السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

متون

متون
22 مايو 2008 02:42
سيرة شعب بين النكبة والانتفاضة كما يرويها بهجت أبوغربية قرن الحرائق والهزائم·· والمهازل عمر شبانة استكمالاً لما كان قد بدأ به في كتابه الأول ''في خضم النضال العربي الفلسطيني''، الذي تناول فيه المناضل بهجت أبوغربية حياته وذكرياته مع النضال منذ ولادته عام 1916 إلى نكبة فلسطين ،1948 والذي أرّخ فيه لحقبة تاريخية مهمة في نضال الشعب العربي الفلسطيني ضد الاستعمار البريطاني والهجمة الصهيونية، يعود أبوغربية بجزء ثان من مذكراته هو ''من النكبة إلى الانتفاضة 1949-·''2000 مدرسة الشعوب في هذه المذكرات التي صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، وجاءت في 580 صفحة و47 فصلاً وغلاف مقوى، يقترب أبوغربية كثيراً من السياسات العربية التي قادت إلى النكبة وقيام الدولة الصهيونية، ثم استمرار ما تنتمي إليه تلك السياسات التي يدعوها المؤلف بـ''مدرسة نوري السعيد''، في مقابل سياسات ما يسميه ''مدرسة الشعوب''، سياسات تتصارع لتصنع مصير المنطقة· ففي المدرسة الأولى عقيدة تقوم على مقولات منها أن العرب شعب متخلف ضعيف بما يعنيه ذلك من استهانة بالقوة الشعبية والتيئيس من إمكانية الاعتماد عليها، واعتبار أن الصهيونية والإمبريالية قوى جبارة لا قبل لنا بها، ولا نستطيع مقاومتها، وأن لهذه القوى مصالح في بلادنا لا يمكن منعها من تحقيقها، ثم إن التعاون مع هذه القوى يمكن أن يوصل إلى صيغة تحفظ مصالح الطرفين· أما المدرسة الثانية، مدرسة المقاومة، فعقيدتها تقوم على أساس الثقة بالشعب الذي يملك قوة جبارة تستطيع مجابهة أعتى قوى الظلم، إذا ما توفرت لها قيادة تنظمها وتحرك قواها وتسير بها نحو تحقيق أهدافها وفق برامج مدروسة· ويرى أبوغربية كيف أن شعبنا العربي قد عاش النصف الثاني من القرن العشرين في حال فصام بينه وبين حكامه، مغيباً مقموعاً ومعارضاً لسياساتهم، وفي مجابهات داخلية تشل إمكانية مقاومته للأعداء· أنا تائه يخصص المؤلف الفصل الأول من كتابه لردود الفعل على النكبة، حيث يسلط الضوء على أبرز الوقائع في الأردن وسوريا، وأولها اغتيال الملك عبد الله ومعارك رفض حلف بغداد وتعريب الجيش الأردني وسواها، أما سوريا فقد شهدت مجموعة من الانقلابات العسكرية، ثم شهدت قيام الوحدة مع مصر، ولم يلبث أن وقع الانفصال، وقامت ثورة يوليو 1958 التي أطاحت الملكية وقضت على نوري السعيد· وعن ذكرياته مع تلك الفترة يقول في مطلع الفصل الثاني ''بعد أن أنهيت علاقتي بقيادة جيش الإنقاذ في شهر مارس 1949 كان علي أن أبحث عن عمل وعن مجال نضالي جديد·· كانت الكلية الإبراهيمية في القدس التي يملكها أخي نهاد أبوغربية هي ملاذي الدائم، فقد كان أخي نهاد لا يعترض على توقفي عن العمل كلما تطلب النضال ذلك، وكان يرحب بعودتي للتدريس في الكلية متى شئت، وعدت للتدريس فيها للسنة الدراسية 1949-1950 بعد قسط من الراحة''· ويقول أبوغربية إنه اغتنم فترة راحته ليسجل مذكراته عن الحرب والنكبة والتأمل في ما جرى من هزيمة مؤلمة، فبدأ يكتب تحت عنوان ''أنا تائه''، لكنه فقدها ضمن ما فقده بسبب حياة التشرد التي عاشها ككل المناضلين· وما بين حزب البعث ثم منظمة التحرير الفلسطينية التي كان من قياداتها، وصولاً إلى الانتفاضة الثانية التي تتوقف المذكرات عندها، أمضى أبوغربية