الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

البيوت أسرار

البيوت أسرار
22 ابريل 2010 19:49
الحلم تحول إلى كابوس نورا محمد (القاهرة) - استغربت عندما بدأت أقرأ القصة المصورة، لأن ما يحدث غير طبيعي ولا يصدقه عاقل، لأن الأحداث تدور حول الحيوانات والطيور في الغابة وهؤلاء يتحاورون مع بعضهم، لكن ذلك لا يحدث في الحقيقة بين الحيوانات والطيور التي رأيتها وعندما سألت المعلمة في الفصل عن حيرتي، ضحكت طويلا، ثم أجابتني بأن ذلك من الخيال فقط ولا يحدث بالفعل وأنني محقه في تساؤلي وأنا في هذه السن إذا لم أكن تجاوزت العاشرة من عمري، وشجعتني المعلمة على المزيد من القراءة والمطالعة خاصة عندما وجدت عندي شغفا باقتناء القصص وروايات الأطفال، وعشقت ذلك وامتلك كل اهتمامي ووقتي، أحاول أن أزور مكتبة المدرسة كل يوم تقريبا لاستعير قصة جديدة أعيش مع أحداثها وألغازها وأبطالها سواء كانوا من البشر أو الحيوانات أو الطيور، أتخيل نفسي بينهم، أشاركهم ما يواجهون من أزمات ومواقف، وقد يصيبني الرعب أحيانا مما يقع وأفرح عندما تأتي النهاية السعيدة. أصبح هذا هو عالمي الخاص الذي لا يعرفه الكثيرون من أقراني وزملائي، وجدت فيه كل متعة اكثر مما يجده الآخرون في كل الألعاب بشتى أنواعها، فكنت طفلة تقتني الكتب، ولا تقتني العرائس والدمي والدباديب وغيرها، وظهر ذلك على شخصيتي وتصرفاتي وأصبحت أتحدث اللغة العربية الفصحى في معظم تعاملاتي اليومية، ولأنني لم أكن قد أتقنتها بعد، فقد سألت أبي مرة عن الوقت فبدلا من أن أقول “كم الساعة؟”، قلت “الساعة الكام”، فضحك أبي كما ضحكت معلمتي من قبل، لكن في الحقيقة لم يكن رد فعله من قبيل الاستهزاء بي، وإنما من قبيل الاستغراب والتعجب والمفاجأة، ثم شجعني على مسيرتي، هذا بالرغم من أن عائلتي تخلو من المهتمين بالثقافة والقراءة، فكنت مثل شجرة في الصحراء، حتى أنني كنت استغرب حالتي في بعض الأحيان، فالتلاميذ والتلميذات لا يهمهم إلا الكتب الدراسية والمقررات والمناهج، هذا إذا اهتموا بها. وواصلت السير في الدرب الذي اخترته وعشقته، وها أنا ذا من رواد المكتبات العامة، وأتابع البرامج المتخصصة وتعرفت من خلالها على عشرات الأدباء والكتاب والشعراء، أعيش عالمهم، وأتابع أعمالهم وأنشطتهم وإنتاجهم، وانتقلت إلى مرحلة أوسع بحضور الندوات واللقاءات التي يتم الإعلان والنشر عنها في الصحف ووسائل الإعلام الأخرى، فالتقي بهؤلاء المشاهير وجها لوجه وأنا لا أصدق نفسي، إنهم نجوم في السماء، فكيف صعدت اليهم من الأرض؟ وازدادت سعادتي وتجرأت على الدخول معهم في المناقشات والحوارات وازداد حرصي على حضور كل المناسبات الثقافية بجميع أنواعها. أما الليلة التي شهدت ميلادي الأدبي، فتلك التي كان الأديب الكبير “أمين” “وبالطبع هذا ليس اسمه الحقيقي” يوقع مجموعته القصصية الجديدة، ويقرأ بعض نماذج منها ويقدمها لكبار المتخصصين الذين أثنوا عليها بكل كلمات وعبارات المديح، قالوا إنها نقلة في القصة القصيرة، ستغير مفاهيمها، مثلما فعلت الحرب العالمية الثانية في خريطة الكرة الأرضية ومستقبل العالم بعدها، ذكروا حينها أوصافا كثيرة لا استطيع أن أتذكرها كلها، في مضمونها تؤكد أن الرجل فعل ما لم تفعله الأوائل، والمفاجأة الكبرى التي لم تكن أبدا في حسباني ولا حساباتي، عندما قام الأستاذ “أمين” يوزع النسخ على كبار الحضور، وإذا به يقدم لي نسخة مثلهم، بل وعليها إهداء خاص كتب فيه “إلى الزميلة العزيزة”، الكاتبة الصاعدة الواعدة، صاحبة القلم الرشيق، والمستقبل الباهر، أقدم هذه المجموعة القصصية من أحدث أعمالي، أرجو أن تنال قبولك”. لم أصدق أنه يكتب لي هذه الكلمات الساحرة خصيصا، حتى كأنه هزني بعنف، عندما مد يده بها وهو يقول: أود أن اسمع رأيك عندما تفرغين من قراءتها. تلعثمت وضاعت من رأسي كل مفردات اللغة من عامية وفصحى، لم تسعفني ولا كلمة واحدة لأرد عليه، أحسست بقشعريرة في جسدي كله، بالكاد استجمعت شجاعتي وقدمت له الشكر والامتنان، وانفض الجمع والحفل. عدت إلى البيت، لم أتناول العشاء مع أسرتي، وادعيت أنني تناولت طعامي في الخارج، بينما في الحقيقة كانت كلمات الأستاذ “أمين” تحدث طنينا في أذني، تتكرر على مسامعي باستمرار رغما عني، ومع هذا فأنا سعيدة بها، وأكمل سعادتي وأنا أعيد قراءة الكلمات المعدودة التي كتبها في إهدائه، حتى أنني لا أدري كم مرة قرأتها، لكن بلا مبالغة أجزم أنها اكثر من مئة مرة، لقد حظيت باهتمام خاص يستحق وقفة مع النفس، فلابد أن الرجل يقصد ما قال وما فعل، انطلقت أقرأ قصصه وأنا أتخيل أنني بطلة كل قصة حب، وأتخيله هو البطل. وبعدها بيومين وكأنني مسلوبة الإرادة، أدرت قرص الهاتف واتصلت به، جاءني صوته هادئا رقيقا اكثر مما اعتدت أن اسمعه مباشرة، تحدثنا في أشياء كثيرة، ربما يكون معظمها غير مهم وفي موضوعات شتى، وقد شجعني على اهتماماتي، مع الأخذ في الاعتبار عدم إهمال الدراسة فهي مهمة لمستقبلي العملي، وأنا الآن في السنة الأولى بالجامعة، فاستشعرت منه حرصا على مصلحتي. تعددت لقاءاتي به، وأصبحت يومية، لا يمر يوم دون أن أراه وأتحدث معه وأنظر إلى عينيه، حتى جاءتني مفاجأته الثانية عندما طلب مني أن أستمع الى قصيدة كتبها يتغزل فيها بجمالي وقوامي وملابسي وعطري ويهيم بالعيون والأنف والفم والشعر، ولأنني مثقفة فإنني أعلم أن أعذب الشعر أكذبه، ومن المؤكد أنه بالغ كثيرا في أوصافي، ومع ذلك فقد صدقته، وعشت ذلك على أنه حقيقة لا خيالا، وبعث بداخلي الإعجاب به، أو بالأحرى الحب، فأنا أحبه منذ أن كنت أراه يتحدث عبر التلفاز، أو في الندوات