الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لا خيط يربط «الخيط» بالواقع

لا خيط يربط «الخيط» بالواقع
9 مارس 2011 19:38
توفرت لشريط “الخيط” الذي أخرجه التونسي المهدي بن عطية، والذي تم عرضه في الدورة الأخيرة من مهرجان “كان” كثير من شروط النجاح. فقد شاركت فيه النجمة الإيطالية العالمية الشهيرة (وهي من أصل تونسي) كلوديا كردينالي، بالإضافة إلى الممثلة التونسية الشابة رملة العيّاري، ولطفي الدزيري، ومحمد قريع. والأهم من كل ذلك، هو إن موضوع الشريط يتطرق إلى قضية من تلك التي تندرج تحت عنوان القضايا التي يسقطها الغرب، انطلاقا من واقعها على المجتمعات الشرقية ومنها المجتمع التونسي، وهي الشذوذ الجنسي. وخلاصة فيلم “الخيط” هي أن شابا تونسيا، اسمه مالك في الشريط، يعمل مهندسا في العاصمة الفرنسية باريس، وبسبب وفاة والده فإن ظروفا عائلية اضطرته للعودة إلى بلده الأصلي للإقامة مع والدته التي جسدت دورها كلوديا كاردينالي. يشاء الشّريط أن يكون مالك شاذا جنسيا، ورغم محاولة إخفاء هذا الأمر عن أمه إلا أن أمره قد افتضح بعد أن تفطنت والدته إلى الإعجاب الكبير الذي كان يكنه مالك لبستاني البيت، وانتهى الأمر بمصارحة الابن أمه بشذوذه، فلم يجد منها استغرابا أو استنكارا بل وجد تفهما. والمخرج الذي يعيش ويقيم في فرنسا بعيدا عن الواقع التونسي، لم يكتف في شريطه بسرد هذه الأحداث الغريبة عن المجتمع التونسي المحافظ، بل انه أبرز في الفيلم لقطات خادشة للحياء وصادمة للعلاقة بين الرجلين، وقد كتب سيناريو هذا الشريط الهجين مخرجه التونسي بالاشتراك مع الفرنسي أوليفييه لاتورييه، وجاء الحوار في بعض اللقطات محشو بعبارات بذيئة ولغة سوقية، وباسم الجرأة وقول ما لا يقال، ولغاية في نفس المخرج، كانت لغة الحوار هابطة وجارحة للذوق. ورغم أن التمويل لهذا الشريط هو تمويل فرنسي إلا أن أحداثه الغريبة تجري في تونس. ولم يقف هذا الفيلم “الشاذ” حقا عند هذا الحد، بل إنه تعمد حشر علاقة خارج إطار الزواج بين سيرين (رملة العياري) ومالك الذي يمارس كل أنواع الشذوذ، كما إنه قدم سيرين كفتاة مثلية أيضا. ورفض النقاد في تونس هذه الصورة التي قدمها المخرج عن المجتمع التونسي، وأجمعوا على القول بأنه سعى الى إرضاء الغرب والاستجابة الى مخياله بتقديمه هذه القصة التي ترضي السوق في الغرب، والدليل هو إن الفيلم نال إعجاب النقاد الفرنسيين الذين أطنبوا في الحديث عن جرأة هذا الشريط الذي قالوا أنه يعالج قضية الشاذين في تونس، فهؤلاء ـ وفق ما جاء في تعليقات النقاد الفرنسيين ـ أصبحوا قضية مسكوت عنها. مسألة قديمة والحقيقة أنّه لا يكاد يخلو شريط تونسي من وجود شخصية شاذة جنسية في سياقه، ففي فيلم “خشخاش” (أو زهرة النسيان) وهو من إخراج سلمى بكار، فإن البطلة تكتشف أن زوجها شاذ ولذلك تلتجئ لنسيان حرمانها العاطفي والجنسي إلى تناول زهرة الخشخاش. وتدور أحداث الشريط في فترة الأربعينيات من القرن الماضي داخل عائلة بورجوازية تعيش في تونس العاصمة، فزكية زوّجها أهلها من سي مختار وهو سليل عائلة ثرية، سرعان ما تكتشف ميله لخادمه الشاب جعفر، وكل قصة الفيلم تروي معاناة هذه المرأة وحرمانها مما دفعها للإدمان على زهرة النسيان “الخشخاش” الّتي ترمي بها ولو لفترة في عالم خيالي تنسى فيه واقعها مع زوج شاذ جنسيا. وتقول المخرجة أن شريطها مستمد من أحداث حقيقية، فالمرأة بطلة الفيلم تنتهي بها معاناتها الجسدية