الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ناعيم غيلادي: كنت صهيونياً

ناعيم غيلادي: كنت صهيونياً
9 يوليو 2009 01:32
يروي الكتاب قصة تعرض قرية قبية العربية لهجوم أودى بحياة 69 رجلاً وطفلاً من المدنيين العزّل في مجزرة اتهم بها الجيش الإسرائيلي، وذلك في 14 أكتوبر 1953، غير أن رئيس الوزراء آنذاك دايفيد بن غوريون نفى رسمياً أي تورط للجيش مصرحاً: لقد تأكدنا ووجدنا أن أياً من وحدات الجيش لم تغادر قاعدتها تلك الليلة. يؤكد المؤلف أنه التقى بعد يومين، بصديق يعيش في مستوطنة يهودية على حدود قبية، وأخبره أنه رأى جنوداً إسرائيليين مدججين بالسلاح يعبرون الحدود بقيادة آرييل شارون باتجاه قبية في الليلة، التي وقعت فيها المجزرة. وأنكر بن غوريون ما تلا المجزرة من عمليات تغطية على غرار المجزرة التي طالت ركاب أحد الباصات بالقرب من «ماله هاكرابيم». فالحكومة الإسرائيلية اتهمت العرب زوراً على الرغم من أن عصابة يهودية هي من ارتكب المجزرة. ولقد اكتشف لاحقاً، بفضل ما قام به من أبحاث معمقة، أدلة تثبت تورط الحكومة الإسرائيلية في مجزرة أخرى تمت برعايتها. وعند هذا الاكتشاف، قرر أن يكتب ما وجده من معلومات لأنه علم أنه لا يمكن إخفاء الحقيقة من غير الإساءة إلى ما كان يحسبه ملاذ اليهود ومفزعهم. عماد جانبيه يتحدث المؤلف ناعيم غيلادي في كتابه «فضائح بن غورين» عن قصته، فقد كان شاباً يافعاً طامحاً إلى المثالية، ومستعداً إلى أقصى درجة للمجازفة بحياته من أجل معتقداته. ففي عام 1947 لم يكن قد أتم الثامنة عشر من العمر عندما ألقت السلطات العراقية القبض عليه لتهريب شبان عراقيين يهود مثله من العراق، عبر إيران إلى «أرض الميعاد». كان منتمياً إلى الحركة الصهيونية السرية. ولم تترك السلطات العراقية إبان سجنه وسيلة لم تستخدمها لتنتزع منه معلومات عن المتواطئين معه وأسمائهم. وما زال يتذكر عندما ربطوه إلى سقف السجن وجردوه من ملابسه في يوم قارس البرد من يناير، ثم رموا عليه دلواً من المياه الباردة، وتركوه معلقاً لساعات. ومع ذلك لم يفكر ولو للحظة واحدة أن يفشي لهم بالمعلومات التي أرادوها. الجحيم يعرض المؤلف فترة وصفها بـ«عامين في الجحيم» همه النجاة بنفسه والفرار. يقول: لم أكن مهتماً وقتئذ بجذور التاريخ اليهودي في العراق مع أن عائلتي كانت جزءاً من ذلك التاريخ. فنحن بالأصل من آل هارون وهي عائلة كبيرة ومهمة من عائلات (الشتات البابلي)، وبعدها مع حكم العثمانيين، غيّروا اسم عائلتهم وصاروا يعرفوا بآل خلاصجي ومعناه (صناع الذهب الخالص). يشرح كيف كان قابعاً في زنزانته غير مدرك سبب حكم الإعدام عليه، وراح يحاول أن يتذكر أي شكوى شخصية تقدمت بها عائلته ضد الحكومة أو الأكثرية المسلمة لكن من دون جدوى. لقد اكتشف والده خبر انتمائه إلى الحركة الصهيونية السرية، قبيل أشهر من اعتقاله عندما رآه يكتب العبرية ويستخدم كلمات وعبارات لم تألفها أذناه. وكم كان مندهشاً عندما عرف أنه عاقد العزم على الانتقال إلى إسرائيل. لقد غادر زهاء 125 ألف يهودي العراق باتجاه إسرائيل في أواخر الأربعينات، ولكن والده كان من بين ستة الآف يهودي لم يرحلوا إلى إسرائيل. لقد فرّ من سجن في معسكر أبو غريب من بعد أن حكمت المحكمة العسكرية عليه بالإعدام شنقاً، متجهاً إلى إسرائيل. ويضيف: لقد وصلتها في مايو من العام 1950، وبعد ثلاثة أو أربعة أعوام تقريباً على قدومي إلى إسرائيل غيّرت اسم عائلتي إلى جلعادي