حياة مليئة بالنضال والسجون والعلاقة المناوئة للأنظمة العربية، وفي إطار هذه العلاقة لعل أبرز ما يمكن قوله عن فكر أبوغربية هو ما يقوله عن نفسه عندما يتحدث عن انتمائه لحزب البعث إنه قرر ذلك إعجابا منه بـ''الدعوة إلى العمل الانقلابي التي يدعو إليها الحزب لاختزال الزمن وردم الهوة بين حال الأمة وبين ما يجب أن تكون عليه واللحاق بركب الأمم المتقدمة· وتكونت لدي قناعة بأن الطريق لتحرير فلسطين والقضاء على الكيان الصهيوني هما طريق الوحدة العربية تحت شعار ''وطن عربي واحد، جيش عربي واحد، أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة''، وبدون ذلك لا يمكننا التغلب على القوى المعادية''· ورغم أنه ترك حزب البعث إلا أن هذه الفكرة ظلت هي التي تحكم توجهاته وسلوكه السياسي حتى اليوم''· يقف أبوغربية عبر فصول كتابه هذا في محطات أساسية من محطات النضال الفلسطيني، وكذلك لدى العمل السياسي الأردني، خصوصاً من خلال حزب البعث الذي يخصص له فصلاً كاملاً، لكنه يتحدث بالتفصيل أكثر عن منظمة التحرير وفصائلها حديث العارف من الداخل، لذا فهو يروي الكثير من التفاصيل والأسرار المهمة التي عايشها، أو اطلع عليها، سواء بخصوص أسماء الأشخاص أو الوقائع، فهو يوثقها من ذاكرة لا تترك شاردة ولا واردة، وتعجز أية كتابة عن حصر مئات، بل آلاف، الشخصيات التي يرد ذكرها في الكتاب، ممن ربطتهم بالمؤلف علاقات ذات طبيعة متعددة· أكثر من مذكرات أهمية هذه المذكرات تكمن أساساً في كون كاتبها هو من قلة قليلة من الفلسطينيين الذين كتبوا مذكراتهم، فرغم الزخم الذي تنطوي عليه ''القضية'' لم يكتب سوى القليل من تاريخها، وما كتبه أبوغربية هو من هذا القليل· الأهم أن أبوغربية في كتابه هذا لا يؤرخ فقط، بل يسرد ذكرياته ويحللها من خلال مواقفه المعارضة، معارضة ونقد حاد للأنظمة الحاكمة ومعارضة لمؤسسات وقادة منظمة التحرير التي عمل فيها، وكان من أشد نقاد الزعيم الراحل ياسر عرفات وسياساته· وفي سياق ذكرياته لا يمتنع عن الاستناد إلى شهادات ومذكرات ودراسات لها علاقة بما يرويه أبوغربية، فهو لا يلتزم بالذاكرة وحدها، بل يلجأ إلى الآخرين ليعزز روايته بقدر أكبر من الصدقية· والأشد أهمية هي تلك الصراحة المعمقة التي يكتب بها وهو يتناول شخصيات سياسية عربية كتابة يمكن أن تتسبب له في عواقب وخيمة· صفحات مجهولة من يوميّات كلوديا كردينالي الممثلة الإيطالية المولودة بتونس غزل واستغلال في عالم الرجال الطيب بشير ''إن شاء الله: هذه الجملة بقيت دائماً منحوتة في قلبي وفكري، ولاشكّ أنّ جذوري التونسيّة جرت في عروقي ودمي، وإنّي أصبحت مؤمنة بأنّه لن يحصل لي إلا ما كتب الله لي· إني أؤمن بالحظ، ولكني أؤمن أكثر بالقضاء والقدر خلافاً لعديد الممثلات الشهيرات كبريجيت باردو مثلاً''· هكذا تحدثت الممثلة العالميّة كلوديا كردينالي في مذكّراتها الصادرة باللغة الفرنسية بعنوان ''قصّة حياة''، والتي أكّدت فيها أنها ولدت وعاشت بتونس، وعام 1957 تمّ انتخابها في حفل خيري ملكة جمال الإيطاليات التونسيات، وهو اللقب الذي فتح أمامها باب السينما والشهرة والعالمية· قصّة مؤلمة كشفت كلوديا كردينالي في مذكراتها عن تفاصيل قصّة مؤلمة حصلت لها في تونس عندما كانت يافعة، تقول: ''إني أبدو دائماً مبتسمة وهو سلاحي للدفاع وحماية نفسي، أضحك كثيراً، ولكن ابتساماتي لم تكن أبداً وسيلة