الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«تهريب الشعر» في عجمان

«تهريب الشعر» في عجمان
21 ابريل 2010 20:25
تسعى “قافلة تهريب الشعر”، هذه الفعالية الثقافية الحوارية التي أقامتها وزارة الثقافة البحرينية بالتعاون مع مؤسسة ورشة الأدب الألمانية إلى خلق جيل من الشعراء المترجمين في اللغة الألمانية وفي أكثر من لغة أيضاً. أما الملمح الآخر والأساسي في هذه الفعالية فهو طرح أسلوب جديد في ترجمة الشعر لا يقوم أساسا على إتقان اللغتين، المترجم منها والمترجم إليها، كما هو دارج في العادة. وربما من المفيد بدءا الإشارة إلى أن فكرة المشروع تعود إلى العام 2008 عندما كان الشاعر قاسم حداد ضيفاً مقيماً لعام من قبل واحدة من المؤسسات الثقافية الألمانية؛ فالتقى بالناشط الثقافي الألماني توماس فولفارت، مدير مؤسسة ورشة الأدب، التي تقيم ورشات عمل تجمع بين شعراء ألمان وشعراء من قوميات أخرى وثقافات مختلفة، حيث يقوم الشعراء خلال هذه الورشات بترجمة قصائد شركائهم إلى لغاتهم الأم عبر تقنية محددة تتمثل في أن تتم ترجمة حرفية للقصائد من قبل مترجمين عاديين ثم يقوم الشعراء بإقامة جدل حول القصائد بهدف الوصول إلى أفضل صياغة ممكنة للقصيدة في اللغة المترجم إليها وبحيث تصبح الترجمة الحرفية أكثر توهجا وشعرية بعد أن تتحقق تلك الصياغة. بالإضافة إلى أن ما يتم إنجازه من الألمانية وإليها تجري طباعته في كتاب مزود بقرص مضغوط يحتوي على قصائد الشعراء ثم تبدأ قافلة تهريب الشعر بالتنقل في مدن عديدة من البلدين، لتنتهي الورشة بذلك، بما يعني أن ترجمة الشعر هنا هي تهريبه عبر اللغات والثقافات وليس عبر الحدود فحسب. وفي هذا السياق أقيمت ورشة عمل أواخر العام الماضي جمعت الشعراء: نجوم الغانم (الإمارات) وعلي الشرقاوي (البحرين) ومحمد الدميني (السعودية) ومحمد الحارثي (عمان) ومحمد النبهان (الكويت) من الطرف الخليجي العربي، ورون فينكلر وتوم شولتز ونورا بوسون وسيلفيا ساغت وجيرهارد فالكنر من الطرف الألماني. وبدأت قافلة الشعر مسارها من العاصمة البحرينية لتحط رحالها فيما بعد في الكويت ثم عجمان حيث استضافتها دائرة الثقافة والإعلام بعجمان في ندوة أثارت جدلاً حول الشعر وجدوى ترجمته وأيضا بوصفه حوارا بين الثقافات وحملت عنوان: “عالمية الشعر” وأقيمت في فندق كمبنسكي الأسبوع الماضي. وما يلاحظه المرء تماما هنا أن الطرف العربي كانت لديه أرضية خصبة لهذا الحوار على العكس من واحدة من الفعاليات التي أقيمت العام الماضي وبدا فيها الطرف العربي مرتبكا أمام أحد الأطراف الثقافية الغربية، ولم يكن لديه خطابا متماسكا يقدمه لـ “الآخر” على الرغم من مشاركة مثقفين عرب يوصفون عادة بأنهم كبار. فالأمر كان معكوسا تماما حيث بدت الشعرية العربية بعافية تبعا لما قدمه الشعراء من قصائد وتبعا لما قرأوه لشركائهم، أي أنهم قد أنجزوا ترجمة بدت مقنعة جدا في بعض نماذجها. مع ذلك، وبحسب متابعة مجريات الندوة، فإن ما بدا مثيرا للجدل هو اقتصار الشعراء الخليجيين المشاركين على شعراء قصيدة الشعر الحر وغياب شعراء التفعيلة والعمودي أو القصيدة البيتية، فضلا عن أن الندوة التي هدفت إلى تقديم فكرة قافلة تهريب الشعر تحت عنوان عالميته تطرح تساؤلا حول فعل الترجمة، التي تستدعي تمكن الشاعر من اللغة المنقول منها ولو إلى