السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

متعاقد مع الفشل

متعاقد مع الفشل
13 مارس 2014 22:31
فاجأني ابني بأنه يريد أن يتقدم لخطبة ابنة عمته أي ابنة شقيقتي، وتحدث مع أمه وإخوته وأخيراً وصلني الخبر، ورفضت بشكل غير مباشر تلك الخطبة لوجود خلافات بيني وأبيها منذ زمن طويل، ولم نكن على وفاق أو اتفاق في المواقف، أو وجهات النظر، لا يمكن أن تنتهي أي زيارة لي عندهم إلا بمشكلة، قد تؤدي في كل مرة إلى الخصام الذي ينعكس بالتالي على علاقتي بأختي، وبين فترة وأخرى أتوجه إليها محملًا بالهدايا وكل ما بوسعي عسى أن تعود المياه إلى مجاريها، ويتم تجاوز آثار الماضي، لكن يتكرر السيناريو بصورة طبق الأصل بما ينتهي إلى القطيعة. لم يكن رفضي إلا لهذه الأسباب، وكذلك لم يكن ابني قد انتهى من دراسته الجامعية، وليست لي أي تحفظات أخرى، فقط أخشى أن تنعكس هذه الخلافات على علاقة ابني بزوجته فيما بعد، لكن ظل الموضوع خافيا مثل النار تحت الرماد، يتجدد بين وقت وآخر ومعه ألوذ بالصمت اعتماداً على موقفي الأول الذي يعرفه الجميع، ولكن عندما تخرج في الجامعة عاد إلى مطلبه وراح يشكو لكل أقاربنا ويوسطهم عندي كي أستجيب، وفي النهاية اضطررت للموافقة بعدما أخبرته بكل الظروف التي يعرفها جيدا. سافرنا إلى هناك لنعلن الخطوبة، وقلت لعل هذه الخطوة تكون ناجزة في حل الخلافات والتقريب بيني وأختي وزوجها، وينجح في حل ما لم نستطعه على مدار السنين السابقة، وكانت البداية جيدة واللقاء حاراً، وحدث ما توقعته وكنت أتمناه، وقضينا ثلاثة أيام غير مسبوقة في أفراح وليال ملاح، وكانت سعادتي لا توصف لأنني سأستعيد علاقتي الطيبة وأمحو آثار الماضي فيما كان بيني وصهري، وثانياً لأنني حققت سعادة ابني الأكبر، وبعد عدة أسابيع عدنا للاحتفال بالخطوبة رسمياً، ودعونا الأهل والأقارب، واقترحت أن يتم في هذا الحفل عقد القران، ووافق الجميع. كان الحفل رائعاً، وسعادتي أيضاً لا توصف، وبكيت وسالت دموع الفرحة العفوية، وأنا أرى ابني في هذا المشهد الذي يحب ويتمنى كل أب أن يرى أبناءه فيه، يومها ودعت الخلافات التي كانت بيني وزوج أختي إلى الأبد، وللحقيقة فقد كان متجاوباً، ولم تكن له أي شروط في الزواج، بعدها تبادلنا الزيارات والهدايا، وسارت الأمور هادئة بلا حديث عن أي شيء لما يقرب من تسعة أشهر، وظهر ما لم نحسب له حساباً أو يرد على تفكيرنا، فقد ظهرت خلافات بين ابني وأختي وزوجها لأنهم يتعجلون الزواج، تحدثوا معه، لكن لم أعرف بما يدور إلا بعد أن تطور الخلاف إلى مشكلة وقطيعة. ابني لايزال عاطلًا عن العمل، ويبحث عن وظيفة منذ تخرجه قبل عامين، لكنه لم يجد عملًا مناسباً، وقد طرقنا كل الأبواب المتاحة، وبحثنا عن فرصة سفر فلم نجد، وكانت هذه هي أم المشاكل التي واجهتنا ولم نجد لها حلًا، وهم يستعجلوننا لأنهم يرون أن فترة الخطبة قد تطول أكثر من اللازم، وبذلك قد تفوت الفرصة على ابنتهم