واللقاءات، وبعد هذه الجلسة القصيرة الصريحة، اعترفت له بحبي ومشاعري نحوه، وبدأنا نتعامل كعاشقين، لكن لا نعيش على الأرض وإنما نحلق في السماء مع النجوم والقمر، أرسم لحياتي معه صورة من خيالي، حياة ملؤها السعادة، لم يعشها أحد قبلي، ولن تتكرر على مر السنين. ازداد اهتمامه بي أكثر، يصطحبني في جميع لقاءاته وندواته، ويقدمني لمن لا يعرفونني بأنني الأديبة الكبيرة والكاتبة الفذة، والعبقرية المتفجرة، جعلني أذوب فيه كما يذوب السكر في الماء فلا يبدو له أثر إلا بالتذوق، كنت كذلك وامتزجت شخصيتي في شخصيته، تملكني وسيطر على كياني، أتعجل اللحظة التي سيفاتحني فيها بطلب يدي وخطبتي، ولم تبعد هذه الخطوة طويلا، وإذا به يفعلها، بل واكثر منها، اختصر الزمن والمسافات، وطلب الزواج مباشرة، وأقنعني بأننا لسنا مثل الآخرين، يجب ألا نكون مثلهم ونمر بفترة الخطوبة والإعداد والاستعداد وتأثيث شقة الزوجية، كدت أطير فرحا، وعلى استحياء قلت له سأحدد لك موعدا مع أبي، فكرت في مقولته بأننا لسنا مثل الآخرين، فلم أفهم ما يرمي إليه، اعتقدت أنه يريد أن يكون زواجنا عرفيا، فنفى ذلك تماما، واكد أن زواجنا سيكون رسميا موثقا على يد مأذون شرعي، وإنما فقط دون أن يعرف أبي، وعدم إعلامه لأنه سيرفض هذه الزيجة برمتها، أولا لأنني مازلت في نظرة صغيرة، ولم أنته من دراستي بعد، وثانيا لأنه يعتبر أن حبيبي هذا من الصعاليك الذين لا يحبون الاستقرار ولا يهتمون به، ويحبون أن يعيشوا على حريتهم دون تحمل أي مسؤولية، وأقنعتني حجته وأسبابه، وخشيت إن رفضت ان يضيع مني ويتركني، ووافقت على خطته. بالفعل كانت ليلة عرس فريدة مختلفة، لم يحدث مثلها من قبل، فقد أحضر حبيبي اثنين من أصدقائه وتوجهنا إلى مكتب المأذون الشرعي وتم عقد قراننا بعد أن شهد صديقاه على العقد، وخرجنا نحن الأربعة إلى مطعم شعبي نتناول عشاء بسيطا مثل الذي نتناوله في أي ليلة سابقة، ثم تركنا صديقاه الى حال سبيلنا، وانتقلت أنا وزوجي إلى مقهى قريب، وبعد حوال ساعة اصطحبني الى عشنا، ذهبنا في وسيلة مواصلات عامة بين الدهماء، لم يحدث أي مظهر من مظاهر العرس، توجهنا الى شقته المتواضعة، التي تسيطر عليها فوضى العزوبية، كتب ومجلات وصحف ملقاه هنا وهناك، وملابس معلقة بالمسامير أو في كومة على الأرض، السرير غير منظم، كل شيء يعلوه التراب وعنوانه اللامبالاة، وبعد ما انتصف الليل شعرت بحجم الخطأ الذي ارتكبته، بل هو جرم عظيم، وأنا أتخيل الآن أمي وأبي وكيف سيكون حالهما، وهما يبحثان عني، وإخوتي يبكون، فكانت ليلة حزينة بائسة، بدلا من أن تكون ليلة العمر!! بعد يومين كانا الأسوأ في حياتي، لم اعرف فيهما النوم ولا الراحة، اتصلت بأمي وأخبرتها بما حدث، فأصيبت بإغماء، وفقدان الوعي، وبعدما أفاقت أخبرت أبي بالفاجعة، وكانت