الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الرأسمال المتوحش

الرأسمال المتوحش
22 مايو 2008 02:45
من السمات التكوينية للرأسمال المتوحش، معاداته المتطرفة للقيم الأخلاقية والإنسانية، الثقافية والجمالية· أي معاداته للإنسان والطبيعة والفن، وتركيز طاقته القصوى على الربح، السريع خاصة، الذي يقود بطبيعته الى الجشع والاستحواذ وسحقِ الآخرين من أبناء جلدته وغيرهم، في حالة الرأسمال العالمي، كالشركات العملاقة المتعددة الجنسيات التي تمسك بعنق الكون، حتى آخر زفرة ونفَس· وإذا كان هذا الرأسمال المتعدد الرؤوس والمفاصل والجهات، تختلف تجسيداته من بلد الى آخر، ومن دولة الى أخرى، فهو في البلدان المتحضرة يمكن للقوانين والتشريعات أن تكبح جموحه الرهيب في الاستحواذ والسحق، لصالح مكتسبات تبلورت واستقرت عبر أجيال ومعاناة· وهي ثمرة التطور الحضاري الطبيعي والمؤسسات المدنية التي تقر لمن هم في أطرها المجتمعية، بتلك المكتسبات الحقوقية والإنسانية· هذا الرأسمال هو غيره في البلدان التي تخلفت عن ذلك السياق الحضاري المدني الحقوقي· فهو في هذه البلدان يستطيع أن يخترق ويفتت ويتحايل على القوانين والتشريعات ـ إن وجدت ـ وكثيراً ما تُصنع تلك القوانين في ضوء مصالحه وأهوائه، حين تتكون وتنبني المؤسسة من عناصره الفاعلة أو ممن يحملون لبَ عقليته و''رسالته'' الظلامية، فلا يجد أمامه من يحاول كبح بعض غلّوه في الاستغلال والفتك، حتى ولو دفع البلد والمجتمع الى قرار هاويات سحيقة، تعتمل في أحشائها أصناف الغضب والأوبئة وكافة الاحتمالات الخطيرة التي ربما تقوّض بنية الاجتماع، ناهيك عن المضي نحو مستقبل أفضل·· هذه العقلية التي تقود الرأسمال في البلاد العربية، تتقاسم تلك السمات التي تنفث سموم الانحطاط الشامل، الذي يسحق البشر والحجر· ونجد تجلياته في كافة الصُعد وأوجه الحياة حيث الحطامِ والأنقاض· البشر في الشوارع بمظهرهم الرَث منحييّ الرؤوس تفترسهم المشاكل والهموم، تداهمهم الشيخوخة والأمراض في مُقتبل العمر، المُصادَر سلفاَ جرّاء هذه الهيمنة الوحشية· طرُز المعمارِ خاليةٌ من أبسطِ ذوق جمالي، تدفعك الى الحنين على سكنى الأسلاف ومرابعهم على ''فقرِها'' وبساطتِها· معمارٌ ومدنٌ أُقصي منها الجمالُ والذوق وسُحقت فيها الطبيعة ''الأم الرؤوم'' التي دِيست وانتهكت، في صالح الكتل الأسمنتية الضخمة المرتفعة بوقاحة واستفزاز، التي يمليها ذلك الرأسمال الطفيلي الذي همه الأساس التراكم الربحي الريعي السريع· مدينة مثل لندن مثلاً، على فظاعتها، مزنّرة بحزام ضخم يمتد بعيداً من الحدائق والطبيعة الباذخة· وكذلك سائر المدن الأوروبية· وإذ لا سبيل الى المقارنة على كافة الأوجه مع تلك المدن والحواضر لشقة الخلاف واتساعه، فمدن الشرق الآسيوي مثالاً لمن يمتلك رؤية ومشروعاً حضارياً على طريق التقدم والمنافسة الحقيقية· في البلاد العربية إذا ثمة من بقعة خضراء نبتت تلقائياَ تُستأصل من جذورها لتبسط الكتل والعمارات الموحشة كامل هيمنتها وجبروتها، جبروت ذلك الرأسمال الجاهل الذي لا راد لقَدَره التدميري تجاه البشر والطبيعة·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©