حدّ ما. كما أن مدة الأيام الأربعة التي هي زمن الورشة قد لا تكون كافية لإنجاز ترجمة لشعر ينتمي إلى مرجعيات ثقافية واجتماعية يحتاج إدراكها إلى تعايش من قبل الشاعر المترجِم مع ثقافة اللغة المترجَم منها وليس إلى تعايش مع القصائد وحدها. مع ذلك تبقى هذه التجربة مثيرة للاهتمام، وربما من المفيد كثيرا تبنيها من قبل طرف عربي أو مؤسسة ثقافية عربية وإنجاز ورشات عمل مع شعراء الثقافات الأجنبية القريبة من القوس الحضاري العربي والإسلامي وكذلك شعراء بلدان آسيا البعيدة. وبحسب تجربة الشعراء الخليجيين وبناء على نقاشات جانبية، فقد أثبتت هذه التجربة أن الشاعر العربي يملك الأدوات المعرفية الكافية لأن يخوض حوارا مع أي طرف شعري ثقافي “آخر” وأن يؤسس معه خطابا ثقافيا موازيا ومتوازنا يقوم على أساس من الندية والاحترام المتبادل لجوهر الثقافتين، وهذا أمر ضروري وحيوي لم يكن من الممكن اكتشافه إلا بعد خوض هذه التجربة. لكن من أين جاءت فكرة القافلة أصلا؟ ولماذا تهريب الشعر، وما نوعية الدوافع الثقافية والمعرفية وراء انبثاقها؟ يرد توماس فولفارت على ذلك بالقول: “ثمة أسباب عديدة وجيهة دعتني لتأسيس هذا المشروع، أحدها أن هناك اختلافا في صدد ترجمة الشعر بين ألمانيا الشرقية وألمانيا الغربية، وحدث جدل واسع في المانيا في التسعينات بين المدرستين، حيث لكل طريقة أنصارها الذين يدعون صحة وجهة نظرهم ويخطئون وجهة النظر الأخرى، ففي ألمانيا الشرقية كانوا يوكلون لمكتب عادي للترجمة أمر إنجاز الترجمة الحرفية جدا لنص شعري ثم يقوم شاعر ألماني بصياغة القصيدة دون أن تكون للنص المنجز أية علاقة بالنص الأصلي، ولا للشاعر الألماني بالشاعر الذي جرت ترجمة قصيدته، أما في ألمانيا الغربية فكانوا يعهدون بترجمة النص لمترجم يعرف اللغتين لكنه ليس بشاعر. هكذا اتهمت المدرسة الشرقية المدرسة الأخرى بأن النص الشعري عندما لا يترجمه شاعر فإنه يفقد روحه في حين قالت المدرسة الغربية بأن عدم معرفة الشاعر بالنص الأصلي تجعله ينتج قصيدة مغايرة للقصيدة الأصلية وبعيدة عنها”. ويضيف: “غير أن طريقة “تهريب الشعر” تجمع بين التقنيتين في الترجمة، الشرقية والغربية على حدّ سواء، لأنه على الصعيد العالمي قد انخفضت ترجمة الشعر بين اللغات وانتقالها بين الثقافات عما كان سائدا قبل، ثم هناك إشكالية أخرى أيضا لأن الشعر يرتبط بالسياق المكتوب ونشر الكتاب فيفقد الشعر المترجم الإيقاع والموسيقى التي هي أساسية بالنسبة لروح الشعر. فقمنا نحن في مؤسسة ورشة الأدب بإصدار الكتب بالألمانية وباللغة الأخرى المترجَم منها مزودا بقرص مضغوط يحتوي على قراءات صوتية للقصائد التي يتضمنها الكتاب”. وحول ما إذا كان هذا المشروع في الترجمة جاء نتيجة لهاجس شخص مثقف أم أنه مشروع جماعي، يقول فولفارت: “المشروع كله هو مبادرة فردية حيث قمت بتأسيس مؤسسة هي ورشة الأدب في برلين، وهي التي تنظم وشات عمل “تهريب الشعر” ولكن لفترات معينة وليست دائمة حيث لأي شخص في العالم أن يستعير هذه الطريقة في الترجمة”. ويؤكد: “أنا لست شاعرا لكنني أحب الشعر وأقرؤه كثيرا، وأرى أن التقاء الشعراء من ثقافات مختلفة باتت ضرورة شعرية في هذا الزمن، لأنه يخلق فضاءات مشتركة ويؤسس لأسباب حقيقية للحوار بين الثقافات”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©