الصدمة أقوى منه واستطاع أن يصل إلى مكاني، طأطأت رأسي خجلا، لكن سبق السيف العزل، ووقعت الواقعة، لم أجد من كلمات الأسف والاعتذار ما يمكن أن يصحح هذه الخطئية، نعم هي زيجة على سنة الله ورسوله، لكنها في عيون المجتمع جريمة، لأن الناس لا يعرفون الأسباب والدوافع والظروف، ولأنني تزوجت من وراء ظهر أسرتي. وبعد تفكير عميق وطويل وصل أبي إلى حل للخروج من هذا المأزق، اقترح أن أعود معه، ويخبر الجيران بأنني كنت عند إحدى قريباتي، ثم يأتي زوجي ليخطبني منه أمام الناس، وبعد فترة يتم الزواج مرة أخرى صوريا، ووجدت في الفكرة مخرجا عظيما، لكن زوجي كان يخشى ألا يعيدني أبي إليه، وبدأنا جميعا في تمثيل أدوارنا، فبعد أسبوع واحد جاء زوجي ليخطبني وتمت الخطوبة في حفل صغير حضره الأقارب، وبعد أيام قليلة ثم تحديد ليلة الزفاف، لم يتحمل زوجي أي شيء من النفقات، بل قام أبي بتجديد شقته بسرعة وأشترى لنا أثاثا جديدا وأقمنا حفل عرس دعونا له الأهل والجيران وانتقلت إلى بيت زوجي استكمالا للتمثيلية الهزلية. أما كبرى المفاجآت التي عرفتها بعد ذلك بقليل أن كل من حولنا كانوا يعرفون الحقيقة العارية بكل تفاصيلها ودقائقها، كأننا كنا نخدع انفسنا. وبدأت حياتي مع زوجي رغم رفض أسرتي المغلوبة على أمرها، وبدأت الحقائق المرة تتوالى، فهو شخص غريب ظاهرة بخلاف باطنه، شعره وكتاباته على عكس طبيعته، هذه نقرة وتلك نقرة أخرى عنده، استغل خطأي ومارس كل الضغوط على أبي ليلبي له كل مطالبه، وينفق علينا، منعني من حضور الندوات واللقاءات، بل ومن القراءة وتحول من أقصى اليمين الى أقصى اليسار، تحملت في البداية بدافع الحب، ثم بدافع الحفاظ على طفلتنا التي رزقنا بها مبكرا، وتلتها الطفلة الثانية مباشرة، فأصبحت مقيدة بسلاسل أقوى من الحديد، غير قادرة على الفكاك من أسره، أخاف على الصغيرتين الضياع والتشرد، وأواصل التضحية بنفسي من أجلهما حتى لا يحدث لهما ما حدث لي، وندمت حين لا ينفع الندم! ميزان العدالة القاتل النذل أحمد محمد (القاهرة) - لم تدم خطبتهما أكثر من ثلاثة أشهر، فقد خلبت لبه عندما رآها لأول مرة تزور شقيقها الذي يعمل معه واتخذ قراره بالارتباط بها، لكن كانت الصدمة قاسية عند عقد القران حين علم أنها ليست بكراً وأنه سبق لها الزواج وطالما أن الأمر لم يصل إلى الشرف والانحراف فلا يهم ولا يعيبها ذلك فليست كل مطلقة سيئة وإنما قد تكون طلقت لعيوب في طليقها. وهكذا بدا “كريم” يبحث لنفسه عن مبررات يمكن أن تجعله يستمر ويكمل هذه الزيجة وقبل أن يصل إلى قناعة كاملة جاءته الصدمة الثانية، عندما علم أنها تكبره بأكثر من خمس سنوات لكن قسمات وجهها وملامحها لا تبدو على حقيقتها فهي تخطت الخامسة والعشرين، بينما من ينظر إليها لا يمكن أن يقدر عمرها بأكثر من ثمانية