الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جرائم الشيطانة!

جرائم الشيطانة!
13 مارس 2014 22:31
اختفت الزوجة في الصباح الباكر من المنزل، خرجت مصطحبة أبناءها الثلاثة الصغار تحمل اثنين منهم على كتفيها، وتجر الثالث في يدها، قبل أن تسطع أشعة الشمس، وينتشر الناس في الشوارع، مازال الهدوء يسيطر على المنطقة، وفي يدها القليل من الملابس القديمة التي تخصهم، استغلت خروج زوجها الذي يعمل خبازاً، واعتاد أن يتوجه إلى عمله في الخامسة صباحا كل يوم في الغالب مع أذان الفجر، ويعود في الواحدة ظهرا يحمل الخبز لهم، فقد أعدت العدة منذ المساء، لذا خرجت فور مغادرته المنزل، لا تعرف في البداية إلى أين ستذهب، ولم تستطع أن تتخذ قراراً، لكن المهم أن تترك المكان كله، ولا يهم بعد ذلك في أي أرض تقيم مهما تباعدت، تركت نفسها تسير حسب مقتضى الحال وكيفما تسير الأمور. استقلت «سنية» أول سيارة صادفتها، ثم سيارة أخرى إلى حيث إحدى المدن الكبرى البعيدة عن قريتها، المسافة عشرات الكيلومترات، لا يشغلها إلا أن تختفي تماما عن عيون الجميع، خاصة زوجها، لا تريد أن يصلوا إليها، ولا أن تلتقي أياً منهم مرة أخرى، وحطت الرحال في منطقة لا تعرف فيها أحداً ولا تعلم اسمها ولا موقعها، بكت بدموع غزيرة، وبكى أطفالها أيضا لبكائها، مرت سيدة بجوارها ورقت لحالها، توقفت عندها تسألها عن شأنها، فأخبرتها بأنها أرملة توفي زوجها منذ عدة أشهر، ولا تجد ما تطعم به صغارها ولا ملجأ يأويهم ولا ملبسا يستر أجسادهم النحيلة، وتبحث عن أي عمل أو مكان، دعتها المرأة للذهاب معها، حيث شقتها وقدمت لها ولأولادها الطعام والشراب، ثم تركتها في غرفة جانبية لتنام، حيث يبدو عليها الإرهاق والتعب. هناك في القرية عاد الزوج في موعده يحمل الخبز والجبن، وبعض الخضراوات كما اعتاد فلم يجد زوجته وأولاده، ووجد الباب مغلقاً، لم ينزعج فقد اعتقد أنها توجهت بهم إلى بيت أبيها غاضبة على إثر آخر مشاجرة وقعت بينهما الليلة الماضية، وقرر أن يتركها يومين أو ثلاثة ثم يتوجه لمصالحتها وإعادتها، فهذه ليست المرة الأولى التي يحدث فيها بينهما شقاق واختلاف، بل لا يكاد يمر يوم بلا مشاكل، يضربها ضرباً مبرحاً، ويمكن أن يدمي جسدها أو وجهها ويصيبها بجروح، لذلك نام بعد عودته، وهو يتوقع أن هذا هو الذي حدث. قبل أن ينتهي اليوم الأول علم أن زوجته لم تذهب إلى بيت أبيها الذي يبعد فقط عشرات الأمتار، فتوجه إلى هناك ليتأكد من ذلك فأخبرته أسرتها بأنها لم تأت، ولم يروها هي ولا أولادها على الإطلاق في هذا اليوم، هنا استشعر الجميع أن في الأمر شيئاً، بحثوا عنها في كل مكان يمكن أن تصل إليه فلم يعثروا لها على أثر، وبعد أن أعياهم البحث وانقطعت بهم السبل اضطروا إلى التوجه إلى قسم الشرطة لتحرير محضر بتغيبها بلا معرفة الأسباب، ولا الظروف ولا إلى أين توجهت، ولا إذا ما كانت قد تعرضت هي والصغار لمكروه، وإن كانت التحريات أكدت وجود خلافات