الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تراجع «القراءة»..جهل في «زمن العلم»

تراجع «القراءة»..جهل في «زمن العلم»
5 مارس 2015 21:52
أشرف جمعة (أبوظبي) تشكل القراءة في حياة الأمم وعاء معرفياً، ونافذة للاطلاع على الثقافات والتجارب البشرية، وعلى الرغم من الأهمية التي تنطوي عليها، إلا أنها تسجل تراجعاً ملحوظاً، وإذا كانت الأسباب التي تدعو إلى عدم الانغمار في بحر المطالعة كثيرة في مجتمعنا اليوم، فإن اللوم دائماً يقع على تقصير الإنسان في بناء عقله. حول أهم أسباب تراجع القراءة وغياب الصورة المعهودة للمطالعة في أذهان الناس، يقول أستاذ الأدب والنقد الحديث في جامعة الإمارات الدكتور أحمد الزعبي: «نعيش أمية ثقافية في عصر العلم، وهو ما أثر في تكوين الفرد المعرفي، فأضحت الضحالة الفكرية وعدم القدرة على التعبير بمستويات واضحة سمة في الكثير من أفراد المجتمع»، مؤكداً أن الابتعاد عن القراءة يحول الفرد من الفعالية المنتجة في المجتمع إلى شخصية انطباعية غير قادرة على الإقناع. ويشير إلى أن الاندفاع نحو التكنولوجية أثر على المزاج العام، وأفقد المرء النهم لمطالعة رواية أو كتاب يتطرق إلى جانب معرفي ما، كما أن السيل الجارف للقنوات الفضائية بما تقدم من مسليات ولد جهلاً نسبياً ابتعد بالمشاهد عن دائرة تنمية العقل بالاطلاع. عادات متغيرة ويذكر الناقد الأدبي معن الطائي، دكتوراه في الدراسات الثقافية والأدب المقارن، أن العزوف عن القراءة يعود إلى تراجع الوعي بأهميتها في تشكيل العقل وتمنية طرائق الفرد في التعبير عن نفسه ونظرته للآخر. ويقول «الابتعاد عن التزود المعرفي عن طريق المطالعة، لا يرتبط بالتطور العلمي وما وصل إليه الإنسان من تقدم في العلوم التكنولوجية، لكنه مرتبط بشكل أصيل بتغير العادات الراسخة التي شكلت عقلية الجيل الذهبي من المبدعين على مستويين، الأول في الصفوة الذين أنتجوا أدباً قيماً، والثاني يتعلق بالقرّاء الذين امتازوا بنهمهم الدائم للمطالعة»، لافتاً إلى أن هناك إهمالاً كبيراً من قبل المجتمع بكل مكوناته لهذا الدافع في تشكيل المعرفة، بالإضافة إلى التعلق بوهم يتمثل في أن اللغة العربية صعبة في تكوينها الفني، وأنها أصبحت حكراً على المتخصصين. ظاهرة غريبة ينظر رئيس قسم التربية بكلية الآداب والعلوم بجامعة الحصن الدكتور محمد سعيد حسب النبي إلى طبيعة الجيل الحالي ويرى أنه أثقل نفسه بالاهتمام المبالغ فيه بمقتضيات العصر، وابتعد عن الجوهر الحقيقي للاستمتاع الروحي والمصدر المعرفي المتعلق بالقراءة. ويلفت إلى أن كل ذلك أفرز ظاهرة غريبة تمثلت في أن عديداً من الناس ينظر إلى الجلوس إلى كتاب، ومن ثم الاستغراق في تأمل معانيه وأفكاره شكل من أشكال التقليد، وأن العصر أسرع بكثير من أن يقضي المرء وقتاً في تصفح كتاب، مشيراً إلى أن السؤال الذي يطرح دائماً نفسه خصوصاً بين الشباب لماذا نقرأ. ولمن؟ مؤكداً أن الجواب عن هذا السؤال صعب على هذه الفئة وهو ما يدعوها في نهاية الأمر إلى تجاهل المطالعة برمتها. ويرى حسب النبي أن ما يغيب عن أذهان الكثير من الناس أن القراءة من أنجع الوسائل لنقل الفكر من شخص إلى آخر ومن ثم تشكيل الشخصية الفردية، والوعي بالثقافة العامة والتطور بوجه عام، بالإضافة إلى أن قضية العزوف عن الاطلاع تحتاج إلى مناقشتها بشكل علمي من أجل الوصول إلى حلول تفضي إلى نتائج تسهم في تحفيز أفراد المجتمع للعودة إليها. تشتت الفكر ويرجع أستاذ الدراسات اللغوية بجامعة الحصن أبوظبي الدكتور باسم بديرات تجاهل الأسرة للمطالعة إلى البحث الدؤوب عن سبل أسرع لاقتناص المعلومة، ما أفقد الفرد خاصية التعمق في المعرفة التي أضحت ضحلة وهامشية ولا تمثل هدفاً رئيساً في الحياة، مبيناً أن الكثير من الخريجين يبحثون عن المناطق التي تعزز فرصهم في الحصول على وظيفة، وهو ما أسقط القراءة الحرة من سجل اهتمامهم، مشيراً إلى أن افتقاد أهم عناصر المجتمع للمعرفة العامة، ينذر بتشتت الفكر والاتكاء على جيل حدد أهدافه بعيداً