الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ضرْبُ الأمثال في مَعرِض الْمَقال

ضرْبُ الأمثال في مَعرِض الْمَقال
9 يوليو 2009 01:35
الثقافة العربيّة من أغنى الثقافات الإنسانيّة، وأكثرِها زُخُوراً بالقِيم الجماليّة والأخلاقيّة، بحيث إنّ العربيّ كان إذا تحدَّث أبْدع، وإذا خطَبَ أذْهَلَ، وإذا شَعَرَ سَحَر؛ فكانت البلاغةُ هي القيمةَ الجماليّة الأولى التي تحكم علاقاتِ الناس في مجالسهم وأحاديثهم وتَناشُدَاتِهم. وكانوا يفتخرون بذلك ويبالغون في المفاخرة به حتّى ضربوا الأمثال بأفصح الناس فقالوا أفصح من سَحْبانَ، كما قالوا، على نقيض ذلك، أعْيَا من باقل: تنفيراً من العِيّ، وتبشيعاً للفَهَاهة والْحَصَر. وكان العربيّ إذا تحدّث في موقف عامّ، ربما ارتجل عبارة تثير إعجابَ حاضريه فيتّخذونها مثَلاً يردّدونها، فيقولون إعجاباً بها، كما قال فلان... ثمّ، يتناسَون الذي قال، فيذكرون العبارة في الموقف الذي يتطلّب ذِكْرَها على أنّها مثَلٌ سائر بينهم، وحكمة جاريةٌ على ألْسُنِهم. والذي يعود إلى التراث العربيّ القديم يَذْهَلُ لهذا الفيض الغزير من هذه الأمثال التي ضربوها لكلّ فكرة يمكن أن تَعرِضَ للمرء في حياته اليوميّة. وقد أفضى ذلك إلى حمْل بعض العلماء القدماء على تأليف كتب في هذه الأمثال، والتوقّف لدى مَضارِبها ليشرَحوا مناسباتها، بحقّ أو بباطل، لأنّهم كثيراً ما كانوا يَذْهلون عن حقيقة تلك المناسبات، فيُضطَرُّون إلى تكلّف القول عنها، فيخوضون في غير حقّ... ومن أشهر كتب الأمثال العربيّة ما جمعه أبو الفضل أحمد بن محمد النيسابوريّ، المعروف بالميداني، في مدوَّنة ضخمة أطلق عليها «مجمع الأمثال». كما أنّ ابن منظور في معجم «لسان العرب»، قد يكون أكبرَ جامعٍ لهذه الأمثال، وهو الذي لا يكاد يعرض لتعريف معنىً من المعاني إلاّ استظهرَ ببعض هذه الأمثال لربْطِ ألفاظها بالمادّة اللغويّة المطروحة للتعريف. وقد جاء غيره بعض ذلك من المتأخّرين، ومنهم لويس معلوف في معجم «المنجد» الذي عقد في آخره ملحَقاً أتَى فيه على طائفة من الأمثال. غير أنّ ذلك لم يَحظَ، في رأينا، بالظَّفَر المنتظَر، إذ يجب أن يُذكَر المثل في مادّة لفظٍ من ألفاظ عبارته، مع سرْد المناسبة التي قيل فيها، والتي كثيراً ما تتّسم بالطرافة البالغة التي تثير الانتباه، فتنتقش في الذاكرة. وجاء المعاصرون من العلماء العرب فعرَضوا لجمْع عشرات الآلاف من الأمثال العربيّة أغلبُها أصبح يطلَق عليه «الأمثال الشعبيّة»، أو «الأمثال العامّيّة»، فأمسى لكلّ قطرٍ عربيّ مدوَّنات من هذه الأمثال الجميلة التي تمثّل الثقافة المحلّيّة لكلّ قطر. وقد أفضى ذلك الاهتمام إلى تأليف كتب جميلة في تحليل هذه الأمثال من حيث خصائصُها البِنَويّةُ والتركيبيّة والجماليّة فأسهمت في إخصاب الثقافة العربيّة المحلّيّة ممّا أغرى القائمين على برامج الدراسة في الجامعات إلى تقرير بعض هذه الآداب الشعبيّة في تلك البرامج، إذْ كانت تمثّل الأصالة في ثقافتنا العربيّة. وقد كنّا نودّ لو أنّ هيئةً للبحث، مركزيّةً، تنهض بضَمّ هذه الأمثال العربيّة الشعبيّة، بعضِها إلى بعض، من المغرب إلى الإمارات، ثمّ عَقْد موازنة فيما بينها: فيما تتفق فيه، وفيما تختلف، والخروج من كلّ ذلك باستخلاص نتائج أنتروبولوجيّة واجتماعيّة وحضاريّة تساعدنا على فهم خصائص ثقافتنا العربيّة على نحو أمثل
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©