الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«سلام كوشنر» غير الوشيك!

26 مارس 2018 02:24
أشرفَ «جارد كوشنر»، مستشار الرئيس دونالد ترامب وزوج ابنته، على اجتماع استثنائي للغاية في البيت الأبيض بشأن الأزمة الإنسانية في غزة مؤخراً. وشاركت في الاجتماع إسرائيل ودول عربية ليس لها علاقات دبلوماسية بإسرائيل. ولم يشارك في الاجتماع الفلسطينيون الذين قاطعوا ترامب منذ إعلانه نقل السفارة الأميركية إلى القدس. ولا يمكن فهم مغزى المؤتمر إلا في إطار مسعى السلام الذي يقوده كوشنر. وقد جسد الاجتماع نجاح الاستراتيجية الأساسية لفريق كوشنر والتحديات التي تواجهها في مواجهة الانتكاسة التي سبَّبها إعلانُ ترامب القدس عاصمةً لإسرائيل. ونهْج كوشنر في جوهره يتعامل مع القضية الفلسطينية باعتبارها ضمن عملية أوسع نطاقاً لإعادة اصطفاف إقليمية للدول السنية، ضد إيران الشيعية. وتركيز كوشنر الأساسي انصب على الدول التي يقال إنها توحي باستعدادها لإقامة علاقات رسمية مع إسرائيل إذا تحقق السلام. وقد سعى مفاوضون آخرون في الماضي إلى جعل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إقليمياً. لكن كوشنر تجاوز كثيراً كل سابقيه في هذا المضمار. وتقوم استراتيجيته على إقامة علاقة وثيقة للغاية مع الدول الرئيسية والفاعلة في المنطقة. والمصلحة متبادلة بين هذه الدول التي تشهد تغييرات داخلية وبين الولايات المتحدة الساعية لإبرام سلام بين العرب وإسرائيل وتسوية القضية الفلسطينية على نحو لم تتضح معالمه الكاملة بعد. ويتوقع كوشنر من الدول العربية أن تلعب دوراً في اتفاق فلسطيني إسرائيلي. وحتى الآن، هذا ما تقوم به بعض الدول. فقد بدأت تحشد التأييد الإقليمي للخطوات القادمة. وجاءت الأدلة على تعاون إقليمي حتى الآن في المقام الأول من تقارير فلسطينية تشير إلى أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس «أبو مازن» قد أُبلغ من خلال عبارات غير محددة تفيد بأن الوقت قد حان للتوصل إلى اتفاق. وكان مؤتمر المساعدات الإنسانية لغزة دليلًا علنياً في الأساس على رغبة الدول العربية في أن تفي بما عليها في إطار الصفقة الجديدة. وكانت الدول العربية في الماضي لا ترغب في حضور اجتماعات بارزة بشأن فلسطين إذا رفض الفلسطينيون حضورها. ومن المؤكد أنهم ما كانوا ليشاركوا في مؤتمر علني حضره الإسرائيليون ولم يحضره الفلسطينيون. وربما يراد بحضور العرب التوضيح للفلسطينيين بأنهم إذا لم ينضموا إلى برنامج كوشنر للسلام فإن المفاوضات بين الدول العربية وإسرائيل قد تمضي قدماً بغيرهم. وهذه صيغة معقولة لممارسة النفوذ. فأكبر كابوس للفلسطينيين هو أن تتخلى الدول العربية عنهم تماماً وتطبّع العلاقات مع إسرائيل دون التوصل إلى اتفاق سلام. ومن هذه الزاوية، نجد أن المؤتمر مهم حقاً على الأقل لما يحمله من دلالات على مدى تغير التحالفات ومدى قلة أصدقاء الفلسطينيين حالياً. لكن التوصل إلى الصفقة المطلوبة ليس وشيكاً، بل حتى أنه لا يلوح في الأفق. وفي النهاية، لا تستطيع الدول العربية التوقيع على اتفاق سلام دون توقيع الدولة الفلسطينية عليه أيضاً. وإذا فعلت الدول العربية ذلك فقد تخسر أرضية داخل العالم العربي والإسلامي لصالح إيران، وهي العدو ذاته الذي تسعى هذه الدول إلى تهميشه بالتحالف مع أطراف مختلفة إقليمية وعالمية. والرئيس الفلسطيني محمود عباس يعلم هذا، وذلك هو السبب الذي جعله يغامر برفض مسعى بعض الدول العربية، بل ويبدي معارضةً قويةً لفكرة ترامب برمتها حول اتفاق سلام. وعباس يخشى أن أي اتفاق سلام قد يقدمه الإسرائيليون برعاية ترامب سيكون صفقة لن يرغب في قبولها، أو لن يستطيع قبولها دون أن تستولي «حماس» على السلطة كنتيجة لذلك. ويراهن عباس على أن الاتفاق الجاري العمل على تحضيره حالياً سيموت تلقائياً إذا ما وُجهت اتهامات الفساد رسمياً لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أو إذا ما استقال نتيجة هذه الاتهامات المثارة ضده، والمنظورة في إطار تحقيق يجري حالياً، أو إذا انهار تحالفه الحزبي الحاكم لأسباب أخرى. ولتغيير رهانات عباس، يتعين على كوشنر أن يغري الفلسطينيين بقبول الصفقة. وهذا لا يعني فقط تقديم أموال كبيرة للفلسطينيين، بل أيضاً إقامة حدود قادرة على الصمود داخل الضفة الغربية ومنحهم عاصمة في الجزء الشرقي من مدينة القدس ضمن صيغة لتبادل الأراضي، بما يحفظ للقيادة الفلسطينية ماء وجهها كي تعلن أنها حصلت على اتفاق أفضل مما رفضه الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات في مفاوضات كامب ديفيد مع إيهود باراك. وإذا لم يجْدِ هذا السيناريو نفعاً مع نتنياهو، في ظل ظروفه السياسية والأخلاقية الضعيفة حالياً، فإن كل نجاحات كوشنر مع الدول العربية لن تكفي للتوصل إلى اتفاق سلام فلسطيني إسرائيلي يمثل مدخلاً لمرحلة إقليمية جديدة. وقد يتمخض عن هذا إطلاق اتصالات غير رسمية أكثر بين إسرائيل وبعض الدول العربية، تحقيقاً لمصالح استراتيجية تخص الجانبين، لكن دون تحالف طويل الأمد ضد إيران ودون اصطفاف إقليمي معلن وحاسم. وهذا يظل أكثر الاحتمالات ترجيحاً بفارق كبير عن بقية الاحتمالات الأخرى لمآل جهود كوشنر الحالية. لكنه على أي حال ليس احتمالاً حتمياً بعد. ورغم الشكوك لدى خبراء المنطقة فإن كوشنر يفتقر إلى الأدوات للقيام بمهمته، لذلك مازال يحاول الوصول إلى شيء ذي بال بالنسبة لإدارة ترامب. *أستاذ القانون الدستوري والدولي في جامعة هارفارد ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©