عن المعرفة الشاملة، ويرى أنه من المهم أن نعود إلى زمن القراءة، ومن ثم إلزام الطلاب في جميع مراحلهم التعلمية بالمطالعة حتى نغريهم بالمعرفة والتزود بالثقافات المختلفة. دور مجتمعي يقول رئيس جماعة الأدب باتحاد كتاب وأدباء والإمارات سالم أبو جمهور القراءة وسيلة مهمة تمنح العقل نموه واكتماله وحضوره، وتتيح للمرء الفرصة في أن يقلب الفكر ويتعرف على تجارب الأفراد والشعوب، لذا فهي لا تخبو مهما تغيرت الأزمان وتبدلت ظروف العصر لكنها تعاني في الوقت الحالي انخفاضاً نسبياً، وعلى الرغم من تناغم الناس مع التكنولوجيا والعوالم الرقمية التي استحوذت على العقول، إلا أن الشبكة العنكبوتية أتاحت نوعاً جديداً من الاطلاع خصوصاً وأن هناك مجالات معرفية كانت صعبة المنال وأصبحت اليوم متاحة عبر هذه الشبكة. ويلفت إلى أن الأسرة مسؤولة عن إشاعة روح القراءة بين أفرادها إلى جانب الدور المجتمعي. أسباب متنوعة ويرى الشاعر السعودي عبدالرحمن أبا الجيش أن البعد عن لغة الأدب والشعر من الأسباب القوية التي أضعفت حالات القراءة في مجتمعاتنا، إذ إنه كان في السابق يشعر المرء بذاته حين يطالع رواية أو ديوان شعر، ويحاول أن يتمثل ذاك الكاتب أو الشاعر في طريقة الكتابة، أو بتشتت الفكر، وهو ما يدل على التأثر الفكري، ويؤكد أبا الجيش أن القراءة لن تجد لها مكاناً قصياً في حياتنا العربية، لكون العربي مجبولا بطبعه على القراءة، لكن ما يحدث في هذا العصر من ضعف الإقبال على المطالعة نتيجة العادات المستحدثة، والتي رغم إغرائها المادي وطابعها التكنولوجي، فهي غير قادرة على إحداث تغيير جذري في طبيعة القارئ العربي. «فاقد الشيء لا يعطيه» توضح الدكتورة هدى سالم طه، أستاذ اللغة العربية وآدابها في جامعة الإمارات أن الآباء يتوقعون تحول أبنائهم إلى قراء بمجرد توفير الكتب لهم، ويحثونهم على القراءة، دون أن يكونوا بالضرورة قراء، لافتة إلى أنه يتوقع من المعلم أن يتحوّل طلابه إلى قرّاء بمجرد تكليفهم ببعض البحوث وأوراق العمل. وتُقيم المدارس والمناطق التعليمية المسابقات، ويفترضون أيضاً أنها تدفع الطلاب للقراءة.. وتؤكد أن الأبناء ينشؤون في محيط لا يكادون يرون فيه أحداً يطالع غير الصحف والمجلات، وتستحوذ وسائل التواصل الاجتماعي على الجميع، والهواتف لا تفارق الأيادي، والكتاب لا يعرف إليها سبيلاً، فلماذا نتوقع أن يكون الأبناء مختلفين عنا؟!، وإذا أردنا أن نغير أحوال أبنائنا وندفعهم للقراءة، فيجب أن نغير أحوالنا. ولا نتوقع أن ندفعهم للقراءة بمجرد أن نطلب منهم ذلك، ونحن عازفون عن القراءة. وكما الشاعر يقول: وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوّده أبوه وتذكر سالم في هذا السياق حادثة روتها قريبة لها عندما كانت طالبة في الثانوية العامة، إذ طلبت المعلمة من الطالبات أن يكتبن تقريراً عن شخصية أدبية، فذهبت الطالبة إلى المكتبة بكل حماس لتبحث عن مرجع يساعدها، ثم رجعت تسأل المعلمة بحماس عن اختيارها، فكان ردّ المعلمة «يا فلانة لا تتفلسفي، ابحثي في الإنترنت وكفى»! لا أشك أنها رأت في فعل الطالبة ما يعرّي جهلها! هل معلمة من هذا النمط يمكن أن تدفع متعلماً للقراءة؟ إن فاقد الشيء لا يعطيه. نسب القرّاء يقول الناقد الدكتور صلاح فضل عضو لجنة تحكيم مسابقة «أمير الشعراء»، إن سبب وجود انطباع لدى خبراء اللغة وغيرهم من المهتمين بالشأن الثقافي بأن هناك تراجعاً أو عزوفاًَ عن القراءة في مجتمعنا العربية يرجع إلى أن نسب القرّاء في الدول الأخرى أعلى بمئات المرات، خصوصاً وأنهم يقرأون حتى في وسائل المواصلات، فتولد لدينا شعور بأننا مقصرون في هذا الصدد، وهذا أمر صحي يستدعي أن نغرس عادة القراءة في نفوس أطفالنا، وهذا تتكفل به الأسرة والمدرسة، فكم من أسر عربية لديها مكتبات صالحة للاطلاع، وكم من مناهج تجعل القراءة هدفاً، وهذا يحفزنا لأن يكون مستقبلنا أفضل من الحاضر، لكن الحاضر بكل المقاييس أفضل من الماضي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©