الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العنف الطائفي في العراق... هاجس ما بعد «الانسحاب»

20 ابريل 2010 23:13
الكدمات الحديثة بنفسجية اللون تنتشر على ظهور العشرات من الرجال السُنة في الرضوانية، القرية الصغيرة الواقعة غرب بغداد، تعد دليلًا، حسب السكان المحليين، على شطط وتعسف من جانب الجيش العراقي يهددان بتوسع الانقسام الطائفي. هذه الجروح والإصابات ناجمة عن الضرب الذي تعرض له هؤلاء الرجال الشهر الماضي على أيدي جنود من القوات ذات الأغلبية الشيعية المكلفة بحماية السُنة، كما يقول السكان، الذين يضيفون أنه جرى استنطاق الرجال السُنة واحداً تلو الآخر ثم ضُربوا وصُعقوا بالكهرباء في حملة تمشيط قام بها جنود معظمهم من الشيعة بعد مقتل خمسة من زملائهم في إحدى نقاط التفتيش. وتأتي أعمال العنف بينما يواجه فيه أداء ومهنية قوات الأمن العراقية اختباراً حاسماً، فاليوم، باتت تسيطر قوات الأمن العراقية على الشوارع، قبيل الخفض المرتقب في صفوف الجنود الأميركيين إلى 50 ألفاً بنهاية الصيف؛ غير أنها مازالت تواجه الكثير من الارتياب والتوجس من قبل السُنة، الذين يعتبرون الجيشَ في بعض المناطق وسيلةً غير حيادية للحكومة ذات الأغلبية الشيعية. في الرضوانية، يقول بعض شيوخ القبائل السُنية إن الضرب يقوي ويعزز المخاوف بشأن ما قد يحدث عندما يرحل الجيش الأميركي بشكل نهائي، حيث يخشون أن يعلقوا بين المتمردين السُنة الذين انقلبوا عليهم، والحكومة التي يقودها الشيعة، والتي لا يثقون فيها. وفي هذا السياق، يقول حامد عبيد سهر الحمداني، وهو شيخ قبلي في الرضوانية أوضح أنه ناقش المشكلة مع الجيش الأميركي واشتكى إلى الشرطة: "إن هذه الأشياء يمكن أن تنسف الوضع الأمني برمته"، مضيفاً "إننا نستطيع أن نرى الانهيار يلوح في الأفق". غير أن متحدثين باسم وزارة الدفاع العراقية ومسؤولًا عسكرياً بالسفارة الأميركية أوضحوا أنه لم يتم فتح تحقيق في الموضوع لأنهم لم يروا مؤشرات على سوء المعاملة؛ حيث قال متحدث رسمي عراقي إنه لا يمكن فتح تحقيق في الموضوع، إلا إذا تم تقديم شكوى ضد الجنود في اللواء الثالث والعشرين من الفرقة السابعة عشرة - وهو أمر تخاف العديد من العائلات الإقدام عليه؛ هذا في حين قال المقدم "جريجوري سيرا"، قائد الكتيبة الثانية من فوج المشاة السابع، والذي يقدم المشورة للفرقة العراقية، إن الجيش الأميركي لا يستطيع التعليق "على ما لم نره"، ولكنه أضاف أن نظراءه العراقيين أكدوا له أنه لم تحدث أي سوء معاملة. ولئن كان 140 رجلاً قد اقتيدوا إلى القاعدة العسكرية من أجل الاستنطاق، فقد أُطلق سراحهم جميعاً ما عدا اثنين منهم اعترفا بالتورط في مقتل الجنود. بيد أن القرويين وشيوخ القبائل الذين حاورناهم في المزارع الواسعة المنتشرة في الرضوانية، والتي كانت تشكل مرتعاً لحركة التمرد السُنية ذات مرة، قدموا روايات مفصلة تعزز على ما يبدو الدلائل المادية المتمثلة