دائمة بينها وزوجها، لكن هذا لم يغير في الأمر شيئاً. الزوجة الهاربة «سنية» قضت ليلتها في هدوء لكن أيضاً في صراع نفسي بين الاستمرار فيما أقدمت عليه والعودة بأطفالها، لكن الجحيم الذي تعيشه يجعلها أمام خيار واحد، لأنها تعرف أنها لو عادت، فسوف يجبرها أبوها وإخوتها على التصالح مع زوجها، والرجوع إليه كما يحدث في كل مرة حتى وإن كانوا يعنفونه ويوبخونه على تصرفاته، لكنه لم يغير من أسلوبه معها، لذلك لم تكن مترددة في قرارها، لكنها خائفة من المجهول القادم في المستقبل القريب، وفي الصباح الأول لها كانت المصارحة مع السيدة التي استضافتها، اعترفت لها بأنها كذبت عليها وليست أرملة كما أخبرتها من قبل، ولكنها متزوجة، وأنها تعاني الأمرين من زوجها ومعاملته غير الآدمية، فعرضت عليها أن تظل عندها تخدمها، حيث تقيم هي وزوجها وحدهما، ولم يرزقا بأطفال، ومقابل ذلك ستقيم معهما في غرفة جانبية تخصصها لها هي وأطفالها. هناك في القرية لم يحدث جديد، وتعامل الجميع مع الأمر الواقع بمرور الأيام، واستسلموا بعدما لم تأت جهود البحث ولا المعلومات بأي أخبار عن اختفاء الزوجة وأطفالها، خرجت التفسيرات والتوقعات، ومعظمها يركز على أنهم قد يكونون تعرضوا لحادث ولم يتم التعرف عليهم، بينما هنا سارت الأحوال طبيعية عادية، «سنية» تعمل في البيت تقوم بأعمال النظافة وشراء كل المستلزمات من السوق، وتتناول طعامها هي وأولادها وتنعم بالكثير من الملابس القديمة التي تخلت عنها مخدومتها «نجاة»، التي كثيرا ما تشتري ملابس وتسرف في ذلك، وبالتالي تستغني عنها بسرعة، وتكون من نصيب «سنية» التي تغير شكلها تماماً، والذي يراها لا يتعرف عليها بسهولة، وقد أضفت عليها تلك الحياة نضارة كانت غائبة. هذا التغير في حياة «سنية» جعلها مقبولة في عيون من تتعامل معهم، وقد ألقى بائع الخضراوات الذي تشتري منه يوميا تقريبا ببعض الكلمات على مسامعها تعني رغبته في الارتباط بها، مع علمه بأن لديها ثلاثة أطفال، وبالحوار تقبل ظروفها كلها، اتفقا على الزواج لكنه اشترط عليها أن تترك هذا العمل كخادم،ة وتقيم معه في بيته ووافقت، توجهت بالنبأ السار كما رأته إلى مخدومتها، إلا أنها وجدت رد فعل غاضباً ورافضاً لأنها استمرأت هذا الوضع ولن تستطيع أن تستغني عنها، ولن تجد من تعوضها، وتقوم مقامها وتتحمل كل هذه المسؤوليات، غير أن «سنية» أصرت على موقفها وأعلنتها صريحة بأنها تريد أن تعيش حياة طبيعية، وهي في الأصل ليست خادمة، ولن تستمر طويلا في هذا العمل الذي لا تحبه، وإنما لجأت إليه مضطرة في ظروف صعبة وقد انتهت، وطالبت بأجرها كاملًا عن السنة الماضية التي قضتها في العمل عندها، ولم تجد إلا رفضاً تاماً، وعليها أن ترحل كما جاءت. وجدت «سنية» الطريق أمامها مسدوداً، ولن تستطيع أن تحصل على حقها فقررت الانتقام منها، وادعت استمرارها معها والبقاء في خدمتها حتى جاءتها الفرصة المناسبة، استغلت خروجها هي وزوجها، وقامت بسرقة