الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تصوير الناس قتلٌ مُحاك

تصوير الناس قتلٌ مُحاك
19 ابريل 2017 21:42
إعداد وتقديم ــ عبير زيتون «سوزان سونتاغ» (1933 - 2004) سيدة الأدب الأميركي، صاحبة الصوت المشاكس للأفكار السائدة، واحدة من أهم كبار الكتاب والمفكرين الأميركيين في أدب القرن العشرين. عرفت بالمثقفة الصارمة الذائعة الصيت في زيّ النجوم، فهي الروائية، وكاتبة المقال النقدي التي عملت أيضاً في الإخراج السينمائي، والمسرحي، والكاتبة الوحيدة في جيلها التي نالت جوائز أدبية كبرى (من بينها جائزة الكتاب الوطنية) كما عرفت «سونتاغ « التي حصلت على درجتي ماجستير من جامعة هارفرد في اللغة والفلسفة، أنها من أكثر الأدباء والمفكرين الأميركيين جرأة في الإعلان عن مواقفها السياسية، والفكرية المناهضة للسياسة الأميركية في حروبها في فيتنام، ثم العراق، والبوسنة، وفي مناصرتها حقوق الإنسان العالمية. رحلت صاحبة «الالتفات إلى ألم الآخرين» عن دنيانا عن عمر «71» عاماً في أحد مشافي «مانهاتن» بعد صراع طويل مع مرض السرطان، مخلفة وراءها مسيرة أدبية ونقدية صاخبة، امتدت على مدى أربعة قرون بينها «أربع روايات »، وعشرات المقالات النقدية، ومجلد قصص قصيرة، تُرجمت إلى أكثر من اثنتين وثلاثين لغة. قيل عن إنتاجها النقدي والفكري إنه شكّل تحولا جذرياً في تقاليد النقد في فترة ما بعد الحرب في أميركا، وأزال الحدود الفاصلة بين سطوة الثقافة العالية، والثقافة الجماهيرية، وألغى الفروقات الزائفة –حسب رأيها بين الفنون. هذه الشذريات مستمدة من كتابها النقدي «حول الفوتوغراف» ترجمة عباس المفرجي. دار المدى. كثيراً ما يقدمني الآخرون على أنني كاتبة مولعة بالكتب، ثم يقولون لي إنني مفكّرة. حتى لو عشت مائتي سنة أخرى سيقدمني الآخرون على هذا النحو. من أجل ذلك أمضيت جزءاً كبيراً من حواراتي العامة في معالجة أفكار الناس التي تدور حول ما أمثله أنا نفسي، بوصفي النقيض لما أتبناه أو ما يستحقه منجزي الثقافي. ولنعد الآن إلى مفردتي «المفكر»و«الذكي». ولي أن أتساءل هنا ماذا لو كنت رجلا، هل كان سينعتني الناس بالمفكّرة والعبقرية؟ شخصياً أقول: لا أعتقد أنهم كانوا سيفعلون ذلك. *** ما يستفزني اليوم هو ليس القول بعدم إمكانية وقف الزحف التكنولوجي، ما يرعبني هو أن «الرأسمالية» أصبحت هي التي لا يمكن وقفها اليوم وغداً. بل إنني لأصعق أمام ما يسمى اليوم باستحواذ الرأسمالية الشامل على كل شيء. حتى لنرى في حياتنا الآن أن قيم النظام المركنتلي (الروح التجارية) ودوافعها تغدو بديهية أمام الناس. *** حين ينتابنا الخوف نطلق الرصاص، وحين ينتابنا الحنين نطلق الصور. *** إنه زمن الحنين الآن، والصور الفوتوغرافية تحرضنا بعزم على الحنين. *** بدأ الاختراع عام 1839 ومنذ ذلك الحين صار كل شيء مصوراً فوتوغرافياً أو يبدو هكذا. هذا النَّهم المطلق للعين الفوتوغرافية يغَير من فترات الحبس في الكهف عالمنا بتعليمنا شفرة بصرية جديدة، وسَعت من مفاهيمنا عما هو جدير بالنظر وحول حقنا في المراقبة. إنها قواعد، وماهو أكثر أهمية، أخلاقيات الرؤية. *** الصور الفوتوغرافية ربما هي الأكثر غموضاً من كل الأشياء، التي تؤلف وتكثف البيئة التي نعرفها كبيئة عصرية، هي حقاً تجربة الاستيلاء، والكاميرا هي السلاح المثالي للوعي، وفي طبعه المحب للتملك. *** عندما نصور فإننا نستولي على