في زيجة جيدة، ولم يمهلوه فرصة حتى يستطيع أن يشتري شقة، وبالطبع سوف أساعده بكل ما استطيع، ووضعوا أمامه العقدة في المنشار، إما أن يتخذ خطوات جادة، وإما فسخ الخطبة، وكما قلت لم أعلم بهذا كله إلا بعد أن وصل إلى هذه النقطة، وسافرت إليهم لمناقشتهم في الأمر، فأصروا على موقفهم، ورفضوا كل الحلول والاقتراحات التي عرضتها عليهم، ومنها أن يتم الزواج مؤقتاً في بيتي إلى أن يجد ابني عملا ونتمكن من شراء شقة وتأثيثها، فرأوا أن ذلك بعيد المنال، وقد يستغرق أعواماً طويلة. تصلب زوج أختي في موقفه، وعاد إلى سيرته الأولى وطريقته القديمة في الكلام والخروج عن الأصول واللياقة، افتعل معي مشكلة كبيرة وتطاول عليّ بالكلام الجارح، وحرصا على أختي وابني وخطيبته تنازلت وتجاوزت عن كل أخطائه وأغلاطه، وتركتهم عساهم أن يراجعوا انفسهم ويكون للصلح مكان، ولكن تم التصعيد والإصرار، ولم يكن أمامنا إلا أن نستجيب لمطلبهم مضطرين، وتم الطلاق بين ابني وابنة أختي بعد عام من الخطبة وعقد القران، وأصبحت العلاقات بيني وزوج أختي في أسوأ حالاتها منذ تعارفنا، وكانت القطيعة التامة بين الأسرتين. تسبب ابني من دون قصد في قطع الأرحام، أو ساهم في ذلك بإصراره على تلك الزيجة التي انتهت بالفشل قبل أن تبدأ، وأنا هنا لا ألومه، ولكن أقول إنه لم يقدر عواقب ما حدث ولم يعتبر بما كنت أتحفظ عليه في الرفض الذي أبديته، وكنت مصراً عليه في البداية، وكانت نظرتي في محلها وقرأت ما يمكن أن يحدث وقد وقع وقطع شعرة معاوية بيني وأسرة أختي التي أصبحت هي الأخرى طرفاً في الخلاف، وألقت هذه الواقعة بظلالها علينا جميعاً، وعشنا عدة شهور متأثرين بها، فقد كانت مثل الجرح الذي أصبنا به فجأة، واستغرق وقتاً طويلًا في التداوي والشفاء. التحق ابني بالعمل مندوب مبيعات في شركة للمياه المعدنية، مع سائق سيارة يجوبان المدن والمحال للتوزيع، وهو يتحمل مسؤولية الأموال حصيلة البيع وتوريدها للشركة في نهاية كل يوم، وقد كان عمله مخاطرة، فنظل أنا وأمه متوترين من الصباح الباكر إلى أن يعود متأخرا، ولا نستريح أو ننام بسبب القلق عليه، وارتضينا بهذا العمل حتى ينشغل فيه وليس أمامنا اختيار غيره، وحتى عندما فكر في تغييره لم يجد إلا عملًا مماثلًا في شركة للمواد الغذائية، تأقلمنا مع هذا الوضع، وعايشناه وأصبح طبيعياً في حياتنا. فكر ابني مرة أخرى في الارتباط، ولم يكن عمره قد تخطى الثالثة والعشرين، العروس هي زميلته في العمل، سكرتيرة مدير الشركة، هذا كل ما نعرفه نحن عنها وهو أيضا، ارتبط بها عاطفياً، وكانت لي تحفظات أيضاً على اختياره لأن الأسباب الأولى التي كانت وراء «الطلاق» وفشل التجربة الأولى مازال معظمها قائما، علاوة على أننا لا نعرف إلا القليل عن الفتاة وأسرتها، ولكنه كعادته وبعناده أصر على الارتباط بها، رفض أن يسمع النصيحة أو الاستفادة مما سبق، وتوجهنا لقراءة الفاتحة، ووجدت أن هناك اختلافات