كمية من المجوهرات والأموال والأوراق الخاصة، ومنها جواز السفر والبطاقة الشخصية، وغيرها لتحرق قلبها عليها، وكان الرجل الذي يريد الزواج منها في انتظارها، وقبل أن يتوجهوا جميعا إلى بيته الذي أعده للزواج اتجهوا لعقد القران، لكن المرأة البسيطة كانت تخفي داخلها شيطانة كامنة، فقدمت أوراق مخدومتها الرسمية منتحلة شخصيتها، وبذلك تمت الزيجة باسم غير حقيقي، وكأنها لا علاقة لها بما يحدث، ويبدو أنها كانت تعد لشيء ما في نفسها، وتخطط للمستقبل بخبث. بدأت «سنية» حياتها الجديدة مع زوجها الذي قدمت له المسروقات التي استولت عليها، لكنها احتفظت ببعضها سراً بعيداً عن عينيه، خشية غدره، وادخاراً إذا احتاجت إليها في يوم من الأيام، وصدقت توقعاتها، فبعدما انتهى زوجها من إنفاق كل ما وقع تحت يديه رفض الإنفاق على أطفالها، وطالبها بأن تعود للعمل لتتولى هي مسؤوليتهم، ونكث بوعده لها بأن يعتبرهم مثل أبنائه، وانتهى الأمر بالطلاق بينهما بعد أربعة أشهر، وطردها في الشارع ليلًا هي والصغار، فاضطرت لاستئجار غرفة لتقيم فيها بما أخفته بعيدا عنه، ومن ناحية أخرى لم تصل إليها معلومات الشرطة للمرة الثانية، بعدما أبلغت «نجاة» عنها، واتهمتها بسرقة أموالها ومجوهراتها وأوراقها الثبوتية المهمة. بعد شهر واحد التقت «سنية» طليقها، وتبادلا حديث الذكريات القريبة، وكلمات العتاب التي انتهت إلى التصالح والعودة مرة أخرى، وكان لا بد أن تستخرج صورة من شهادة الطلاق لكي يتم عقد القران من جديد لأنه رغم أن عدتها الشرعية لم تنته، لكن لأن الطلاق تم بشكل رسمي كان لابد أن تستخرج أوراقا رسمية بذلك، توجهت إلى المصلحة، وقدمت البطاقة الشخصية التي تحمل اسم مخدومتها «نجاة»، لكن إذا كانت من قبل خدعت زوجها الأول وهربت منه وخدعت مخدومتها وسرقتها، وهربت وخدعت الزوج الثاني وتزوجته باسم مزور، لم تستطع أن تخدع الكمبيوتر، الذي أظهر على الفور الفارق بين الشخصيتين والصورتين، والتزوير الواضح. لم يكن الأمر صعبا لاكتشاف ما حدث، وتم التعرف على حقيقة المرأة اللعوب، وبمجرد مواجهتها بأنها ليست «نجاة»، وجاء الكمبيوتر بصورتها الحقيقية ومعلوماتها التي تضمنت هروبها واتهامها بالسرقة واختفاءها والتزوير وارتكاب جريمة الجمع بين زوجين، انهارت واعترفت بكل ما اقترفت من جرائم، واصطحبها رجال المباحث إلى حيث محل إقامتها الأساسي ليتعرف عليها زوجها الأول، فكانت المفاجأة أنه توفي كمدا بعد فعلتها الشنعاء، وقتله الحزن على فراق أطفاله الذين لم يعرف مصيرهم، وكذلك تم استدعاء «نجاة» التي تعرفت عليها وأكدت أنها التي سرقت أموالها، وجاؤوا بالزوج المخدوع الثاني الذي قال إنه تزوجها، بعدما أخبرته أنها أرملة، ولا يعرف أن الأوراق التي قدمتها له لا تخصها. وجهت النيابة إليها اتهامات الجمع بين زوجين، والسرقة والتزوير، وأمرت بحبسها في جرائم لا تعرف مجموع عقوباتها.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©