أن «فريقاً من المهندسين والمختصين تشكل وسيبدؤون تفريغ مياه السد وهدايته إلى أهوار جنوب العراق». مشيراً إلى أن «فريقاً من الخبراء الجيولوجيين الأميركيين قاموا عامي 2006 2007 بإجراء فحوصات لدعامات السد وأرضيتها وتوصلوا إلى أنها هشة وسريعة التآكل،مؤكدين أن السد سينهار بعد العام 2012». وأعرب ساطع «عن استغرابه من استمرار المسؤولين في بغداد في تقليل المخاطر التي يتعرض لها ». وكانت وزارة الموارد المائية نفت الأنباء عن وجود مخاوف من انهيار سد الموصل خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، مؤكدةً في بيان أن «وضع السد الحالي مطمئن جدا ويعمل بصورة جيدة وأعمال الصيانة والإدامة مستمرة». كما أكد محافظ نينوى والخبير في الموارد المائية عون ذياب عبد الله ورياض عز الدين مدير سد الموصل خلال زيارتهما السد، أن الوضع مطمئن ولا وجود لمثل هذه الاحتمالات والإشاعات. وكان سد الموصل أنشئ العام 1983 من قبل شركة ألمانية إيطالية مشتركة، على بعد 30 كم شمال غرب مدينة الموصل في محافظة نينوى، ويبلغ ارتفاعه 113 متراً، فيما قدرت الشركة عمره بنحو 80 عاماً. وتوصلت الحكومة العراقية مع شركة هندسية إلى اتفاق مبدئي يمكنه أن يوفر حلا نهائيا طويل الأمد للسد الأكثر خطرا في العالم، لأن منع إصلاحه والفشل في معالجته سيحدث حالة سيئة تهدد العراق كله. وقام باحثون في جامعة «لوليا للتكنولوجيا» في السويد بجمع دراسات حول انهيار السد وقدموا دراسة شاملة وواسعة، فوجدوا أن في غضون أربع ساعات ستواجه الموصل موجة من المياه تقرب من 80 قدما وتغطي الفيضانات نحو 28 ميلاً مربعاً، وفي غضون 22 ساعة ستكون محافظة تكريت في محافظة صلاح الدين بحالة غرق تام بعد ضربها بجدار مائي يبلغ 50 قدماً من المياه. وخلال يومين من انهيار السد، ستكون العاصمة بغداد قد غرقت بنحو 13 قدماً من المياه، وستغطي الفيضانات نحو 80 ميلاً مربعاً حول العاصمة. سيناريوهات ومعالجات ويزداد القلق بشأن انهيار سد الموصل كل يوم، لأن هناك عواقب وخيمة في حال انهياره الذي سيكون مروعاً، في حين يقول مهندسون في هذا الشأن، إن انهياره سيؤدي إلى تدفق 11 مليار متر مكعب من المياه المكبوتة خلفه وهذا ثلث (مياه بحيرة ميد، وهي أكبر خزان للولايات المتحدة الواقعة في ولاية أريزونا نيفادا). والسيناريوهات بشأن سد الموصل وكيفية إصلاحه كثيرة، فعلى سبيل المثال قدمت الشركة الهندسية الإيطالية حلاً دائماً وهو حقن السد بنسبة 100 ألف طن من الجص، لكن يعتبر خبراء أن هذه الكمية ما هي إلا إسعافات أولية، وليس هناك توافق في الآراء بين الخبراء بشأن كيفية إصلاح السد. وقد أكد وزير الخارجية الإيطالي باولو جينتيلوني الثلاثاء 24 مايو أن الحكومة العراقية وشركة تري?ي الإيطالية كانتا على مقربة من التوقيع على إصلاحه . وتحاول الشركة الإيطالية تأمين مستقبل السد منذ العام الماضي، ولكن مخاوفها تتزايد من استمرار سيطرة مسلحي تنظيم «داعش» على مناطق قريبة من موقعه وهذا ما يؤخر وصول الشركة الهندسية إليه. وأشار جينتيولني إلى أن محادثات بلاده مع بغداد بشأن إرسال 450 جنديا لحماية الشركة الهندسية بلغت مرحلة متقدمة. وسبق لشركة تري?ي الإيطالية أن قامت بأعمال مشابهة لأكثر من 150 سداً مضطرباً في العالم بما فيها الولايات المتحدة، فقد قدمت لسد «وولف كريك» في ولاية كنتاكي الأميركية على سبيل المثال حلا جيولوجيا بعدما كان ذلك السد الأميركي يواجه ذات المشاكل التي يواجهها سد الموصل الآن وهي التسرب المائي منه. وبين عامي 2006 و2013، بنت «تري?