السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أول ترجماته كتاب عن الفلسفة

أول ترجماته كتاب عن الفلسفة
9 مارس 2011 19:36
يعد هذا الكتاب “الواجب” اكتشافا ليس فقط لموضوعه وفكرته، بل لأن مترجمه هو د. طه حسين وزميله محمد رمضان وترجم هذا الكتاب عن اللغة الفرنسية عام 1914، أي قبل أن يسافر طه حسين إلى باريس، ونعرف من كتاب “الأيام” أن طه حسين بدأ يتعلم اللغة الفرنسية في القاهرة عام 1910 بمدرسة مسائية قريبة من حي الأزهر. الكتاب في الفلسفة وتحديدا فلسفة الأخلاق، ولعل هذا يفسر رغبة طه حسين حين سافر في بعثة إلى فرنسا في أن يدرس الفلسفة، لكن السلطان حسين كامل ـ سلطان مصر ـ قابل الطلاب المسافرين إلى البعثة وسأل طه عما يريد أن يدرس هناك فأجاب أنه يريد دراسة الفلسفة، لكن السلطان حبذ له دراسة التاريخ بدلا من الفلسفة، ولم يدرك السلطان أن المسافة ليست بعيدة بين الفلسفة والتاريخ. المؤلف هو الفيلسوف الفرنسي “جولي سيمون” عضو المجمع العالمي الفرنسي، وعاش بين عامي 1814 - 1896 وكان يكتب الفلسفة ويقدمها للقراء العاديين، وليس إلى المتخصصين في الدراسات الفلسفية وصدر هذا الكتاب أول مرة في باريس عام 1845 ويلفت هذا الكتاب إلى أن اهتمام طه حسين بالاستنارة وأعمال المنهج العقلي تكون لديه قبل سفره إلى فرنسا، وليس صحيحا ما يشيعه بعض خصومه أنه سافر إلى باريس مقفل العقل تماما وعاد وتم تجهيزه هناك بأفكار الاستنارة، ويلاحظ أيضا أن طابع أسلوب ومفردات طه حسين في الكتابة واضحة تماما وغالبة على هذا الكتاب، ونلاحظ في مقدمة المعربين أو المترجمين الطبيعة النضالية التي عرف بها طه حسين فيما بعد، جاء في هذه المقدمة “المؤلف وضع كتابه هذا لذوي العقول المستنيرة من قومه فنحن نهدي ترجمتنا لهذا الكتاب إلى ذوي العقول المستنيرة من قومنا”. مخاطر ومكاره الكتاب فلسفي ودراسة الفلسفة أو الحديث عنها في المجتمع العربي عموما محفوف بالمخاطر والمكاره ليس فقط عام 1914، بل إلى اليوم ويقول طه وزميله “نجد من خاصتنا وعلمائنا طائفة تمقت الفلسفة أشد المقت وترمى من يدرسها بالإلحاد والمروق من الدين تارة بالتشدق والتكلف لما لا يفيد تارة أخرى”. ويستعرض طه حسين وزميله سر رفض الفلسفة عندنا، وهو أن البعض لا يفهم منها، إلا أنها “العلم الإلهي” ومن ثم فهي عندهم تنطوي على المروق من الدين، في هذه الجزئية وهي الفكرة التي تعود إلى حجة الإسلام أبي حامد الغزالي في كتابه “تهافت الفلاسفة”، لكن طه حسين وزميله يذكران بوضوح تام “أن الدين بريء من أن يحجر على العقل أو يمنعه من البحث عن الحقائق، بل هو يأمر بالنظر والتفكير، والنظر العقلي الحر هو أول أصل من أصول الدين والإيمان بالله، فما بال قوم يتخذون الدين سلاحا يحاربون به الفلسفة، وقد كان الحق عليهم أن يتخذوها له نصيرا، وإلى تأييده وسيلة، فيسلكوا بذلك سبيل السلف الإسلامي إبان حياة الإسلام وعنفوانه وشبابه”. ثم يقولان: “لسنا نخشى أن ينالنا من موضوع الكتاب في نفسه سخط ساخط أو نقد ناقد، إلا من حيث أنا قد ابتدأنا من ترجمة الفلسفة ما لم يألف الناس في هذا العصر الجديد وفي الناس قوم شغوفون ببعض الحديث لحداثته، كما أن منهم كلفون بحب الجديد لجدته”. ورغم