في الجروح والكدمات التي أظهرها بعض الرجال، واصفين ما سموه رد فعل قوي وسريع من قبل القوات ذات الأغلبية الشيعية عقب مقتل الجنود في الساعات الأولى من صباح الرابع والعشرين من مارس الماضي، عندما استعمل مسلحون أسلحة مزودة بكاتم الصوت لقتل خمسة جنود عراقيين على الأقل في نقطة تفتيش، حيث قام الجيش على وجه السرعة باستهداف المنطقة السُنية التي يعتقد القادةُ العسكريون أنها كانت تأوي القتلة. معظم القرويين وافقوا على التحدث شريطة عدم ذكر أسمائهم لأنهم يخشون الانتقام. وحسب روايتهم، فإن أول هدف لما بدا ثورة انتقامية هو ثلاثةُ إخوان يركبون شاحنة صغيرة مع شخصين آخرين، كانوا على طريق يسلكونه كل يوم بالقرب من مزرعة العائلة. وقد رأى الأقاربُ، الذين شاهدوا المواجهة في نقطة التفتيش القريبة من منزل العائلة، الجنودَ يسحبون الأشقاء من شاحنتهم وينهالون عليهم بالضرب. ويقول بعض أفراد العائلة إنهم سمعوا بعضا مما دار من حديث: صاح الجنود: "سنعتقلكم"، ورد الشبان: "ماذا فعلنا؟" سُمعت أصوات إطلاق نار، فجرى والدهم في اتجاه نقطة التفتيش قائلاً للجنود: "لماذا تقتلون أبنائي؟"، ولكن إطلاق النار استمر. عانق أصغرُ أبنائه، صباح عدي مطلك، 17 عاماً، جثةَ أحد أشقائه المضرجة في الدماء وتلا عليه الشهادة - رغم أن بعض أضلعه كانت مكسورة جراء الضرب - وقال هامساً: "أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله". في تلك الأثناء، كان نسيم عدي مطلك، 24 عاما، وغزوان عدي مطلك، 20 عاما، قد لفظا أنفاسهما الأخيرة. وضع والدهما الجثتين في المركبة ونقلهما في الصباح إلى المستشفى. وخلال الأسبوع التالي، تم إغلاق المنطقة بالكامل حيث كان الجنود يبحثون عن المسلحين. وفي ثلاث غارات، تم اقتياد مئات الرجال إلى القاعدة العسكرية، كما يروي قرويون وشيوخ قبائل، حيث تم ضرب وصعق كل واحد منهم بالكهرباء، كما يحكي أحد القرويين الذي كان يتحدث باسم اثنين وعشرين شخصا من عائلته اعتُقلوا في الغارة نفسها. ولدعم روايته، خلع دشداشته كاشفا عن آثار للضرب حمراء وبنفسجية. سأله المحققون وهم ينهالون عليه بالضرب: "من قتلهم – من قتل الجنود؟"، فرد عليهم بالقول إنه لا يعلم؛ فرموه خارج غرفة الاستنطاق وانتقلوا إلى الرجل التالي. غير أن "سيرا" يؤكد أن القادة العراقيين يحثون جنودهم على عدم المبالغة في رد الفعل، وأنهم أظهروا سلوكاً لائقاً، مضيفاً إنه قيل له إن الحادث في نقطة التفتيش أعقب شجاراً باغت خلاله أحد الرجال الجندي وسحب منه سلاحه. في غرفة المعيشة، في هذا المنزل المبني من الطوب الطيني حيث كان يعيش الشقيقان مع عائلتهما الكبيرة، يبكي الأقارب الفقيدين؛ غير أن قلة فقط من القرويين أتت لتقديم واجب لعزاء، أمر فسرته العائلة بخوف الجيران من الجنود. وفي الخارج، يراقب رجال آخرون من العائلة اقتراب قوات الأمن من المنطقة. ليلى فاضل بغداد ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©