السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إيرينا بوكوفا: المتطرفون يمارسون التَّطهير الثقافيّ

إيرينا بوكوفا: المتطرفون يمارسون التَّطهير الثقافيّ
20 ابريل 2017 18:16
في الوقت الذي تتزايد فيه الهجمات على المواقع التاريخية وآثار الحضارات العريقة في منطقة الشرق الأوسط، تقود إيرينا بوكوفا، المديرة العامة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو)، الجهود الدولية لإيجاد إطار قانوني يحول دون التدمير الممنهج للتراث العالمي، فمؤخراً كانت في أبوظبي للمشاركة في «قمة القيادات الثقافية العالمية» التي عقدت للمرة الأولى لمناقشة الروابط التي تجمع العالم عبر الثقافة بعناصرها المتعددة. وفي حوار خاص مع «الاتحاد الثقافي» طرحت بوكوفا أهمية المبادرات الدولية في هذا الإطار، رغم التحديات الكبيرة، في ظل استمرار التدمير والتهريب والتجارة بآثار العالم، والتي يجب الاستمرار فيها مهما كانت الظروف لاستعادة الإنسانية هويتها وتاريخها. واعتبرت أن انعقاد المؤتمر الدولي للحفاظ على التراث الثقافي المهدد بالخطر، في أبوظبي في ديسمبر الماضي كان في مقدمة الجهود الدولية التي استجابت للتدمير الممنهج لآثار سوريا والعراق من قبل الجماعات الدينية التي سيطرت على المنطقة، فقد عُقدت القمة على مستوى عالٍ، وفي إطار مبادرة شراكة دولية دعا إليها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، والرئيس فرانسوا أولاند، رئيس الجمهورية الفرنسية، بهدف حماية التراث الثقافي في مناطق النزاع المسلح. كما طُرح موضوع حماية التراث العالمي على قمة السبعة الكبار لوزراء الثقافة التي تبنت قراراً مهماً في هذا الصدد، وهناك أيضاً قرار مجلس الأمن 2347 الذي تصفه «بالتاريخي»؛ إذ جاءت مبادرته من إيطاليا وفرنسا أعضاء مجلس الأمن وبدعم قوي من قبل دولة الإمارات العربية المتحدة، وقالت: «ليس من المصادفة أن تأتي هذه الأحداث الدولية نتيجة رعاية أو تعاون مشترك أو تشجيع من قبل اليونسكو، في وقت مصيري للحفاظ على الثقافة وحمايتها، لكني سأقول أيضاً إنه وقت عصيب للسلام والاستقرار والأمان للمنطقة والعالم، لأننا كنا ندعي لوقت طويل أنه لا يمكن أن يتحقق السلام والأمان من دون حماية التراث ووضع حد للتدمير الممنهج من قبل (داعش) لبعض أكثر المواقع جمالاً والمدرجة على قائمة التراث العالمي، أنا أتحدث عن مواقع عريقة مثل موقع نمرود وتدمر وأسواق حلب التي تعد من كنوز الثقافة الإسلامية، وقد أسميت ذلك تطهيراً ثقافياً، ودعوت مجلس الأمن لأخذ هذه القضايا بجدية، لأن تدمير التراث يعني تدمير الهويات، ومعها يدمر التاريخ المشترك، ولا يمكننا الموافقة على ذلك». إدارة الصراع وتحدثت بوكوفا عن تقديم العديد من الأفكار والرؤى الجديدة لإدارة الصراع مع (داعش) والذي أصبح يأخذ منحىً مختلفاً، وقالت: «نعمل على إنهاء الإطار القانوني لقرارات حماية التراث وقت الحرب، ولدينا بروتوكولات اليونسكو، وقرار لمنع تهريب الآثار والعديد من المبادرات التي وضعت على طاولة «القمة الثقافية العالمية». وفي باريس نظمت كل من الإمارات وفرنسا، مؤخراً، مؤتمراً للمانحين لإقامة صندوق جمع أكثر من 75 مليون دولار لحماية التراث العالمي. أعتقد سيأتي الوقت لنفكر في وسيلة تحقق لنا حلاً جذرياً في ما يتعلق بسرقة وتهريب التراث، لنضع حداً لهذه العمليات التي يتم من خلالها تمويل التطرف، فاليونسكو تعمل مع الإنتربول، ومنظمة الجمارك العالمية، ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، وقد