الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

والله زماااان يا رغيف!!!

25 مايو 2008 13:15
f_a6000@yahoo.com أذكر والد صديقة لي ''رحمة الله عليه'' كان عندما يريد أن يُثبت حجته في شيء ما، يقفز بكل ''حماوته'' فوراً إلى المطبخ ليحضر قرصاً من الخبز، ويا حبذا إن كان رغيفاً أفغانياً ويحلف عليه، ومن ثم يأكله ليخفف من حدة غضبه وانفعاله!· منذ ذلك المشهد تيقنت لا شعورياً بأهمية رغيف الخبز ومكانته المهيبة، ولذلك أذكره إلى الآن كلما رأيت الرغيف، فقد عزز ''رحمة الله عليه'' مكانة الرغيف في عيني فضلاً عن قيمته الغذائية الأزلية، باستخدامه كوثيقة تأكيد على ''حلفاته'' التي لا رجعة عنها في أمر ما، وأيضاً لقيمة الرغيف الشهي السميك الساخن في تقديم الدليل الدامغ على صدق النية والموقف والعزيمة!· تذكرته وأنا أشتري الخبز من الفرن المجاور لبيتنا، وقلت ماذا لو حصلت المعجزة وعادت عقارب الساعة بالزمن إلى الوراء، وعاد ''بو خلف'' واستخدم الرغيف اللبناني أو الإيراني أو الأفغاني أو أي رغيف يفضله ويشتهيه، واستخدمه كحجة للبرهنة على شدته وحزمه ؟! أظن أن ''بو خلف'' سيتأنى كثيراً قبل أن يشرع في طريقته المعتادة لعقد اليمين، وربما يصعق من هول ما سيرى!، لكونه عاش عصراً ذهبياً في كل شيء على الرغم من بساطة الحياة بكل تفاصيلها· سوف يحزن على أشياء كثيرة ومن ضمنها صديقه خبز التنور، وربما يعنّ على باله أن يردد أغنية المرحوم فريد الأطرش الذي كان يحبه أيضاً ''كثر حبه للعيش الحاف السخن''، مع بعض التحريف أو التوظيف: ''زمان يا رغيف'' بدلاً من ''زمان يا حب''!· رغيف مخابز اليوم يمكن أن ''ينحلف'' عليه بشيء واحد هو ''بالطلاق'' فقط لا غير، لضمان الرجعة السريعة للمُطلقين المتهورين!، فاليوم وبعد أن فقدت أكثر الأشياء بريقها وحلاوتها السابقة، وأصبحنا نتحسر عليها كأنها أثر قديم سقط من الذاكرة ولم يُوثق إلا في قلوب وذاكرة ''الحناين'' الطيبين المولعين بكل شيء قديم، الأوفياء لكل التفاصيل القديمة ومنها خبز البيت اللذيذ· أما العملاق ناظم الغزالي ''رحمة الله عليه'' أيضاً، الذي تغنى برغيف محبوبته قائلا: ''من ورا التنور تناولني الرغيف·· يا رغيف الحلوة يكفيني سنة''، الله أكبر، سنة مش ربع ساعة! الغزالي نفسه ليس عندي أدنى شك في أنه سيغير رأيه في ''رغيف محبوبته'' الذي كان يفضله على خبز الكثير من المخابز وربما حتى على خبز أمه إذا رأى ما حلّ بالرغيف المسكين الذي لم يسلم من تقلبات الدهر، وأتت عليه عوامل التعرية فغيرت كل ملامحه، فلم يبق منه سوى اسمه، وهو الذي كان يُحلف به لقداسة مكانته ذات يوم، والذي كان يوازي عند بعض العرب الشرف في المنزلة وعلو الشأن، لذلك كانت النساء ''الأوليات'' يتبارين ويتنافسن في صنع خبز التنور في البيت، ولا يسلم الموضوع من ''المعاير'' بأن فلانة لا تعرف ''العجن والخبز'' وكأنها نقيصة قد توصم بها ردحاً من الدهر، ما لم تتقن صنيع يديها ويرضى عنها أهلها وصحبها وكل عشيرتها وحارتها بأكملها!، وبما أن الرغيف اليوم لم يعد يُشبع الجوعان، ولا عادت رائحته وصورته تشّهي ''الرغبان'' لتدفع به إلى شرائه حتى وإن عاد إلى سابق عهده وبيع بنفس سعره القديم، فكرت أنا ''الفطين''، بإجراء عملية مقايضة، الطرف الأول فيها هو''بني آدم'' طبعاً والطرف الثاني ''طيور الكناري''!، بحيث نستبدل الخبز بحب ''الدُخن''!· لكني أعلم حق المعرفة بأن حتى طيور الكناري لن تتهور وتقبل مقايضتنا ''الدخن'' برغيف خبزنا البائس الفقير، خوفاً من أن تصاب بفقر الدم المزمن·· ''حتى الكناري عندها بُعد نظر''!!!·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©