عشر ربيعاً، جذابة إلى حد السحر وابتسامتها تذهب الحزن ولم تقع عيناه على مثلها من قبل وهاتان المفاجأتان لا تمثلان نقيصة فيها والعمر لا يقاس بالسنين والشهور وإنما العمر الحقيقي هو الذي يشهد أيام السعادة. في شقة مستأجرة تم الزفاف سريعاً بلا تعقيدات أو شروط أو ترتيبات فقد اكتفيا بالإيجاب والقبول وما تيسر من الإمكانات، والمهم أن يكونا معاً يكافحان من أجل حياة أفضل تتشابك أيديهما لقهر الصعاب مهما كانت، فالسعادة لم تكن أبداً في المال وقبل أن يمضي شهر العسل خرج العريس إلى العمل وفوجئت العروس بطرقات عالية متتالية على الباب، وعندما فتحت وجدت أربعة من الرجال الأشداء لا يخفى على الناظر إليهم أنهم من رجال الشرطة، ضربت صدرها بكفها واعتقدت في البداية أن زوجها أصابه مكروه وهدأت نسبياً عندما أخبروها بأن شيئاً من ذلك لم يحدث وأنهم جاءوا ليسألوا عنه، وعندما أرادت أن تعرف السبب طلبوا منها أن يذهب إليهم فور عودته وغادروا وتركوها تضرب أخماساً في أسداس ولم يغمض لا جفن ولم يهدأ لها بال، تسرح بخيالها وهي تعتقد أن ما يدور في رأسها هو الصحيح لكن ما تخيلته من الأحداث كان أكثر من أن يحصى، ولم تصل إلى السبب الحقيقي وراء هذه الزيارة حتى حضر وأخبرته بما حدث فلم يستغرب ما أخبرته به، فقد علم بكل تفاصيله من الجيران وسألته بلهفة عن السبب فأجابها بتنهيدة وزفرة وتأفف بأنه لا يعرف، وزاد من حيرتها أنه تركها وخرج من المنزل دون أن يخبرها عن وجهته أو تعرف إلى أين ذهب، فازدادت حيرتها وقلقها أكثر وهي تتوقع الأسوأ وتتمنى أن تخيب ظنونها. ساعات قليلة مضت ووجدت “حنان” سيارة نقل تقف أمام مسكنها ويهبط منها زوجها ويدلف داخل الشقة ويطلب منها لملمة أشيائهما للانتقال إلى مسكن آخر، لم يدع لها فرصة للتساؤل عن السبب وبدأ ومعه الحمالون ينقلون الأثاث والملابس التي وضعتها في عدة حقائب وخلال لحظات وجدت نفسها في منطقة جديدة وشقة أخرى، وقد ملأها الغيط من تحجر ملامحه وإهماله لتساؤلاتها المشروعة وعدم الرد بأي شكل، مما يؤكد أنها بلا قيمة في حياته ولا يقيم لها وزناً واستطاع أن يراوغ عدة أيام أخرى وهي مازالت في حيرتها حتى تكرر نفس الموقف السابق ووجدت من يطرق بابها يسأل عنه، هم الرجال أنفسهم لكن هذه المرأة تعاملوا معها بغلظة ووجه إليها أحدهم سؤاله قائلا: “أين زوجك الحرامي؟” وحذروها من استمراره في المراوغة والهروب ومن أنها ستتحمل المسؤولية إذا تسترت عليه وقد تكون شريكته في جرائمه. انتظرت عودته على أحر من الجمر لتعرف لماذا يريدونه في قسم الشرطة فأكد لها أنه مظلوم ولم يفعل شيئاً ويريدون أن يلفقوا له قضية، وإن كانت لم تصدقه، لكن ثورتها هدأت وكانت مثل البركان الذي يخفي الحمم بداخله ويبدو أنه خمد وقررت أن تبحث عن الحقيقة بنفسها حتى