خوف طه حسين وزميله من سوء استقبال الكتاب في المحيط الثقافي العربي، لأنه كتاب فلسفي، فإننا نجد المؤلف من المقدمة يعلن موقفه وهو انحيازه لعقيدة الإيمان بالله، وتهكمه على الملحدين. إذ يقول “عندما نبدأ عملا ذا خطر نسمع من أنفسنا صوتين أحدهما صوت المنفعة يقول لنا: هذا هو ما يفيدك.. الراحة والأمن والثروة والمجد والسلطان وثانيهما وهو ما يسميه الناس صوت الواجب يقول لنا: انس نفسك، خاطر بها. ضحها”. ثم يقول: ليصغ الملحدون إلى صوت المنفعة. ولكن الذي يؤثر الواجب هو صاحب اليقين الفلسفي عرف ذلك أم لم يعرفه، فإنه لا يمكن الإيمان بالواجب بدون إيمان بالله والحرية والخلود”. القوة والمنفعة المؤلف حين وضع كتابه كان متخوفا من سيطرة أفكار القوة والمنفعة وانتشار الأنانية، وتراجع مفاهيم الواجب ويقول “ربما كان الوقت مناسبا لأن تحدث الناس بواجباتهم فإن أكثرهم مشتغل بحقه فقط وتراه لا يفرق بين حقه ومنفعته. لم يكف أن صارت الفضائل نادرة والشهوات حادة والتسامح للظافر عظيما، بل قد ظهرت آراء من شأنها أن تبيح للناس كل ما يحققه الواجب، فإنا نسمع تمجيدا للقوة وتقسيما لعلم الأخلاق إلى أكبر وأصغر وكلاما على الحرية باحتقار وقضاء على الفلسفة في بلاد ابيلار وديكارت وذما لثورة عام 1789 في نفس البلاد التي لاتزال تحميها”. صدر الكتاب عن مطبعة الجريدة التي كانت تمثل حزب الأمة وكان يقف على رأسها آنذاك لطفي السيد ونعرف أيضا من أيام طه حسين أنه منذ عام 1908 تعرف إلى لطفي السيد وكان يتردد عليه في مكتبه بالجريدة ونعرف أن لطفي السيد كان مشغولا بالفلسفة، وهو الذي ترجم أعمال آرسطو الرئيسية إلى اللغة العربية، ترى هل شجع لطفي السيد طه حسين على الاتجاه إلى الترجمة وتناول الفلسفة بالذات؟ صدر الكتاب في طبعته الأولى في أربعة أجزاء ظهر الأول منها في بدايات عام 1914 وقد قام الشيخ مصطفى عبدالرازق بكتابة سبع مقالات في جريدة “الجريدة” حول هذا الكتاب ناقش فيها أفكار المؤلف، كما ناقش كذلك طه حسين وزميله في المقدمة التي أعداها معا للكتاب، ويعلن اختلافه مع فكرتهما في أن الفلسفة يجب أن تتخذ نصيرا للدين، وعنده أن الأمور ليست هكذا يقول “إن أقصى أماني الدين والفلسفة أن يتعاونا على إسعاد الإنسان، هذا عن طريق القلب والعواطف، وهذا عن طريق العلم والنظر، لا أن يتلاقيا في ميدان واحد وجها لوجه”. ثم يقول “إنني أحب الحرية حبا يجعلني حريصا على أن تكون للعقول حريتها في الفهم والقلوب حريتها في الإيمان” ثم يضيف ما كانت الفلسفة لتعادي الدين ولكنها أيضا لا تخدمه”. وفي إحدى هذه المقالات ـ نشرت في 8 يوليو 1914 ـ ناقش مصطفى عبدالرازق مفهوم الحرية في الكتاب وفي الفلسفة عموما ليقول “إنني أدعو مع صاحب كتاب الواجب إلى الإيمان بالحرية، مقتنعا بأن هذا الإيمان خير كله ولو أثبتت جميع البراهين الفلسفية أن نظرية الاختيار الإنساني غير صحيحة” ويقول كذلك “ما أشد حاجتنا نحن أبناء مصر إلى الإيمان بأن لنا إرادة وأننا خلقنا أحرارا”. الكتاب: الواجب المؤلف: جول سيمون ترجمة من اللغة الفرنسية: محمد رمضان وطه حسين الناشر: الهيئة المصرية للثقافة الجماهيرية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©