الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نقر العصافير

نقر العصافير
22 مايو 2008 02:47
هؤلاء الشعراء الذين ينثرون عطر الحب والجمال في أرجاء الكون على مر العصور كانوا لا يتورعون أحياناً عن البوح بشيء من أسرارهم الحميمة· وعلينا أن نتذكر أن نصف البشر في عهودهم كن إماءً يحل التمنع بما تملك الأيدي منهن والتغني بذلك دون حرج ديني أو أخلاقي· فبوسعنا دائماً ونحن نقرأ الأشعار أن نضيف همساً ''قال في جاريته'' حتى نرفع عن أنفسنا مثل هذا الحرج الذي تفرضه الثقافات المحافظة، ونخلص إلى متعة الفن والجمال حتى نتدرب على أخلاقيات الإبداع، وهي تخضع لمبدأ الحرية التي تتعالى على كل ضرورة· عقد السريّ الرفاء في كتابه الذي نعتمد على قراءة أشعاره باباً بعنوان ''في العناق وطيبه'' أورد منه ثلاث قطع مؤدبة؛ أولاها لابن المعتز يقول فيها: ما أقصر الليل على الراقدِ وأهون السقم على العائدِ يفديك ما أبقيت من مهجتي لستُ لما أوليت بالجاحدِ كأنني عانقت ريحانة تنفّست في ليلها الباردِ فلو ترانا في قميص الدجى حسبتنا من جسد واحدِ وربما جاز لنا أن ناخذ على ابن المعتز أنه يوازي في البيت الأول بين قصر ليل الوصال وهوان المرض على الفؤاد، مما يقرن الحبيب بالمريض بينما هو في أوج عافيته، وفد تكون القافية هي المسؤولة عن هذا الربط، لكن ذلك لا ينقص من جمال صورة الريحانة التي تتنفس في الليل البارد، والجسدان وقد أصبحا كتلة واحدة· أما الصولي، فهو يستغرق في توصيف العناق بذكر الحلي والزينة قائلاً: طـــــــــــــال عمـــــــــــر الليـــــــــــــــل عنـــــــــــــــدي إذ توّلعـــــــــــــــــــت بصــــــــــــــــــــــــدّي يا ظلوما نقض العهد ولم يوف بوعدِ أنسيت إذ بتنا على مرقدِ وردِ واعتنقنــــــــــــــــــــــا كـوشــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاح وانتظمنـــــــــــــا نظـــــــــــــــــم عقــــــــــدِ وتعطفنــــــــــــــــــــــــــــــــــا كغصنــــــــــــــــــــــــــــــــين فقـــدّانــــــــــــــــــــــــــــا كقــــــــــــــــــــــــــــــــــدِّ جــــــــــــــاد خــــــــــــــــــــــــــــــــــداك بـــــــــــــــــــــــــورد لـــــــــــي والنشــــــــــــــــــــــر بِنِــــــــــــــــــدِّ وثنــــايــــــــــــــــــــــــــــــــاك بــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــراح وبمســـــــــــــــــــــــــــــكٍ وشهـــــــــــــــــــــــدِ ونلاحظ أن الصولي ذا المزاج ''البارَوكي'' مشغول في هذه الأبيات بنظم مظاهر الطبيعة وخمائلها في وشاحه الشعري المزين بالعقود والورد، مستحضراً ذاكرة الشعر في تشبيهاته المكدّسة حتى ليجعل الثغر وحده مناطاً للخمر والمسك والشهد دفعة واحدة، مما يوحي بأن لحظة الوصال لم تكن تعنيه بقدر ما تهمه أناقه النظم، فنفرغ من أبياتة دون أن تمس مشاعرنا· أما ابن المعتز، فهو أشد إنسانية ورهافة وتمثيلاً لحالة الحب في مثل قوله: وكم عناقٍ لنا ولكم قُبل مختلسات حذار مرتقب نقر العصافير وهي خائفة من النواطير يانع الرطب هذه الرجفة التي يمتزج فيها الخوف بلذة الاختلاس، وصورتها البديعة في ''نقر العصافير'' هي التي تبقى في ضمير الشعر وتضاف إلى لوحاته الخوالد·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©