وصلت إليها، وتأكدت من أن زوجها سبق اتهامه في أربع قضايا سرقات وأنه من أرباب السوابق والسجون وسبق حبسه في قضايا أخرى، ورغم قسوة الحقيقة قررت ألا تتخلى عنه وأن تقوم بدورها كزوجة وهي تحمل في أحشائها منه جنيناً في أسابيعه الأولى، نصحته بالتوبة والإقلاع عن جرائمه وترك طريق الانحراف ووعدها بالمحاولة وبذل قصارى جهده من أجل الحياة الكريمة واللقمة الشريفة، غير أن الواقع كان على عكس ذلك واستمرت المطاردات لزوجها وفي كل مرة لا يعثرون عليه وتتعرض هي لهذه المواقف الصعبة والسخيفة فحملت حاجياتها القليلة وعادت إلى بيت أسرتها، وظلت هناك ما يقرب من الشهر إلى أن توجه لمصالحتها وإعادتها إلى بيت الزوجية، ولم تفعل إلا بعد أن قطع على نفسه الوعود والمواثيق والعهود بالالتزام وهي تردد: أفلح إن صدق. كان من المستحيل تعديل سلوك “كريم” وزادت مأساة “حنان” عندما علمت أيضاً أن زوجها مدمن المخدرات وأنه يرتكب جرائم السرقة للإنفاق على ملذاته ولم يغير مجيء ابنتهما إلى الدنيا شيئاً من سلوكه، حتى عندما وصل الأمر بينهما إلى الطلاق، لم يحرك ذلك عنده ساكناً بل عرفت الخلافات والمشاجرات طريقها إليهما من أوسع الأبواب، ولم يعد يمر يوم دون حصة من تبادل الاتهامات تلقي عليه باللوم في التدهور الذي تتعرض له حياتهما ويلقي عليها بالمسؤولية في عدم الاستقرار بالأسرة فلا هو استقام ولا هي استطاعت تحمل تصرفاته المخزية. هذه المرة لم تستطع تحمل المزيد وانفجرت وهددته بحسم وحزم بالطلاق، حتى تتربى الصغيرة بمال حلال وفي جو هادئ واستقرار وتستريح هي من هذه المنغصات، وثارت ثائرته وهو يتحدى ويتوعد ويرفض أن يتلقى منها المواعظ كل يوم فهو الرجل ولا يقبل نصائحها، وهو حر فيما يفعل وكأنها نزعت فتيل القنبلة وقد هاج وماج وحطم كل ما يقع تحت يده حتى أمسك بسكين المطبخ وذبحها مثل الشاة وسقطت على الأرض جثة هامدة في بركة من الدماء وطفلته الصغيرة تصرخ من هول ما ترى، فعرج نحوها وغرس السكين في قلبها لتلحق بأمها في اللحظة نفسها ويهرب، ثم يتصل بحماته ليبلغها بأنه تخلص من ابنتها فصرخت غير مصدقة وهرولت وقد أطلقت ساقيها للريح إلى أن وصلت ووجدتها في هذا المشهد المرعب. ثلاثة أيام اختفى فيها “كريم” هارباً متنقلاً بين الأماكن المختلفة إلى أن سقط أخيراً في أيدي رجال الشرطة ولم ينكر جريمته البشعة وإنما جلس ليعترف، لكنه استحضر نذالته وحاول أن يبرر فعلته بأن زوجته خائنة فقد كانت حاملاً عندما تزوجها وولدت بعد الشهر السابع من زواجهما، وأنه قام بتحليل الحامض النووي للمولودة وتأكد من أنها ليست ابنته وبعدما ساق كل هذه الادعاءات لم يقدم أي دليل على صحتها فتم حبسه وتقديمه لمحاكمة عاجلة وينتظر الحكم بالإعدام.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©