السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الجزائر في ذاكرة السويسري ميخائيل غرافنريد

الجزائر في ذاكرة السويسري ميخائيل غرافنريد
22 مايو 2008 02:43
صور عن حرب بلا شواهد، تحكي قصة الموت الذي يرقد على ضفاف الحياة، التقطها المصور السويسري ميخائيل فون غرافنريد على امتداد مشهد العنف الجزائري الذي ضرب بالسيف والدم خلال التسعينيات من القرن الماضي، يعرضها في بيروت ضمن مشروع ''أمم للتوثيق والأبحاث'' تحت عنوان: ''ما العمل ؟ لبنان وذاكرته حمّالة الحروب''· اختار غرافنريد عرض لوحاته المصورة في لبنان، انطلاقاً من مقاربة بصرية، تجسد ليس فحسب حال الحرب الأهلية هناك في الجزائر، وانما تصلح لتكون عبرة وتحذيراً من بشاعة آلة الموت التي تطرق أبواب أكثر من بلد عربي· تلك الآلة التي وثّقت مأساة وهيبة، الصبية ابنة السادسة عشرة، سجينة الذاكرة المزدحمة برؤوس تطايرت، يقدمها المصوّر من خلف قضبان النافذة بملامح حزن مزمن· يحكي قصة صورة عملاقة احتلت حيزاً مهماً في المعرض: ''حين ضربت دوامة العنف بلدها، وتحديداً بلدة ''رائس''، استباحت مجموعة من المسلحين ذبح أبناء البلدة· اغتصبوا كل شيء جميل: الحياة والصبايا والذاكرة· لكن وهيبة نجت من القدر الأسود بعدما أغمي عليها بفعل سقوط رأس جدها المذبوح بين يديها· نجت من المصير المحتوم الذي لاقته شابات في مثل عمرها''· وليس بعيداً عن وجه ''وهيبة''، ينتقل المصور الى مشهد صامت يعرض شواهد قبور مركونة بالعشرات· تفهم من الإيضاح المكتوب على لافتة صغيرة أن عائلة وهيبة لابد أنها مدفونة هناك· تقرأ: ''خلال ليلة واحدة ارتكبت الجماعات المسلحة مجزرة ذهب ضحيتها 300 شخص''· ثمة وجه ساخر غير مرئي يغلّف اللوحات الـ34 التي يعرضها غرافنريد· يلعب الوجه في محور التناقضات التي تتخبط بها شعوب خبرت الاحتلال لفترات طويلة، وتجرعت الصراع بين التيار الأصولي والآخر الحاكم· فإذا بالمرأة الجزائرية تطل مرة من ملعب كرة قدم ضمن فريق نسائي· تحمل الصورة التوضيح الآتي: ''تعتبر الجزائر البلد المسلم الوحيد الذي يسمح للنساء بممارسة لعبة كرة القدم· نساء يرتدين السراويل القصيرة ويمارسن اللعبة أمام جمهور من 60 ألف رجل''· وهناك في المقابل سيدة ترتدي النقاب والعباءة الجزائرية، محافظة لكنها لا تستغني عن خبز ''الباغيت'' (أحد مخلفات الاستعمار)، ذلك النوع من الخبز الذي ارتفع سعره عشرة أضعاف منذ العام ،1991 لكنه بقي مرغوباً، بحسب غرافنريد· وعلى الرغم من سوداوية الحرب التي يختصرها باللونين الأسود والأبيض، فإن لوحاته تحوي بوارق أمل صغيرة ملتمعة وسط الحريق الكبير· فهناك في منطقة ما، ثمة معركة تدور بين الجيش والمجموعات المسلحة· وليس بعيداً منها، آخرون يحتفلون مساءً بزفاف قريب· يرقصون، ويسهرون، ويطلقون ضحكاتهم عالياً· وهناك في وضح النهار، صبية مرتمية في أحضان شاب على ''حافة'' البحر· يعلّق غرافنريد: ''تكاد المأساة أن تنسي أن الحياة لا تتوقف''· بالنسبة الى المرأة الجزائرية، الحياة عناد ومقاومة منذ الاستعمار الفرنسي· في تلك الحقبة، حكم على ''واردية'' (63 عاماً) بالموت ثم بالسجن· بين 1991 و،2001 زار غرافنريد الجزائر مرات عديدة، التقط خلالها مئات الصور التي تفضح شتى أشكال العنف الذي ذهب إليه أطراف النزاع هناك، مما جعل منه شاهداً بامتياز على هذه الحرب التي يصفها بأنها كانت مكتومة· فإذا به يوثّق التجربة ضمن كتابه المصوّر: ''الجزائر من الداخل''، وفيلم وثائقي ومعرض صور بعنوان ''عن حرب بلا شواهد: أعرف يا جزائر أنك تعرفين''· المشكلات، قضية الأسرى المفقودين في الجزائر، والذين بلغ عددهم نحو 12 ألف مفقود· فإذا بالأمهات اللواتي يعتصمن في الساحات العامة، وفي ساحة الشهداء في قلب العاصمة، وفي مكاتب المحامين، يحولن الصور الصامتة الى كتلة فيها من الصراخ والألم ما يكفي للدلالة على حجم الحزن الذي تخلفه النزاعات ''المكتومة''· وهناك غضب على الحكومة يبينه رجل من ضحايا الحرب· يرفع الرجل لافتة تختصر معاناته: ''لابد من عرض هذه الصورة في كل مكان· فالحكومة لا تعوّض علينا نحن الضحايا· في العام ،1997 أدى انفجار سيارة الى بتر قدميّ''· تحتل الاغتيالات، وردة الفعل الشعبية، حيزاً لافتاً يختصره المصور في سلسلة تلاحق الحدث الذي استجد بعد مقتل الرئيس محمد بو ضياف''· يذيّل مجموعة الصور تلك بتعليقه الخاص: ''في الجزائر يمسك جنرالات الجيش بمقاليد السلطة· وتمسك في المقابل المجموعات المسلحة بأعناق الناس· تلك المجموعات بدورها تتمنى بأن تمسك بعنق امرأة من أجل ''دقه''· هذا ما يقوله رشيد الذي ينتمي الى جبهة الإنقاذ الإسلامية المحظورة: ''النساء أنصاف عاريات هن في اعتباره الإرهاب بعينه''· ربما من هنا بدأت شرارة الحرب في الجزائر''·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©