والنفسية إلى مستشفى الأمراض العقلية. والملفت أن الكثير من الأفلام التونسية، وخاصة تلك التي يخرجها تونسيون أو تونسيات في المهجر تكاد لا تحمل من الصفة التونسية إلا جنسية مخرجها أو منتجها، وليس بعيدا عن الصحة القول بأن العديد من الأفلام التونسية تنتج وتخرج للمهرجانات الدولية وليس للجمهور التونسي. واذا كان الجميع يقرّ ويعترف بأن المخرجين التونسيين أظهروا مهارة كبيرة في إبراز الصور الجميلة المتقنة، إلا أن نقطة الضعف هي دائما موضوع القصة ـ إن وجدت قصة ـ وفي كل مرة تعود مسألة الدعم، وهناك اليوم الكثير من الأصوات تدعو إلى مراجعة مقاييس الدعم إعتبارا إلى أن المال المقدم لهؤلاء المخرجين هو من أموال الشعب التّونسي.. فإلى متى سيبقى المخرجون هم كاتبوا السيناريو، وإلى متى وكل مخرج يروي قصته الشخصية المستمدّة من حياته بعيدا عن الواقع المعاش ويريد أن يسقطها على واقع المجتمع الذي يعيش فيه ويجعلها كن نسيجه، وإلى متى تبقى هذه الأفلام المدعومة تروي قصص أفراد، وجلها تدور حول الكبت الجنسي لدى المرأة والرجل؟؟ الساعة الاخيرة ومع ذلك فإن هناك استثناءات طبعا، على هذا النهج الغريب في صناعة السينما التونسية الذي يكاد يكون القاعدة، فقد خرج في المدة الأخيرة فيلم “الساعة الأخيرة” للمخرج علي العبيدي تناول فيه موضوع الصحافة، وهو يقول إنه أراد أن يكون شريطه مخالفا لما هو موجود في الأفلام التونسيّة الأخرى مؤكدا إن شريطه: “الساعة الأخيرة” لا يضم لقطات ساخنة، بل وليس فيه حتى قبلة واحدة، على حد تعبيره. والشريط يعالج مشاكل الصحافة والصحافيين في تونس من وجهة نظره، وقد استمد السيناريو من خلال صداقاته ومعارفه في الوسط الصحفي التونسي. ويشير علي العبيدي في تصريحات له إلى أن ضعف السينما التونسية سببها الممثلون ووصفهم بأنهم “غير حرفيين”، مؤكدا إنه نادرا ما تجد ممثلة أو ممثل يتعامل مع السينما بحرفية، متهما الممثلين بأنهم لا يحفظون أدوارهم، وهو يجزم إنه على الرغم مما تعانيه السينما التونسية لكنها أفضل من السينما المصرية، وضرب على ذلك مثلا أن السينما المصرية غير معروفة في أوروبا وأميركا بينما السينما التونسية والمغاربية غير ذلك. ويهاجم علي العبيدي السينما المصرية بالقول إنها أصبحت تنتج أفلاما أشبه بـ”الساندويتش”، مضيفا:” إنها سينما سطحية وتجارية”. والملاحظ إن المخرج علي العبيدي الذي كان يقول زملاء له انه كان مقربا من النظام القديم، تنكر فجأة لماضيه، ليعلن على أعمدة الصحف إنه ماركسي، ولكن زملاء له يؤكدون إن “عودة الوعي” المتأخرة لم تشفع له لدى السينمائيين التونسيين. والكل يعلم إن علي العبيدي المتخرج من دول أوروبا الشرقية في الاخراج كان من المقربين من “التجمع الدستوري الديمقراطي” (الحزب الحاكم سابقا) واستفاد ماليا بالحصول على دعم لعديد الافلام التي أخرجها، وهي أفلام لم تنل نجاحا جماهيريا رغم انه يستشهد دائما بأرقام لديه عن العدد الهام من الذين أقبلوا على مشاهدة شريطه هذا الاخير. كما استفاد باحتكاره رئاسة جمعية السينمائيين التونسيين مستندا الى قربه من النظام القديم، وقد ثار السينمائيون عليه هذه الأيام وقرروا افتكاك جمعيتهم من وصايته واتهموه بسوء التصرف وتهم أخرى كثيرة، وقد نشر بعض الردود في الصحف السيارة مدافعا عن نفسه، الا انه لم يقنع احدا، حسب تعليق زميل مخرج من السينمائيين الشبان.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©