ي» جدارا خراسانياً تحت جسر السد الأميركي واسمته بـ»جدار القطع» الذي يعمل كحاجز أمام تسرب المياه وينهي خطر تآكل الأساس بسبب وجود المياه الذي يضرب الحجر الجيري والجبس والمعادن الأخرى. يقول جون رايس، أستاذ الهندسة المدنية والبيئية والخبير في جامعة ولاية يوتاه الأميركية، إن «وضع جدار القطع في الموصل هو الحل الوحيد وطويل الأمد لهذه المشكلة». ويضيف أن «التحدي الكبير في السد، هو أنه يحتاج إلى جدار قطع بعمق 800 قدم تحت سد الموصل»، في حين أن «بناء هذا الجدار لن يكون سهلاً، فإذا ما أخذت الاحتياطات المناسبة يمكن أن تزيد احتمالية الفشل». وحتى الآن لا يوجد لدى العراق سوى القليل من البدائل لضمان بقاء السد قائماً، عن طريق حشوه، وهي الطريقة الوحيدة على المدى القصير وربما هي أفضل حال متاح حاليا ، لكن من الممكن أن تنقطع هذه العملية في حال تعرض موقع السد مثلاً لهجوم من مسلحي «داعش». وقد أوصى نذير الأنصاري أستاذ الهندسة المدنية في جامعة «لوليا للتكنولوجيا» الذي أمضى سنوات في دراسة السد، أوصى الحكومة العراقية على وجه التحديد، أن تنسى فكرة بناء جدار القطع، محذرا في دراسة قدمها مع مجموعة من زملائه، من أن إقامته غير ممكنة ليس فقط من الناحية التكنولوجية والمالية، لكنها يمكن أن تشكل خطراً على سلامة السد نفسه. وأضاف الانصاري قائلاً «أنا لا أعتقد أن بناء جدار السد هو الحل الجيد، وإن أفضل طريقة لمنع الفيضانات هو بناء سد آخر للاحتفاظ بالمياه، وهذا مشروع مكلف». وقال المتحدث باسم شركة تري?ي الهندسية لمجلة «فورين بوليسي» الأميركية «في حال توقيع العقد، فإنه من السابق لأوانه مناقشة التقنيات الممكنة التي يمكن استخدامها»، مضيفا أن لدى «الشركة عدة بدائل غير جدار القطع». ووسط هذه التباينات في الحلول المقترحة، أطلقت المراكز الأميركية للدراسة تحذيرات حول إمكانية انهيار سد الموصل، ما قد يطلق 4 مليارات متر مكعب من الماء دفعة واحدة ويؤدي إلى مقتل مليون ونصف مليون شخص ، وغمر اثنين من أكبر مدن العراق بالماء وهما بغداد والموصل، إضافة إلى تعرض باقي محافظات الوسط والجنوب إلى فيضانات مدمرة. وأوصت السفارة الأميركية في بغداد، بإفراغ سد الموصل من المياه ، مؤكدة في بيان: «لا تتوافر لدينا معلومات محددة تشير إلى وقت حدوث تصدع» في السد. وأضاف «نود التأكيد أن تفريغ المياه هو الأمر الأكثر فاعلية لإنقاذ حياة مئات الآلاف العراقيين الذين يعيشون في المناطق الأكثر خطورة على مسار الفيضان في حال حدوث تصدع». وحسب وجهة نظر السفارة الأميركية سيكون من غير الممكن، في حال حدوث تصدع، إنقاذ بين 500 ألف إلى 1,5 مليون شخص يعيشون على امتداد نهر دجلة، إذا لم يتم نقلهم من أماكنهم. كما أكد البيان ضرورة ابتعاد سكان مدينتي الموصل وتكريت بين خمسة إلى ستة كلم عن ضفة النهر ليكونوا فغي أمان، أما الذين يعيشون في مناطق قرب سامراء، حيث يمكن السيطرة على موجة تسونامي عبر سد أصغر حجما ولاحتمال وصول المياه إلى منطقة أوسع، فسيكون عليهم الابتعاد نحو 16 كيلومتراً، وفقاً للبيان. وفي الإطار ذاته، فان خطة الطوارئ تشير إلى فيضانات لمناطق في بغداد بما فيها المطار الدولي. ورجح البيان كذلك، غرق مناطق تخضع لسيطرة تنظيم «داعش» أو أخرى متنازع عليها، مما سيفشل عمليات الإخلاء الحكومية. وستؤدي الكارثة إلى انقطاع الكهرباء عن كل العراق وغرق مناطق