كوَّنا منصة لتبادل المعلومات عن أفضل الممارسات للتدريب والقضاة والشرطة والضباط وسلطات الجمارك، ونعمل مع الخبراء للحد من التهريب، وهناك أكثر من 60 دولة قد تبنت مقاييس معتبرة، أعتقد أن هناك إرادة لخلق حركة عالمية لحماية التراث العالمي». الملاذات الآمنة وكان المؤتمر الدولي للحفاظ على التراث الثقافي المهدد بالخطر، قد طرح للمرة الأولى توفير ملاذات آمنة للتراث في مناطق النزاع، وأوضحت بوكوفا أنه مبدأ جديد ولم يتم تقنينه بعد على المستوى العالمي، فلا توجد أداة قانونية مقبولة على المستوى العالمي لإنشاء ملاذ آمن، واليونسكو تقوم حالياً بتكوين أماكن آمنة داخل البلدان التي تدور فيها صراعات وليس خارجها، وهذا ما حدث في مالي حينما دمرت المواقع التاريخية في تمبكتو، بما فيها الأضرحة والمساجد التي كانت تحتوي آلاف المخطوطات والكتب التاريخية، فبالتعاون مع المجتمع المحلي تم طمر المخطوطات في كهوف تحت الأرض أو تهريبها إلى مواقع آمنة داخل البلاد، ثم جرت استعادتها بعد انتهاء الصراع. والأمر ذاته تم تطبيقه في كل من العراق وسوريا وليبيا. وفي العراق أطلق مشروع ضخم لبناء القدرات لوضع المقاييس وقت الصراعات، بالتعاون مع اليابان، وقدمت فيه آليات لتهيئة المتاحف لحالات اندلاع الصراعات، وكيفية تصرف العاملون في المتاحف والخبراء لحماية الآثار، كيفية بناء خطة طوارئ مناسبة. وأشارت إلى دول مثل سويسرا وفرنسا ، التي تضم أكثر المتاحف عراقة في العالم، وبسبب الظروف غير المستقرة للحرب والصراعات يمكن أن تقوم بإيواء التراث العالمي حتى ينتهي الصراع، غير أن الخبراء القانونيين لازالوا يناقشون الأطر التي ستحدد هذا الأمر، وقالت: «بطبيعة الحال هناك العديد من التساؤلات التي لم نجد لها إجابة، فعند وجود صراعات أهلية في بلد ما كان من الأسهل التفكير في نقل التراث خارج البلد، لكن هناك أسئلة حول سبل الحفاظ على سلامتها، والضمانات لإعادتها». استعادة التراث وعن المخاوف من ضياع التراث العالمي وقت نقله إلى الخارج، أوضحت بوكوفا: «هناك أمران مختلفان؛ من جهة هناك التراث المهدد بالخطر وقت الصراعات، وفي الجهة الأخري هناك القطع الأثرية التي تم تهريبها أو الاتجار بها بشكل غير مشروع، وهو أمر نعمل عليه بقوة من خلال المنصة الدولية التي كوَّناها، ونحن في اليونسكو، بعيداً عن الصراعات، لدينا قرار بهذا الخصوص (قرار رقم 1917) والذي أصبح أكثر قوة في السنوات الأخيرة، ولدينا لجنة للمراقبة وآلية لرفع التقارير من قبل الدول الأعضاء، وبذلنا جهوداً إضافية لضم المزيد من الدول، إذ يضم القرار حالياً أكثر من 40 دولة، وعندما انضممت إلى اليونسكو في 2015 كانت 19 دولة قد أجمعت على القرار، فقد حققنا دفعة كبيرة بذلك لنكون أداة قانونية دولية، وتأسيساً على هذا القرار استعيد الكثير من القطع من متاحف كبرى. وأتذكر في 2013 عندما كانت لجنة التراث العالمي مجتمعة في كمبوديا، أعاد متحف المتروبوليتان تمثالين إلى كمبوديا عندما تأكد أنهما قد أزيلا من قاعدتهما، وهناك استعادات أخرى تتم بعد عمليات المتاجرة غير المشروعة، وأعتقد أنه بتأثير القانون الذي وضعناه، والذي يتطلب الكثير من الإرادة بما فيها الإرادة السياسية لفرضه، وبعيداً عن الأداة القانونية فإننا نقدم الحجج الأخلاقية لمكافحة عمليات التهريب والمتاجرة بالتراث». قوة الثقافة أما عن التأثيرات التي يمكن للثقافة أن تتركها على الواقع الإنساني، فتعتقد بوكوفا أنها قوة محركة برغم كل التحديات، واستذكرت