الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نسويات التراث العربي

نسويات التراث العربي
22 مايو 2008 02:45
تؤكد دراسات المرأة أهمية مقاومة الأفكار الشمولية التي تختزل التجربة النسوية في نموذج أحادي، فلا يمكن على هذا الأساس الحديث عن المرأة بمعزل عن سياقاتها البيئية والاجتماعية والعرقية واللونية والثقافية، ولذلك فنسوية العالم الثالث ترفض النموذج النسوي الأوروبي؛ لأنه لا يعبر عن خصوصيتها التاريخية والاجتماعية· وهذه القضية مهمة لنا تحديدا عند معاينة التجربة النسوية في التراث العربي، فهناك خصوصية لابد وأن يبحث عنها تميز الشواعر الحرائر عن الجواري والحبشيات· ولا أذكر بأن هناك مبادرات عميقة تحاول أن ترصد الجماليات الإبداعية عند الحرائر والحبشيات والجواري في التراث العربي، وإنما كل ما نصادفه من خطابات تتحدث عن أدب نسوي عام فحسب· إن من يقرأ شعر الخنساء يلمس فروقا جوهرية بينها وبين الجارية قمر، وهي بلاشك تختلف عن تجربة الحبشية الحجناء بنت نصيب الحبشيّ· والذي يقرأ شعر الخنساء يكتشف بأنها مثقلة بالتقاليد في حين يجد الجارية متخطية كل التابوهات والمحاذير، وأما الحبشية فإنها تشغل بشكل لافت بتحويل السواد إلى موضوع للشعر والفخر، ولا تحاول تبرير لونها مثلما فعل عنترة بن شداد الذي أجبرته التقاليد على أن يربط لونه بالمسك، ولا أدري ما الذي يجعل عنترة ينهزم من مواجهة الأنظمة العنصرية في حين تتصدى المرأة الحبشية للدفاع عن لونها والافتخار به؟!· وها هي الحجناء توجّه شعرها إلى الخليفة المهدي قائلة: أمـــــير المؤمنـــــين ألا ترانــــــــــا خنافــس، بيننــــا جعـــل كبير أمـير المؤمنــــــــــــين ألا ترانـــا كأنـــّا من ســــواد الليـــــل قير والملاحظة السريعة على البيتين تتجلى في أن الحجناء اختارت حشرة لوصف لونها دون أن تتحرج منه وتبرره كما فعل الشعراء من قبل، وهي بذلك تضع الخليفة في موضع لا يحسد عليه، لأنها تصور جسدها في صيغة لا تقبلها التقاليد، وكأنها بمعنى آخر تتحدى المجتمع والتمثيلات الراسخة· وأما الجارية قمر فمشكلتها تختلف عن الحجناء، لأنها تسعى إلى أن تثبت بأن تجربتها لا يمكن أن تقارن بتجربة النساء الحرائر اللاتي سخرن منها عندما كانت تسير في بيت إبراهيم بن حجاج صاحب إشبيلية الذي جلبها من بغداد، وتقول في ذلك: لـــو يعقلــــون لما عــابوا غريبتهـــم للـــــــــــه مـن أمـــــة تــــــــزري بأحــــــــــرار لا حرة هي من أحرار موضعها ولا لهــــــــــا غـــير ترسيـــــــل وأشعـــار لــــو لــم تكـــن جنــــــــة إلا لجاهلــــــة رضيت من حكم رب الناس بالنار والأبيات تؤكد اعتزاز الجارية قمر بنفسها، وتفوقها على النساء الحرائر نظرا لأنها مثقفة، ولا ترضى أن تكون جاهلة حتى ولو كان الجهل مفتاحا للجنة، والبيت الثاني يقدم فكرة عظيمة جدا، تتمثل في أن القوة متحققة في الخطاب، ولذلك فإنها تفتخر بامتلاكها اللغة التي تستطيع من خلالها أن تخلق وجودا مغايرا لواقعها· وأظن بأن قمر تعد واحدة من أهم النساء الأندلسيات اللاتي التفتن إلى أهمية مغادرة الحديث عن النموذج الشمولي إلى نموذج يفرّق بين الحرة والجارية دون أن يختزلهما في تجربة واحدة·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©