الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أشواق

أشواق
6 مارس 2013 20:12
سما النور من النافذة التي تطل على الشارع، اقتربتُ قليلا من الحلم الذي أخذ يهزني برفق شفيف، ورحت أتابع حلمي من منصة الأحلام، تراجعت يداي ببطء إلى الخلف لأبحث عن مدى جديد، كانت الشوارع تحلم بباقات الورود، تنهد الصبح بحذر ورحت أغوص قي أعماق الماضي، العصافير لاتعرف الهدوء، أسمع زقزقتها دون توقف تنقل رسالة الحياة بصبر وسعادة نادرتين، ويقف دولاب الحياة فجأة عندما تأخذ الحلم الجميل لحظة الفراق يخرج فيها الحلم طالعا من الزحام ليرتقي عند سلم الحياة. عيناه تدوران دون توقف يبحث في كل اتجاه تارة يتصبب عرقا وتارة أخرى يجد نفسه حبيس غرفته اللعينة، لايكاد ينام فنومه يقظة جديدة تتوافد فيها الأمكنة، وتتداعى الأزمنة ليتحول الزمن الآخر فتختلط عوالم مدهشة تتدلى فيها عناقيد الرغبة والحب والغضب دفعة واحدة. دخل الحارث إلى غرفة نومه دخل إلى مملكته البديعة، لف شاله على عينيه، لأنه يريد أن يرحل بعيدا كانت الشوارع تضيق أمام عينيه وتتغير الأمكنة بلمح البصر، لكنه مازال يقترب من شاطئ البحر، كانت زوارق الصيد تصطف على طول الميناء، ويتأهب الصيادون لركوب البحر، أخذ يحملق في وجوه المارة لعله يجد ضالته شعر بأن هذه الوجوه كلها مرت عليه يوماً ما وفي زمان ما، تغير لونه وشعر بالخوف والقلق، وفجأة أخذ يحاصره صوت غريب ينادي باسمه، ويتردد صداه في أرجاء الميناء أخذ الصوت يقترب شيئا فشيئا، وأخذت ملامحه تزداد وضوحا. يا للهول.. إنه صوت أخي ماجد، ماجد هنا في هذا المكان ما الذي جاء به إلى هنا؟! ارتسمت على محيا الحارث علامات الدهشة والاستغراب فكيف له أن يصدق ما يحصل حوله. لقد كان ماجد والحارث يعيشان في قرية تجاور أحد الأنهار عندما جاء الغرباء إلى القرية كان أحد المحاربين الشجعان تذكر حينها الحارث سيف أخيه وخوذة الحديد، وتذكر لحظة خروج أخيه مع الفرسان إلى الجهة الشمالية ليصدوا هجوم الغزاة الغرباء، لقد صار مع أصحابه رمزا للشجاعة والفروسية. لقد بذلوا أرواحهم لتبقى البسمة تطلع مع كل صباح لتكسو الوجوه البريئة، ومنذ تلك الأيام وهو غائب عن عينيه، ولكنه كان يلتقي به أحيانا في أزمنة وأمكنة من نوع مدهش، ولم يعرف تفسيرا لذلك. في هذه الأثناء امتثل ماجد بين يدي أخيه، وهو يقول: إلى أين أنت ذاهب؟ ماذا تفعل هنا؟ هل نسيت الوصية. أسئلة كثيرة تنزل علي وكأنها أمطار تغسل وجهي، حاولت أن أرى ملامحه، أخذت أناديه ولكن عبثا أحاول، من أين جاء هذا الضباب العجيب وسرعان ما اختفى. أنواع مخيفة من البرق وأصوات غريبة تخترق عوالم عدة، وكأن الزمان يعود من الماضي الغابر ليرتقي إلى الحاضر، كانت رسالة الاستمرار في نهج الحب والحياة أكثر جمالا وأعمق لحن للخلود عُزف لحنه بأيد سحرية تمتد عبر الأزمنة تتواصل مع بعضها بخيط يربطها إلى الأبد. يا للهول ماذا حدث؟ كل شيء عاد إلى وضعه، بل قدوم أخي وقد حل للحظات سريعة بجواري وقف أمامي سمعت صوته، ولكنني لم أستطع أن أضمه إلى صدري ولم أشم ريحه، وعندما فارقني وكأن شيئا عظيما قد حدث هزّ أرجاء الكون أصوات بعيدة قوية لإقرار لها وأضواء عجيبة تخطف الأبصار، ولكنه مر من أمامي بسرعة البرق واختفى عبر الأصوات والأضواء. مازلت أذكر غيابه في المرة الأولى، عندما خرج مع مجموعة من الفرسان، ولكنه لم يعد حينها طلب مني أن أبقى قرب أمي لأنها بحاجتي، همس بأذني كلمات مازال يتردد صداها متجددا في أطراف الكون. الأمطار تغسل الوجوه على امتداد الشاطئ، وكأنها تودع أمراً جميلاً وهي ترزح تحت وطأة الأنوار الخافتة لترسم لوحة حزينة ترتمي في حد اللقاء وحد الفراق، أصوات همهمات لرجال لا يبدو منهم أحد وكأنهم يتوجهون إلى قواربهم التي ربطوها على طول الميناء، وكأن ساعة بدء الرحيل باتجاه مناطق الصيد قد حانت، اقتربت الجلبة أكثر فأكثر حينها أخذت عينا الحارث تدوران في كل اتجاه وكأنه يبحث عن شيء فقده إلى أين الرحيل؟ سأل نفسه بحيرة وقلق: أين أنا؟ ماذا جاء بي إلى هنا؟.. لحظات مرت وكأنها دهر مليء بالأنواء والمعجزات. فها أنا أطوّف بحارا كثيرة منذ فارقت القرية كم التقيت من المخلوقات العجيبة في أعماق بحر الظلمات وكم تعرضت لمخاطر الموت والهلاك؟ كيف استطعت التخلص من الحوت الأبيض؟ ما زالت صورة فمه تشخص أمام بصري وكأنها تحدث للتو، حينها غرف بفمه أطنانا من المخلوقات التي تكدست دون توقف في بطن لإقرار لها، مازال يسمع أناشيد الصيادين تقترب من المكان، ولكنه غط في حلم جميل يريد أن يعود إلى موطنه الأصلي. أخذ يخترق صفوف الأسماك المتنوعة التي أخذت تتموج، وهي تبحث عن رزقها. يالها من سعادة نادرة أن تطأ أرض وطنك، ولو كنت في شبكة صياد ما هذا العالم الغريب الذي أغط فيه من دهري الأول وكيف أوقظني حنين دفين لأنتقل إلى عالم كنت أتمناه منذ الأزل إلى عالم غادرته مرغما ومازال في حنين دفين يدفعني لأعود إلى موطني إلى إنسانيتي التي فارقتني ربما لأنني وقعت في الخطيئة، إنها رحلة عجيبة وأحداثها نادرة تمددت سمكة من نوع غريب بين الأسماك، وكأنها تهم ببعض الكلام غير المفهوم، وكأنها تنتفض من حلم قديم. نادى مصطفى الصيادين ليشاهدوا هذه الظاهرة الغريبة السمكة تتحرك بشكل هستيري، وعندما يضع مصطفى يده عليها تهدأ وتسكن وكأنها تغط بعالم من الأحلام، لقد أنست السمكة بأهل الشاطئ، وكأنها تلتقي بأبناء جلدتها من جديد، أخذت الحيرة أهل الشاطئ، بعد أن تجمعوا حول هذا المخلوق النادر، وقرروا إعادتها إلى الماء لكنها لم تبتعد عن الشاطئ، مازالت تظهر مع بعض أقرانها وهي تتراقص قرب الشاطئ تتلوى كحوريات رائعة الجمال، وتمتزج أصواتها، وكأنها تؤلف سمفونية جديدة كل حين لتدخل الفرح إلى قلوب أطفال القرية. * العين
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©