كبيرة بين الأسرتين، وتوقعت ألا يكون بيننا تفاهم، وعلمت أن أحد أسباب إقدامه على هذه الخطبة هو أن ينسى التجربة السابقة ويتخطى آثارها. لم يمض سوى شهرين حتى وجدت زوجتي تهمس في أذني بأن ابني يريد فسخ الخطبة، ولم نكن خلال هذه الفترة تزاورنا ألا مرة واحدة، ومازلنا نجهل عنهم كل شيء، وقد كانت الكلمات صادمة لي، لأن الولد اختار بنفسه، واتخذ قراره الثاني بنفسه، ويتخذ قراراته بلا حسابات، فقط بمجرد أن رأى فتاة أو يريد الارتباط وهذا وحده لا يكفي، وعلمت أن ابني اختلف مع خطيبته لأنه يريدها أن تترك العمل، فهو يغار عليها ويريدها أن تبقى في البيت، وفشلت الفتاة في إقناعه بأن تعمل إلى أن يتم الزواج، لكنه أصر على موقفه واتخذ قراره منفرداً، وأبلغهم به من دون الرجوع إليّ، وكذلك لم يشركني في المناقشة، أو ما أقدم عليه، وتوجه وحده لاستعادة الشبكة الذهبية والهدايا التي قدمها لها، وأنهى الأمر. غضبت من تصرفاته، وعبرت له عن ذلك صراحة، لكنه لم ينطق بكلمة واحدة، فهو ينتقل من خطأ إلى خطأ، ولا يبالي ويفعل ما يريده من غير دراسة أو استشارة، وهو يعتقد أنه حكيم الزمان الذي يعرف كل شيء، وحاول أقاربنا وأصدقائي المقربون الذين يعرفون التفاصيل أن يهدئوا من ثورتي باعتبار أن هناك اختلافات بين أفكارنا، باعتبارنا من جيلين مختلفين، ويجب أن اتركه يخوض تجاربه بنفسه يخطئ مرة ويصيب أخرى، وأنه في زمان غير زماني والدنيا تغيرت وتعبيرات من هذا القبيل لم أكن مقتنعاً بمعظمها، فيجب أن نستشير ونتشاور ولا ننفرد بالرأي مهما كان الأمر صغيراً. ابني مازال يتنقل من عمل إلى آخر بلا سبب، يتركه فجأة ثم يتعطل ويعود ليبحث عن غيره من جديد، ولا يبقى في وظيفة أكثر من ثلاثة أشهر، لذلك لم يدخر أي مبلغ طوال أربع سنوات قضاها متنقلا بين الشركات والمصانع والأعمال وكلها في القطاع الخاص، حيث ينفق كل ما يقع بين يديه ويحصل عليه، لا يحب أن يسمع النصيحة، خاصة أن فرص العمل محدودة ويجب أن يستقر في مكان حتى يحقق ذاته، ويسير في الطريق الصحيح بدلًا من التنقل الذي لا يفيد ويبعثر المجهود الذي يضيع سدى بلا فائدة أو نتيجة. ابني يكرر تصرفاته غير المحسوبة، ويريد الآن أن يتقدم لخطبة ابنة خالته الطالبة بالجامعة، وللأمانة هي متوسطة الجمال، وأقل جمالا من الفتاتين السابقتين اللتين ارتبط بهما، وأضع يدي على قلبي من أسلوبه ولم أعد أثق به، وأخشى أن أوافق على هذه الخطبة ويعود مرة أخرى لنفس أسلوبه فيتسبب في المزيد من قطع صلات الأرحام، وكما خسرنا أختي وأسرتها نخسر شقيقة زوجتي وأسرتها، وما يزيد من مخاوفي أن الفتاة مصرة على إكمال تعليمها، وهو الآن في السادسة والعشرين من عمره، والسنون تمر سريعة، وأخشى عليه من هذا التخبط والمزيد من الفشل والتردد والتراجع، أجدني في جانب، والجميع في جانب آخر يخالفونني الرأي والموقف، وأنا خائف مما هو آت.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©