زراعية وفيضانات لأسابيع في بغداد، وفقا للبيان. بين تأكيد أميركي وتهوين عراقي يتبادل أهالي بغداد وصلاح الدين ونينوى أحيانا التفاصيل على مواقع التواصل الاجتماعي حول انهيار السد من عدمه، وغالبيتهم يبررون انتشار خبر انهياره للأزمات السياسية أو الأمنية، لكن الخبراء والشركات المتخصصة تقول عكس ذلك. فمع استمرار التحذيرات من احتمال انهياره بعد تزايد التشققات في جدرانه، تحركت الحكومة باتجاه التعاقد مع شركة إيطالية لترميمه أو القيام بعمليات الصيانة اللازمة له، وهو ما اقترن بمخاوف أخرى من عدم قدرة الشركة على العمل بسبب الأوضاع الأمنية. وفي هذا الإطار، قال محافظ نينوى نوفل حمادي السلطان إنه لا يمكن الجزم بأن السد لن ينهار، مشيرا إلى أن عمليات «الحقن والتحشية» للتشققات تتم بصورة صحيحة وموضوعية ، مشدداً على ضرورة مباشرة الشركة الإيطالية عملها على الرغم من قسوة الظروف الأمنية في العراق، ولافتا إلى وجود مشكلة تتمثل في قدرة السد على استيعاب مياه الأمطار. ولوح عضو مجلس النواب العراقي عن محافظة نينوى عبدالرحمن اللويزي من جهته بمساءلة الحكومة في حال وجود أي تقصير منها في هذا الصدد، معتبرا أن انهيار السد أمر وارد «لأن أسسه لم تكتمل بعد بسبب الحرب وسيطرة داعش على المنطقة فترة قصيرة». أما الخبير في الموارد المائية عون ذياب فأبدى اطمئنانه للإجراءات التي تتم حاليا من أجل التعامل مع المشكلة، كاشفا أن وزارة الموارد المائية تقوم حاليا بتخفيض منسوب المياه في السد. وقال أكبر قائد عسكري أميركي في العراق اللفتنانت جنرال شون ماكفرلاند وهو قائد قوات التحالف، إن الجيش الأميركي لديه خطة طوارئ للتعامل مع الموقف إذا وقعت كارثة انهيار سد الموصل في شمال العراق، وأن السلطات العراقية أدركت «احتمال» انهيار السد الذي تحتاج أساساته إلى حقن بانتظام للحفاظ على سلامة هيكله. وأكد للصحفيين أن «احتمال انهيار السد شيء نحاول حسمه الآن، كل ما نعرفه أنه إذا انهار فسينهار بسرعة وهذا أمر سيئ». وتابع «لو كان هذا السد في الولايات المتحدة لكنا جففنا البحيرة وراءه، كنا سنخرج السد من الخدمة». وسيطر تنظيم «داعش» على السد في أغسطس 2014، الأمر الذي أثار مخاوف من احتمال تفجيره مما يطلق أمواجا كاسحة صوب الموصل وبغداد يمكن أن تحصد أرواح مئات الآلاف. واستعاد مقاتلو البيشمركة الأكراد السد بعد أسبوعين بمساعدة الضربات الجوية للتحالف وقوات الحكومة العراقية. فيما قال المتحدث باسم التحالف الكولونيل ستيف وارن إن التنظيم سرق معدات وأبعد فنيين. وأضاف «كان هناك جدول ثابت للحقن تم الالتزام به فترة طويلة، ومن الواضح أنه عندما توقف ذلك زاد تدهور حاله ». من جانبه أفاد اللواء المتقاعد في وزارة الداخلية العراقية عبد الكريم خلف أن سد الموصل قد تحرك من مكانه، إضافة إلى حدوث أعطال في بوابته رافقه فقدان للتوازن وماهي إلا مسألة وقت لكي «ينهار». وكتب خلف على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي تويتر، إن «السد تحرك بحدود 80 سم، وعطل في البوابات وفقدان للتوازن»، مبينا أنه «يجب تفريغ ثلثي مخزون السد باتجاه بحيرة الثرثار والأهوار، وإلا فإننا ننتظر الكارثة». وأضاف أن «سد الموصل سينهار، الموضوع مرتبط بالوقت فقط وسيخلف كارثة على مسار نهر دجلة ودمار الموصل وأضرار في صلاح الدين وبغداد وقد يحصد أكثر من مليون ضحية». واتهم خلف المعنيين بهذا الشأن بأنهم لا يملكون «جدية واضحة في معالجة هذا