الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الميلودراما فن البكاء بعين والضحك بأخرى

24 مايو 2008 23:57
كمدخلٍ نحو فنٍ رفيع المستوى نراه كثيراً في السينما والتلفزيون والمسرح ونقرأه في الروايات والأشعار، أقدم الميلودراما لقارئي اليوم بتعريفٍ صغته من خلاصة من كتبوا في هذا الفن العظيم في الأدب والسينما والمسرح والتشكيل والموسيقى، وهو أن الميلودراما تعني: ''فن تقديم الحزن بيد والضحك بيد أخرى، من خلال مفارقات مقبولة على الرغم من استحالتها!''· ركبت الكلمة الإغريقية ''ميلودراما'' من كلمتين، الأولى ''ميلو'' MELOS وتعني نغم أو أغنية، والثانية ''دراما'' Drama وتعني الفعل المعاش الواقعي· وبدأ استخدام هذا المصطلح في بداية القرن التاسع عشر عندما أصبح النقاد يتلقون نوعاً مسرحياً جديداً يتمتع بحبكة رومانسية وحوادث على خلفية الأغاني والموسيقى الأوركسترالية· من هنا ظهر هذا المصطلح (الدراما الموسيقية) والتي تستخدم فيها الموسيقى إما لتزيد من حدة رد الفعل العاطفي عند المتلقي أو تستخدم لاقتراح وتقديم الشخصيات، ومع مرور الوقت اكتسب المعنى شمولية أوسع، فأصبحت تعني التعبير عن طريق الزخم العاطفي وإشباع المادة أيا كانت (رواية، مسرحية، فن تشكيلي، موسيقى) بالتعبيرات العاطفية والشعورية والمتخيلة· لقد شكلت الميلودراما مع التراجيديا أهم الوسائل في إيصال كل ما هو أسطوري وغامض وخيالي وعصي عن البساطة إلى المتلقي، منذ بداية تميز العالم الجمالي في القرن التاسع عشر، وذلك عبر شحن مشاهد المسرحيات أو فصول الروايات أو حتى شخوص الرسومات بكم هائل من العواطف والأحاسيس الشعورية المتحررة من المنطق والواقع، وترك فسحة كبيرة له - المتلقي - في أن يرسم حدود تلقيه حسب أدواته المعرفية· ويرتبط ظهور الميلودراما بالمذهب الرومانسي، كونها بشكلٍ أو بآخر انتصاراً للمذهب الأخلاقي وتحقيق العدالة الإنسانية؛ وإذ يتولى المذهب الرومانسي إطلاق خيال وحرية الفرد وتحريره من الأعراف والقيود الاجتماعية والأحكام السياسية الظالمة· فإن الميلودراما أحد أهم أداوته الحسية الشعورية وركائزه الأساسية في إيصال أفكاره ومعتقداته· ولا يعني اشتقاق مصطلحها من الدراما أن يعني مصطلح الميلودراما بالضرورة التوازن والمعقولية في تتالي الأحداث وترتيبها· فهي تغير من العقلية المنطقية القائمة على الأسباب والمسببات، وتعتمد على التداعي الخيالي في الكثير من ترتيبها، فمحرك الميلودراما الأساسي هو الصدفة التي لا قانون لها، وهذا جزء من تركيبة الخيال وترك المشاركة للمتلقي· والصدفة التي قد تبدو جزافاً يقبلها المتلقي نتيجة قيامها على تراكمات حدثية أدت إلى مثل هذه المصادفة ويصدقها بشكل سلس وانسيابي، بعد كم من الأحداث الممزوجة بقدر كبير من العمق النفسي والمليئة بالانعطافات المنطقية خاصةً فيما يتعلق بميلودراما السينما· وتتسم ميلودراما السينما كونها تعتمد على تكثيف الصور العاطفية وإشباع المَشاهد بالأحاسيس الشعـورية ومداعبـة المشاعر عبر طرح قضايا كونية كبيرة لا شك فيها ولكن تقدمها بأسلوب متوهج ولا يخلو من المفارقة· يقول المخرج الفرنسي الشهير جورج فرانجو: ''في الواقع، لا أستطيع تخيّل الميلودراما بدون وجود الدعابة·· بدونها ستكون مفرطة· إنك لا تحقق كمية هائلة من الضحك مثلما تحققها حين تكتب سيناريو فيلم مرعب، ليس لأنك تتعمد أو تحاول إثارة الضحك، و إنما لأن حالة اللا تناغم أو اللا تناسب وحدها تكفي لأن تدغدغك· لقد حدث لي ذلك أثناء كتابة ''عينان بلا وجه'': مشهد الطبيب القذر حينما تفترسه كلابه·· إنه نوع من الانتقام''· وتعد الميلودراما أحد أهم الأصناف السينمائية وأصعبها إخراجاً وتنفيذاً، إذ يفترض فيها خلق مفارقة مقبولة ومقنعة لعقولنا من واقع عادي، وتقديمها بشكلٍ يبتعد عن الابتذال الممقوت والمبالغة التي تُخلُّ بالبناء الأساسي للقصة، كما أنها بناء فني واضح المعالم شخوصه واضحة وغير ضبابية فشرير العمل الميلودرامي هو شرير على طول الخط، والبطل لا يتنازل عن مبادئه مطلقاً، ولو بدت هذه الشخصيات أنها تنتقل من حالٍ إلى حال بسرعة غريبة، ولكن في السطح كالانتقال من الضحك إلى البكاء أو من الحزن للسعادة، أما خطوط الشخصية في العمق فأصيلة وثابتة، ومن هنا يصعب خلق المفارقة· أستطيع القول إن الميلودراما هي من أخطر الخطوط التي تقدم في السينما، وأشبهها بقصيدة النثر التي تبدو هراءً ما لم تكن تستند إلى شاعرية عميقة تضرب جذورها بشكلٍ لا يقبل اللبس، حيث انها تستند على تقديم المشاعر بشكلٍ صارخ، وتقدمها بحب حتى وإن كانت مشاعر متدنية كمشاعر الكره والشر· لقد فسرت الميلودراما الكثير من المشاعر المتناقضة التي نحملها، والكثير من المفارقات التي لا تحدث مثل لقاءات الصدفة والنهايات السعيدة لمقدماتٍ غاية في البؤس والتعاسة· إن فيلماً مثل ''ذهب مع الريح'' لهو نموذج صارخ لانتصار هذا الفن وانتصار الجمهور له، تلك الرواية المدهشة التي تقوم على الغرائبية والتي شكلت للسينمائيين مفترق طرق وقف عليه تاريخ سينمائي حافل بالنجاحات في ما بعد على الرغم من استحالة تحويل هذه الأعمال الروائية إلى سينما حقيقية يتقبلها الجمهور· اختتم بجملة رائعة تعينني على تفسير هذا الشغف والحب للميلودراما قالها فرانجو: ''حين يحدث شيء ما في الحياة الواقعية، نسميه دراما· عندما نقدم هذا الحدث على خشبة المسرح، فإنه عندئذ يسمى ميلودراما· خذ شخصا يفقد دراجته الهوائية·· أو خذ فتاة هي أم غير متزوجة هجرها حبيبها· إنها في الشارع متشردة· تصبح مومساً· تبحث عن عمل لكنها لا تجد· ربما تتعرّض لحادث ولا يعود بمقدورها ممارسة مهنتها· ربما تنتحر· كل هذا يعتبر دراما· عندما يحوّل إلى عرض مسرحي، يصبح ميلودراما''· haninadeem@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©