وهو اسم مشتق من اسمي العسكري جلعاد الذي كنت أدعى به أيام انضمامي إلى الحركة الصهيونية السرية. ويعرض المؤلف كيف اكتشف حقيقة ما وجده في أرض الميعاد الوهم على المستوى الشخصي، وعرف حقيقة العنصرية المؤسسية وبدأ يدرك وحشية الصهيونية، فالاهتمام الأساسي لإسرائيل بيهود البلدان الإسلامية مردّه حاجتها إلى أيدٍ عاملة رخيصة لا سيما للعمل في المزارع، الذي يعد دون مستوى يهود أوروبا الشرقية المتمدنين. لقد احتاج بن غوريون إلى اليهود الشرقيين ليزرعوا آلاف الفدادين التي تركها الفلسطينيون بعد أن طردتهم القوات الإسرائيلية في العام 1948. لا مشاعر في الحرب وإذا كان العالم اليوم يرتعد من فكرة الحرب الجرثومية، فإن إسرائيل، حسب المؤلف، كانت أول من استخدمها فعلياً في الشرق الأوسط. ففي حرب العام 1948، كانت القوات اليهودية تخلي القرى العربية من سكانها غالباً بفعل التهديد، وأحياناً بإرداء عشرات العرب العزّل قتلى كعبرة لغيرهم، وكي يضمن الإسرائيليون عدم عودة العرب إلى هذه القرى وعدم عيشهم فيها من جديد، كانوا يضعون بكتيريا التيفوس والدوزنطاريا في آبار المياه. وقد كتب يوري ميلشتين المؤرخ الرسمي للجيش الإسرائيلي عدة مؤلفات تحدث فيها عن استخدام مواد جرثومية، فبحسب ميلشتين، أصدر موشي دايان أوامر في العام 1948 بطرد العرب وجرف منازلهم ومنعهم من استخدام مياه الآبار عبر تلويثها ببكتيريا التيفوس والدوزنطاريا. لقد بدأ المؤلف نشاطه في إسرائيل بعيد تلقيه رسالة من الحزب الاشتراكي الصهيوني يطلب إليه فيها المساعدة في الصحيفة العربية الصادرة عنه. يقول: عندما بلغت مكاتب الحزب في المقر الرئيسي في تل أبيب رحت أسأل الموجودين عن مكان عملي، وجدت نفسي في قسم خاص باليهود القادمين من البلدان الإسلامية فشعرت بالقرف والغضب. فإما أن أكون عضواً في الحزب أو لا أكون. فهل يكون مقتنعاً بأيديولوجيا مختلفة أو سياسة مختلفة لمجرد أنه يهودي عربي؟ وكانت تلك الحادثة بداية احتجاجه المفتوح. يعرض المؤلف كيف أنه لم يكن لدى مواطني الدرجة الثانية أمثاله فرصة كبيرة لتحسين أوضاعهم عندما كانت إسرائيل تتحارب مع أعدائها في الخارج. فبعد حرب 1967 كان في الجيش وخدم في سيناء عندما كان القتال مستمراً على امتداد قناة السويس. بيد أن وقف إطلاق النار مع مصر في العام 1970 منحهم الفرصة التي كانوا ينشدونها. فنزلوا إلى الشارع ونظموا أنفسهم سياسياً للمطالبة بالمساواة في الحقوق. لقد صعدوا النضال بحدة وتلقوا دعاية كبرى إلى حد دفع الحكومة الإسرائيلية إلى محاولة تجريد حركتهم من أهميتها عبر تسميتهم (فهود إسرائيل السود) وكانت التسمية ذات أبعاد عنصرية، لظن الحكومة أن الجمهور الإسرائيلي، سيرفض أي منظمة تشبه عقيدتها بعقيدة السود المتشددين في الولايات المتحدة. بيد أنهم رأوا ما يفعلونه ليس مختلفاً عما قام به السود في أميركا من كفاح ضد التمييز والفصل والمعاملة غير العادلة، وبدلاً من رفض التسمية تبنوها بفخر، وبحسب قوله أيضاً كان مكتبه مزيناً بملصقات لمارتن لوثر كينغ ومالكوم إكس ونيلسون مانديلا وغيرهم من الناشطين في مجال حقوق المدنية. ومع الاجتياح الإسرائيلي للبنان وتسهيل إسرائيل لمجزرتي صبرا وشاتيلا اكتفى المؤلف من الدولة العبرية، وصار مواطناً أميركياً، وتخلى عن جنسيته الإسرائيلية. ? الكتاب: فضائح بن غوريون ? المؤلف: ناعيم غيلادي ? ترجمة: زينب جابر ? الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©