السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

زوكربيرج.. هل ينتشل «فيسبوك»؟

26 مارس 2018 02:24
أعتقد أنني أفهم السبب الذي دعا «مارك زوكربيرج»، الرئيس التنفيذي لـ«فيسبوك»، لعدم التفاعل بصورة علنية مع فضيحة شركة «كامبريدج أناليتيكا». هذا السبب يكمن في أنه هو شخصياً عالق في مأزق عويص. فأي حل لمشكلة «فيسبوك» الكبيرة، المتعلقة بنشر أخبار زائفة، سيجعل المشكلة الكبرى الحالية، المتعلقة بالتنقيب عن البيانات، أكثر سوءاً. وبوصفها شركة إعلامية، وأحد أهم مصادر المعلومات لدى الأميركيين، فإن مجهولية هوية «فيسبوك»، وعدم مسؤوليتها عن المحتوى الذي يتم إنشاؤه بواسطة المستخدمين، يجعل من السهل على مروجي الدعايات السياسية أو غيرها، استغلالها. ومما يفاقم من خطورة هذا الأمر، أن الشركة ليست على استعداد لفرض قواعد صارمة بشأن تحديد الهوية، خوفاً من فقدان الكثير من المستخدمين، كما أنها لا تريد أن تكون مسؤولة بأي وجه من الوجوه عن المحتوى، وتفضل بدلاً من ذلك تقديم نفسها في صورة المنصة المحايدة. لذا يحاول زوكربيرج حل المشكلة من خلال إظهار المزيد من المواد المقدمة من الأصدقاء والعائلة، ومن خلال إعطاء الأولوية لـ«الناشرين موضع الثقة»، ولمصادر الأخبار المحلية، وتفضيلهم على مزودي الأخبار الزائفة. و«التأكد من أن الوقت الذي نقضيه في فيسبوك هو وقت منفق في محله» -كما يقول زوكربيرج- يفترض أن يؤدي إلى جمع بيانات أفضل جودة، وأنه إذا لم يقم أحد بإنشاء حسابات مزيفة لنشر معلومات مضللة، فإن الأمر المرجح هو أن يكون المستخدمون لـ«فيسبوك» أشخاصاً حقيقيين. ومن المرجح في مثل هذه الحالة، أن يحقق أي شخص يقوم بتحليل التفاعلات الأكثر صحة بين المستخدمين، نجاحاً أكبر في استهداف العروض التجارية والسياسية الموجهة للأشخاص الحقيقيين. لكن فضيحة «كامبريدج أناليتيكا» تُظهر أن الناس قد لا يكونون على ما يرام مع عملية جمع البيانات في «فيسبوك»، سواء أكانت محسّنة أم غير ذلك. والفضيحة حدثت عقب الكشف (لمعظم مستخدمي الفيسبوك الذين قرأوا عنها) أنه حتى عام 2015، كان مطورو التطبيقات على منصة الشبكة الاجتماعية، قادرين على الحصول على معلومات عن أصدقاء مستخدمي فيسبوك، بعد طلب الإذن بطريقة روتينية للغاية، وأن حملة أوباما عام 2012 قد استفادت من هذه الحقيقة. وذلك بالضبط ما فعلته «كامبريدج اناليتيكا» - وإن على نحو أكثر خفاءً - عندما استخدمت (أو ربما لم تستخدم) مثل هذه البيانات للمساعدة في انتخاب الرئيس دونالد ترامب. وكثير من الناس غاضبون من شركة فيسبوك، لعدم تصرفها بشكل أكثر حسماً لمنع الإساءة التي ارتكبتها «كامبريدج انالتيكيا»، ولكن لو كانت هذه هي كل المشكلة، لكان كافياً في هذه الحالة أن يعتذر زوكربيرج، ويوضح أن الوظيفة المخالفة لم تكن موجودة قبل سنوات. لكن الحقيقة هي أن الناس يشعرون بالقلق بشأن البيانات التي يقوم «فيسبوك» بتجميعها عنهم، وبشأن الكيفية التي تستخدم بها هذه البيانات. الغضب الناجم عن حادثة «كامبريدج أنالتيكا»، يشبه لغضب الأكثر اعتدالاً تجاه فيسبوك في عام 2014، بعد الكشف عن قيامه بتجارب نفسية سرية على المستخدمين، في محاولة لتغيير مزاجهم من خلال التدخل في التغذية الخبرية المقدمة لهم. فالناس وإن كانوا يسلمون بياناتهم الشخصية بسهولة، لتيسير دخولهم لبعض المواقع أو التطبيقات، إلا أنهم يكرهوا أن يتحولوا إلى فئران للتجارب. هل هناك رد من جانب زوكربيرج من شأنه أن يطمئن المستخدمين بأن هذا لن يحدث لهم؟ من الناحية النظرية، هذا ممكن بالتأكيد، حيث يمكن لزوكربيرج أن يقول للمستخدمين، إن تطبيق «فيسبوك» سوف يرفض كل الإعلانات السياسية، وإنه سيتخذ تدابير ضد عمليات تجريف البيانات (جمع المعلومات من كافة أنحاء الويب)، وإنه لن يقدم بيانات للفاعلين السياسيين. لكنه إذا ما فعل ذلك، فسيجد نفسه في منحدر زلق. لأنه وإن كان لا أحد يريد أن يكون فأر تجارب للشركات الكبرى، إلا أن موافقة زوكربيرج على ما يطلبه المستخدمون، سيجعلهم يطمعون في المزيد مما يدمر في نهاية المطاف النموذج العملي الذي يقوم عليه فيسبوك، وهو نموذج الاستهداف المصغر Micro-targeting الذي بُني بصعوبة بالغة. أما إذا لم يوافق على ما يطلبونه، فسيعمدون إلى اتخاذ احتياطاتهم، وتمويه شخصياتهم الحقيقية وربما شطب أو إخفاء بياناتهم الشخصية. وزوكربيرج، الذي يتوقع أن يكسر صمته قريباً، ربما لن يقوم بأي تحركات جذرية. لكن السؤال هنا هو: ماذا لو فعل؟ في بعض الأحيان، تساعد الأحلام والتخيلات على توضيح الواقع. وبالنسبة للرئيس التنفيذي لـ«فيسبوك»، فإني أتخيل أنه سيخرج ليقول بهدوء وقد اختنق صوته قليلاً: «يؤسفني أن أعلن اليوم أننا سنغلق تطبيق Facebook الرئيس وموقع الويب، لأنه من الواضح أنه تمت إساءة استخدامه من قِبل الجميع تقريباً، بما في ذلك نحن أنفسنا، وأنكم أصبحتم لا تريدونه بعد الآن. ولكننا سنستمر في ربط العالم بعضه ببعض، من خلال تطبيقات إنستغرام، وميسينجر، وواتساب، ونعد بأن هذه التطبيقات لن تتحول إلى فيسبوك آخر». هل سيكون هناك أناس كثيرون - ربما باستثناء حملة أسهم فيسبوك المتبقين- لن يطلقوا زفرة ارتياح عندما يسمعون ذلك؟ أنا سأفعل ذلك. *كاتب ومحلل سياسي روسي يعيش في برلين ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©