السلسلة البشرية التي تكونت حول المتحف المصري في القاهرة، حيث تجمع الناس ليمنعوا نهب المتحف وقت اندلاع المواجهات في ميدان التحرير، وقالت: «كان تصرفاً قوياً من الأفراد، والأمر ذاته تكرر في مالي التي تأثرت بالتطرف، فقد أعاد المجتمع المحلي بناء النصب التاريخية المدمرة في تمبكتو بحماس تحت إشراف اليونسكو، وقد زرتها مرتين مع الرئيس الفرنسي ورأيت الدمار أول مرة، ورأيت السكان المحليين كيف كانوا منهارين لتدمير آثارهم بما فيها المساجد، وفي المرة الثانية رأيت كم كانوا سعداء بإعادة أعمارها، فهي جزء من حياتهم وتاريخ أجدادهم وهويتهم، فكانوا لا يرون مستقبلهم من دون هذه الآثار، إذن الثقافة تحقق أهدافاً فهي قوة مؤثرة، لكن في وقت الصراع من الصعب أن نرى تأثير هذه القوة». وذكرت أيضاً أن أول مطالب الأهالي في العراق بعد انتهاء الاحتلال كان المساعدة في حفظ وترميم التراث والمواقع الأثرية المدمرة في نينوى والموصل وبغداد وغيرها، وقالت: «منذ عامين ذهبت إلى جامعة في بغداد لإطلاق حملة للتراث بين الطلبة العراقيين، فكانوا يحتاجون المساعدة لإعادة بث الأمل فيهم، وتحديداً عبر التراث والثقافة التي يحترمون، فهي التي تعطيهم الأمل في المستقبل، ومن دونه لا قيمة لشيء». وأضافت: «يعرف المتطرفون ماذا تعني الثقافة لذلك يستهدفونها، وإلا لما دمروها. كان يمكنهم الاكتفاء بالتهريب والتجارة بالتراث للحصول على الأموال، لكنهم يعرفون جيداً أن الثقافة تؤثر وتعني أمراً كبيراً للأهالي والمجتمعات المحلية ولنا جميعاً، لذلك يجرحون الحس الإنساني المشترك ليقولوا لنا أنتم لا شيء.. ليس لديكم تاريخ، وليس لديكم ما تفخرون به.. لا يمكننا أن نسمح بحدوث ذلك ولا يمكننا أن نقلل من جهود الحفاظ على تراث العالم.. نعم إني متفائلة». من هي بوكوفا؟ تعد إيرينا بوكوفا (مواليد مواليد 1952 في بلغاريا) أول امرأة تشغل منصب مدير عام «يونسكو»، فقد شغلت هذا الموقع منذ 2009 وأعيد انتخابها في 2013، وهي تتحدث الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والروسية، بالإضافة إلى لغتها الأم. تخرجت في معهد العلاقات الدولية في موسكو، ثم حصلت على منحة للدراسة في جامعة ميريلاند (واشنطن) والتحقت ببرنامج الإدارة العامة في كلية جون ف. كنيدي للدراسات الحكومية (جامعة هارفارد). استهلت سيرتها المهنية في الدائرة المعنية بالعلاقات مع الأمم المتحدة في وزارة الشؤون الخارجية البلغارية. أُسندت إليها مسؤولية الشؤون السياسية والقانونية في البعثة الدائمة لبلغاريا لدى الأمم المتحدة في نيويورك، وكانت من أعضاء الوفد البلغاري الذي شارك في مؤتمرات الأمم المتحدة المعنية بالمرأة التي عُقدت في كوبنهاغن ونيروبي وبيجين. وانتُخبت عضواً في البرلمان البلغاري لولايتين وكانت أول وزيرة دولة للتكامل الأوروبي. عملت وزيرة للشؤون الخارجية، وسفيرة لبلغاريا في فرنسا وموناكو ولدى «اليونسكو»، وممثلة شخصية لرئيس جمهورية بلغاريا في «المنظمة الدولية للفرنكوفونية». وتشغل السيدة إيرينا بوكوفا منصب نائبة لرئيس لجنة النطاق العريض المعنية بالتنمية الرقمية ورئيسة لجنة الأمم المتحدة الإدارية الرفيعة المستوى، وتولّت منصب الأمينة التنفيذية للّجنة التوجيهية لمبادرة الأمين العام للأمم المتحدة العالمية بشأن «التعليم أولاً» (2015 - 2011). وأُدرجت في قائمة «فوربس» للنساء الأكثر تأثيراً في العالم لعام 2016. نقلاً عن الموقع الرسمي لـ«اليونسكو»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©