الخطر الداهم العظيم»، مشيراً إلى أن « انهيار السد سيضيف عشرة ملايين مهجر جديد وسنصبح دولة المهجرين». وحسب تسريبات إعلامية فإن رسالة سرية وصلت من الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي حول سد الموصل. وحسب الرسالة، فإن أوباما تدخل شخصيا إلى درجة جعل تداعي سد الموصل يتصدر قائمة الاهتمامات الأميركية في العراق، عازية السبب إلى أن انهياره سيقوض الجهود الأميركية لتثبيت حكومة العبادي وتعقيد الحرب ضد التنظيم الإرهابي. وحسب رويترز، فإن وزير الخارجية الأميركي جون كيري التقى العبادي في دافوس في سويسرا في 21 من يناير الماضي وسلمه رسالة شخصية من أوباما طالبه فيها بـ«تحرك عاجل». ولم تكن الرسالة السرية من أوباما إلى العبادي، التي أكدها مسؤولان أميركيان لـ»رويترز»، تتعلق بتنظيم «داعش» أو الانقسام الطائفي في العراق، بل كانت تتعلق بكارثة محتملة بسبب الحالة المتردية لأكبر سد في البلاد والذي يمكن أن يؤدي انهياره إلى طوفان يقتل فيه عشرات الآلاف ويتسبب في نكبة بيئية. ويعكس التدخل الأميركي شعورا متناميا بالإحباط، فقد شعرت الحكومة الأميركية أن بغداد لا تأخذ الخطر على محمل الجد بما يكفي، حسبما وضح في مقابلات مع مسؤولين في وزارة الخارجية ووزارة الدفاع والوكالة الأميركية للتنمية الدولية وغيرها من الوكالات. وقال مسؤول أميركي طلب مثل بقية المصادر عدم نشر اسمه «إنهم يتثاقلون في التحرك في هذا الأمر». خسائر بشرية واقتصادية وبيئية مهولة تقول وثيقة حكومية أميركية نشرت في أواخر فبراير الماضي، إن ما بين 500 ألف و1,5 مليون عراقي يعيشون في المناطق الأكثر عرضة من غيرها للخطر على امتداد نهر دجلة «لن يبقوا على الأرجح على قيد الحياة»، من تداعيات الطوفان ما لم يتم إجلاؤهم إلى مناطق آمنة. وستجرف المياه في طريقها لمئات الكيلومترات قذائف لم تنفجر ومواد كيماوية وكذلك الجثث والمباني. وتقول الوثيقة إن الخسائر البشرية والمادية والاقتصادية والبيئة الواسعة الانتشار ستؤدي إلى تعطل نظام الحكم وسيادة القانون. ولم يتسن التأكد من تأثير الرسالة على الحكومة العراقية، لكن بعد 11 يوما من تسليمها أعفى الحزب السياسي لوزير الموارد المائية محسن الشمري الوزير من المسؤولية عن السد. وكان الوزير قد هون علانية من الخطر الذي يمثله . وقال مصدر في الحكومة العراقية تم إطلاعه على الخطط الخاصة بسد الموصل إن علاقات الولايات المتحدة بالشمري تدهورت بشدة لدرجة أن الوزير كان ينسحب من الاجتماعات التي يحضرها السفير الأميركي لدى العراق ستيوارت جونز. وأكد مسؤول في السفارة الأميركية في بغداد أن الشمري كان يرفض حضور الاجتماعات مع جونز. وأضاف المسؤول أنه تم إبلاغ المسؤولين الأميركيين في إحدى المرات أن الشمري جلس في حجرة مجاورة واستمع إلى ما دار في الاجتماع عبر دائرة صوتية، غير أن المسؤول، قال إن التعاون مع العبادي كان يسير بلا أي مشاكل. ولم يعلق الشمري علانية على الاجتماعات، وكان قد أشار إلى أن التنبؤات المتعلقة بالسد ليست سوى عذر لإرسال المزيد من القوات الأجنبية إلى العراق. وفي الثاني من مارس وقع العراق عقدا بقيمة 296 مليون دولار مع مجموعة تريفي الإيطالية لتدعيم السد الواقع في شمال العراق، والذي ظل بحاجة لهذا التدعيم منذ بنائه في أوائل الثمانينيات على عروق من الجبس الذي يمكن أن يذوب في الماء. وقالت إيطاليا إنها سترسل 450 جنديا للمساعدة في حماية السد. وقال المسؤولون الأميركيون، إن