تواصل بل هي بالنسبة لي سور أحتمي به لمنع الآخرين من النبش في داخلي خلف أبوابي المغلقة، والحقيقة أنّ وراء ابتساماتي ألم دفين وهو كحجر وسط صدري، والسبب: حادثة مؤلمة حصلت لي بتونس، وإني أشعر بالحاجة للكشف عنها وأجد صعوبة في ذلك: إنّها قصّة ولادة ابني الأول باتريك· هي ليست قصة حبّ، بل قصّة مؤلمة ومهينة، فقد وقعت في غرام رجل وأنا في السابعة عشرة من عمري· كان يتبعني كظلّي عند خروجي من المدرسة متغزلاً متودداً إلى أن نجح في ربط علاقة بي، وذات يوم خدعني بالقول إننا سنحضر حفلة ولكنه أخذني على متن سيارته إلى مكان آخر، كذب عليّ وأدخلني عنوة إلى بيت وأغلق عليّ بالمفتاح، خرجت من هذا المنزل يائسة وفكرت في الانتحار عقاباً لنفسي، عشت هذه التجربة الأليمة في صمت ووحدة قاتلة، ولا أحد من أسرتي تفطن لما حصل لي، فالرّجل فرنسيّ ثريّ وكنت أجهل كلّ شيء عنه، غرّر بي وكلما أذكر هذه الحادثة فإني أعيشها ككابوس· وتتابع: بعد فوزي بجائزة ملكة جمال الإيطاليّات في تونس كانت هديتي سفرة لحضور مهرجان سينمائي بمدينة البندقية، وبعد عودتي إلى تونس تفطنت إلى أني حامل، واقترح عليّ الفرنسي الذي تسبب في حملي الإجهاض، ومن حسن الصدف أني تلقيت بسرعة دعوة لتمثيل دور سينمائي بإيطاليا، وكانت تلك فرصة لإنقاذ نفسي من فضيحة عائلية واجتماعية· أخفيت حملي أثناء تصوير أول فيلم لي بإيطاليا بارتدائي ملابس داخلية لا تظهر انتفاخ بطني، ومرّت فترة الوحم في السر· فكرت فعلاً في الانتحار، وعندما بلغ الحمل سبعة أشهر كتبت إلى الرّجل الفرنسي لأعلمه بأني أشعر باليأس وطلبت مساعدته بما أنه المتسبب في حملي، ولكنه تجاهلني وتجاهل الطفل الذي يتخبط في أحشائي· ولد ابني يوم 9 اكتوبر 1958 من أم عزباء وأخفيت بطلب من شركة الإنتاج التي تعاقدت معها ولادته على الصحافة وعلى الوسط الفني، ولم يعلم أحد أني أصبحت أمّاً، وهو جرح مؤلم أرّقني وآلمني طويلاً· مع عمر الشريف تحكي كلوديا عن علاقتها مع عمر الشريف فتقول: كنت تلميذة بالمدرسة الثانوية عندما جاء عمر الشريف إلى تونس مع السينمائي الفرنسي جاك باراتييه وفريق كامل لتصوير شريط سينمائي، وعرضوا عليّ دوراً، وخلافاً لما كنت أعتقده فقد وافق والدي على أن أمثّل· تمّت دعوتي في فندق بتونس لاختباري، ووصلت رفقة ثلاثة من صديقاتي، وذلك من باب الحيطة والحذر· صعدت إلى غرفة المخرج رفقة صديقاتي الثلاث وهو أمر أزعجه، طلب مني أن أمثل أمامه دوراً ففعلت، لكنه اكتفى بمنحي دوراً ثانوياً كخادمة لمغنية عربية· كان عمر الشريف أول ممثل تعرفت عليه عندما جاء وقتها الى تونس وكان شاباً يافعاً، وقد تجدّد لقائي به بعد ذلك مراراً، وهو دائماً كما عرفته أول مرة رجل وسيم، والأعوام لم تترك آثاراً عليه، ففيه سحر الشرق، وهو رجل يحب النساء ويعاملهن برقة وشهامة وكرم· منتج وعشيق تكشف الممثلة كلوديا كردينالي في مذكراتها عن بداية تجربتها السينمائية في إيطاليا قائلة: ''فرانكو كريستالدي هو أحد أكبر المنتجين في تاريخ السينما الايطالية، وهو صاحب احدى اكبر شركات الإنتاج وقتها وقد تبناني، ومرّت العلاقة بيني وبينه من علاقة بين منتج وممثلة الى علاقة غرامية· كريستالدي هو من أطلقني في عالم السينما في ايطاليا والعالم، ولكنه سرق حريتي وسلبني إرادتي، فهو الذي كان يقرر مكاني· وأذكر انّ أول عقد أمضيته معه كان مثل كتاب به عشرات الصفحات