السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لماذا نتعلم جدول الزفت ؟!

لماذا نتعلم جدول الزفت ؟!
24 مايو 2008 23:57
ahmedamiri47@yahoo.com كنت أكثر إنسان في العالم يجادل بغير علم في مسألة تدريس الحابل والنابل في المدارس، فبعد أن حزمت أمري في الإعدادية على اختيار الفرع الأدبي في الثانوية، رحت أجادل أشقائي الكبار، وهم من جماعة العلمي، وأقول لهم: أقنعوني، لم عليّ حفظ جدول الضرب وأنا ابن الأدبي؟ كانوا يقولون، بعد أن يسخروا من الأدبي لأنه في نظرهم مخصص للـ''صيّع'' والفاشلين، بأن كل كلمة تدرسها ستحتاج إليها عندما تصير بغلاً يشار إليك بالبنان، فالذين وضعوا المناهج راعوا أن يتخرج الطالب من المدرسة وهو ملم بشيء من كل العلوم· فأقول: والله العظيم لن أحتاج إلى جدول الضرب، سأحمل في جيبي آلة حاسبة دائماً· وهذا الكلام فيه نبوءة، فالهواتف المحمولة، التي لم تكن متداولة بعد، تؤدي دور الآلة الحاسبة الآن· وبعد هذا الجدل كانوا يكفون عن مناقشتي لأنهم ربما لاحظوا أنني أحمق· وكنت كذلك فعلاً، فتعمدت ألا أحفظ جدول الضرب، وإلى إغلاق أذني في أي حصة محسوبة على العلمي· بعد التخرج من المدرسة ودخول معترك الحياة، كما يقولون، صرت أتذكر كلام أشقائي الفلاسفة· ففي محطة البترول، أعبئ بنزين بقيمة 108 دراهم، فأتفلسف وأعطي الرجل 500 درهم ثم 5 دراهم ورقية و3 دراهم معدنية، فيعيد لي 400 درهم، لكنني فجأة أنسى كيف يتم حساب هذه المسألة وأظل مرتاباً في الأمر إلى أن أخرج من المحطة وأوقف السيارة وأحسب الباقي مثل الأطفال· ويحدث مثل هذا في المطاعم والمقاهي، آخذ الحساب وقبل أن أحاول عدّ النقود ورقة تلو الأخرى، أرى وجوه الحِسان، فأستحي من عدّ النقود، وأضع المبلغ بشكل طولي في محفظتي حتى لا يضيع دمها بين قبائل المبالغ الأخرى، وأخرج من المحل أحسب الأوراق مثل الشحاذين· وحين يفتح أحد الطغاة من أصدقائي مسألة إيجارية أو بيع أو أي شيء ثم يذكر ''شوية'' أرقام، فإنهم يواصلون الحديث ويصلون إلى نهايته وأنا لا أزال أفكر في مخي وأجمع وأطرح لأستوعب معنى الأرقام التي ذكرها· وبالطبع لا يمكن أن تسأل عن كل شيء مثل الحمقى والمغفلين· ويصاب مخي ببطء شديد في السفر، لأن العملة متغيرة، فلا أتهور بشراء شيء إلا بعد التخطيط السليم في الأرقام وفرق العملات وتحويلها، لأعرف من أنا وكم علي دفعه لشراء هذه أو تلك· وأدري أن البائعين يلاحظون الطيور التي تقف على رأسي، ويقولون في أنفسهم: يا له من سائح غبي· ولا تقتصر ''البهدلة'' الفكرية على جدول ''الزفت''، فأي حديث يعتمد فيه الناس على مصطلحات معروفة المعنى، فإنهم لا يبدؤون في شرح معنى المصطلح، لأن المعنى يفترض أنه معروف بالتراكم المعلوماتي، فمثلاً إذا تكلموا في الأشجار، فإنهم لا يشرحون معنى المتاع، بل يقولون ''المتاع'' ويواصلون الكلام، فإذا كان بين الحضور واحد مثلي كان يلعب في حصة العلوم أثناء شرح المعلم معنى المتاع، ويتعمد عدم التركيز لأنه من ''جماعة'' الأدبي، فسيكون حاله مثل الحصان المتوحش في إسطبل الخيول، كل الخيول تتمرن وتقفز وهو مثل البغل يضرب رأسه في السياج· وكما خلق الله واحداً مثلي، فإنه لا بد خلق آلاف مثلي يجلس الكثير منهم الآن على مقاعد المدرسة يقولون ويتفلسفون ويجادلون بغير علم: لم علينا تعلم هذا وذاك؟ أقول لهؤلاء: تعلموا كل شيء وإلا صرتم مثل عمكم الذي يعض أصابع قدميه ويأكل نعاله ندماً·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©