قرار أوباما إرسال رسالته للعبادي كان من دوافعه تقارير مقلقة من الاستخبارات الأميركية ودراسة جديدة أجراها سلاح المهندسين في الجيش الأميركي أظهرت أن السد غير مستقر بدرجة أكبر من الاعتقادات السابقة. وقال بول سالم نائب رئيس معهد الشرق الأوسط وهو من المؤسسات البحثية في واشنطن إن انهيار السد سيؤدي إلى فوضى وأضرار وقد يتسبب في انهيار حكومة العبادي حليف الولايات المتحدة ويمثل نقطة سوداء فيما سيذكره التاريخ عن أوباما. وقال المسؤولون والمحللون الأميركيون والعراقيون، إن مساعي إصلاح السد الواقع على بعد 48 كيلومترا إلى الشمال الغربي من مدينة الموصل تعطلت بسبب الفوضى التي سادت الوضع الأمني في العراق والانقسامات السياسية في بغداد إضافة إلى عدم تحقق الإنذارات في السنوات السابقة وكذلك الانقسامات الثقافية. وقال المسؤولون الأميركيون إن العبادي، الذي تزيد أعباؤه بسبب الحرب على تنظيم «داعش» والخلافات السياسية والعجز في الميزانية نتيجة هبوط أسعار النفط، يركز الآن على السد ويشرف على الجهود الرامية لإصلاحه. وقال مسؤول كبير في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية «وصلنا إلى نقطة لم يكن فيها شك أن العراقيين يولون الأمر اهتمامهم». غير أن شركة تريفي تقول، إن إعداد موقع العمل سيستغرق أربعة أشهر، ويواجه السد المستخدم في توليد الكهرباء ويبلغ طوله 3,5 كيلومتر أكبر خطر فيما بين أبريل ويونيو من جراء ارتفاع مناسيب المياه بسبب ذوبان الثلوج. وقال المسؤولون إن لا بد من استخدام شاحنات لنقل مواد حقن السد من تركيا لأن المصنع السابق يقع في الموصل وأصبح الآن تحت سيطرة تنظيم «داعش». من جهته يؤكد المهندس رياض عز الدين مدير سد الموصل، أن «خطر انهيار السد مستبعد تماما بسبب عدم وجود دفع عال لمستوى المياه وخرسانة الصب الشديدة القوة للسد، والمنطقة أصلا تعاني من انخفاض المناسيب منذ سنوات مما دفع تركيا لإنشاء سدود على مجرى النهر لتخزين المياه، والمستوى الموجود حاليا لخزن المياه في السد لا تتجاوز 25%، وجميع من حذر يعلم أنه إذا زاد الخزن عن 60% فربما يكون بحثا آخر للخطر. وقال إنه تم خلال الأيام الماضية إطلاق كميات من المياه المخزنة وفق رأي الخبراء المائيين، مشيرا إلى أن «تقرير المهندسين في الجيش الأميركي بسفارتها في بغداد رأي شخصي والآراء بالتأكيد مختلفة بالاختصاصات». وبشأن الإجراءات التي اتخذت في حالة انهيار السد، كشف عضو مجلس محافظة بغداد وأمين السر أركان البياتي، أن اجتماعات جرت بهذا الشأن مع الحكومة والمختصين في وزارات الداخلية والموارد المائية والصحة لأخذ الإجراءات الاحترازية، حيث تبين أن مستوى النهر الحالي منخفض أساسا منذ سنوات وأي زيادة مهما كانت لا تدعو للقلق وأكتاف نهر دجلة في بغداد مرتفعة جدا، وأماكن محدودة يمكن أن ترتفع المياه فيها لكن في جميع الأحوال لن تصل إلى مستوى الكارثة. وأشار البياتي إلى أن بغداد لن تغرق لوجود سد سامراء الذي يبعد 120 كم شمال العاصمة وله قدرة عالية على تحويل المياه من نهر دجلة لمنخفض الثرثار وأنهار فرعية. ويبقى انهيار السد الخوف الأكبر الذي يقض مضجع العراقيين الذين فقدوا منذ زمن الثقة بحكومتهم ومسؤوليها، بل إن بعضهم اتهم الحكومة بالتواطؤ في قضية السد «بنهبها الميزانيات وإفلاس الخزينة» مما جعل المعالجات أقل من حجم الخطورة التي يكتنفها احتمال انهيار السد.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©