الشيء المصور. وهذا يعني أننا نضع أنفسنا في علاقة معينة مع العالم تشبه المعرفة، وتشبه السلطة. *** حديثاً أصبح التصوير الفوتوغرافي واسعاً كممارسة ومتعة، كالرقص. الأمر الذي يعني أن التصوير الفوتوغرافي مثل أي شكل للفن الجماعي لم يمارس من قبل الناس كفن. فهو بالدرجة الأولى – طقس اجتماعي، وحصانة ضد القلق، وأداة للقوة. *** حين تَمنح الصور الفوتوغرافية الناس استحواذاً متخيلا لماض هو غير واقعي، فإنها أيضاً تساعدهم على الاستيلاء على مكان لا يعرفونه، ولا يشعرون فيه بالأمان. *** الناس المسلوبون من ماضيهم، يبدو أنهم يشكلون الأغلبية بين ملتقطي الصور المتحمسين في الوطن وخارجه. *** إن فعل التصوير هو أكثر من مراقبة سلبية، إنه طريقة تشجع أي شيء يحدث على الأقل ضمنياً، وعلى الأغلب صراحة على الاستمرار بالحدوث. *** تصوير الناس هو الاعتداء عليهم، هو أن نراهم كما لم يروا أنفسهم أبداً، أن نمتلك معرفة عنهم لايمكنهم أن يمتلكوها أبدا. إنه يُحول الناس إلى أشياء يمكن الاستحواذ عليها رمزياً. تماماً مثلما تحاكي الكاميرا البندقية. *** إن تصوير الناس هو قتل مُحاك. قتل مريح، ملائم لزمن حزين ومرعب. *** التصوير الفوتوغرافي هو فن رئائي، فن زمن الانحطاط، وأغلب المواضيع الفوتوغرافية هي على صلة بالرثاء. ****** التقاط صورة هو مساهمة في فناء شخص أو شيء آخر في سرعة تأثره، فقابليته للتحول، بالاختيار الدقيق لهذه اللحظة الجميلة، وتمجيدها فإن كل الصور تشهد على الذوبان الذي لا يلين بالزمن. *** بدأت الكاميرات بنسخ العالم في تلك اللحظة التي أخذ فيها المشهد البشري ينحط بدرجة مذهلة نحو التغيير. بينما عدد لا يحصى من أشكال الحياة البيولوجية والاجتماعية عرضة للتدمير في فترة وجيزة من الزمن. *** المعاناة شيء، والعيش مع صور المعاناة شيء آخر، التي لاتؤدي بالضرورة إلى نخز الضمير، والتحريض على التعاطف. بل يمكن أن تفسدهما أيضاً. ما أن يرى المرءُ مثل هذه الصور الكثيرة، يخدر، ويشل. *** صدمة الوحشية المصورة فوتوغرافياً، تزول تدريجياً بتكرار الرؤية، مثلما تزول تماماً المفاجأة والانشداه. البيان المصور الواسع للشقاء، والظلم والألم في كل أرجاء العالم، منح كل شخص ألفة معينة مع الوحشية جاعلا من الرهيب أمراً اعتيادياً، مألوفاً بعيداً.. العقل يقول إنها مجرد صور فقط. *** الصورة التي لا يمكن تفسير نفسها، هي اكتشاف لا ينضب للاستدلال، للتأمل، وللخيال. *** حدود المعرفة الفوتوغرافية للعالم، هي تلك التي يمكنها في النهاية، أثناء وخز الضمير، أن لاتكون أبداً معرفة أخلاقية أو سياسية.المعرفة التي تكتسب من خلال الصورة الفوتوغرافية الساكنة ستكون نوعاً من العاطفة المفرطة، سواء أكانت إنسانية أو ساخرة. إنها معرفة بأسعار المقايضة، ومظهراً خارجياً لمعرفة أو لحكمة. *** الحاجة إلى واقع مثبت، معزز بالتجربة من خلال الصور الفوتوغرافية هو استهلاكية جمالية. حولت المجتمعات الصناعية مواطنيها إلى مدمني صور، إنه من أكثر أشكال تدنيس العقل التي لاتقاوم اليوم. *** الكاميرا هي ترياق ومرض، وسيلة انتحال الواقع، ووسيلة لجعله عتيق الطراز. *** إن الأشخاص الوحيدين الذين يحق لهم النظر إلى صور المعاناة هم أولئك الذين في مقدورهم أن يقدموا شيئاً لتخفيف تلك المعاناة، أما البقية منا فمتلصصون، سواء قصدنا ذلك أم لم نقصد.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©