والبنود وكان عليّ- وفق ما جاء فيه- أن ألتزم بألا اغير شيئاً في مظهري وألا أقص شعري الا بموافقة شركة الانتاج· واذكر أن كريستالدي كلف ملحقه الصحفي فابيو رينالدو بمراقبتي في كل سفراتي وكل تنقلاتي، وأن يعد له تقارير عن كل ما يراه ويسمعه· وعندما قررت فك قيدي من هذا المنتج وهجرته الى رجل آخر أحببته انتقكم مني شر انتقام بأن استغل علاقاته مع منتجين ومخرجين لكي لا يشغلوني، وفعلاً عرفت سنوات عجافاً، ويوم مات لم أحضر جنازته، ولم أعد اليوم أحمل تجاهه أي ضغينة، فمهما يكن هو الذي أبرزني في بدايتي· من الفصول المشوقة في مذكرات كلوديا كردينالي الفصل الذي خصصته للحديث عن نجوم السينما العالميين الذين مثلت معهم واقتربت منهم وعرفت عيوبهم وخصالهم· تقول: ''في أغلب الأحيان فإنّ الممثلين السينمائيين هم رجال يتصفون بالوسامة، والجمهور يظن دائماً أنهم أشخاص سعداء، ولكنّ الحقيقة أن الكثير من الممثلين النجوم الذين تعرفت عليهم عن كثب هم اقلّ سعادة ممّا يظنّه الناس، فهنري فوندا مثلاً كان صامتاً دائماً وكأنه رجل مهموم لا يتحدث لأحد ويفضل الانزواء، وتشارلز برونسون يشبهه، فأثناء تصويري لفيلم معه لم يكن يتجاذب أطراف الحديث مع أي كان، وبريجيت باردو امرأة غير سعيدة، ولأنها لا تحتمل الوحدة فهي دائماً تبحث عن رجال تتكئ عليهم، ولكن كلّ رجل تقترب منه كان يستغلّها ثم يهجرها· والرجال الذين نالوا إعجابي هم مارلين براندو وآلان دولون والممثل الفرنسي جان بول بلمندو، فقد عشقت هذا الآخير عندما مثلت معه، وعشت معه قصة حب لم تدم طويلاً· مع هتشكوك تقول كلوديا: ''لقد كانت لي دائماً صعوبات كبيرة في فهم الولايات المتحدة الامركية، وعندما مثلت أفلاماً بها فإنّ فريق التصوير كان دائماً يضمّ عدداً من الأشخاص هو ضعف ما تعودت عليه في أوروبا: واحد مهتم بالكراسي، وآخر مهمته تتمثل فقط في أن يمدّ لك كؤوس الماء··· كما أنّ الدقة في ساعات التصوير أمر يكاد يكون مقدساً عند الأميركان، والمؤكد أن السينما في الولايات المتحدة الأميركية هي قبل كل شيء بزنس، وصناعة وتجارة ومصدر لربح المال قبل أن تكون إبداعاً وفناً· وأذكر أنه أثناء تواجدي في الولايات المتحدة قابلت المخرج الشهير الفريد هيتشكوك، استقبلني في مكتبه بهوليوود بستديوهات اونيفرسال، وعندما دخلت مكتبه نظر لي نظرة اخترقتني، فهو رجل صعب المراس والطبع، وهو حسبما قيل لي رجل فظ غليظ مع النساء وله مركب علوّ، ويعتبر المرأة كقطعة أثاث جميلة لتزيين المكان لا أكثر· تونس: بلادي تتذكّر كلوديا كردينال أيام طفولتها وشبابها الباكر بتونس قائلة: ''ولدت بتونس وإني أستحضر صورة البيت الأول الذي عشت به بشارع جول فيري وهو شارع الحبيب بورقيبة اليوم، كنا فقراء وكنا مثل الكثيرين أثناء الحرب لا نجد ما ما نتزود به من ملح أو سكر، ووالدي كان مهندساً تقنياً في سكك الحديد، ويشرف على إنشاء سكة الحديد، وهو صقلي يتحدث الفرنسية والعربية والايطالية، وإني عشت طفولة سعيدة بمدينة ''حلق الوادي'' المتاخمة لتونس العاصمة· وكان المخرج الايطالي الشهير فريديروكو فيليني يقول لي: ''لك ميراث وغموض أصلك وأرضك الافريقية، فأنت مثل التونسيين قريبة من الأشياء والأرض والهواء· إنّ تونس بلادي عشت فيها ورايت التسامح بين المسلمين واليهود والمسيحيين وإن قيمة التسامح رسخت بكياني من البلد الذي ولدت به ونشأت فيه، كما أحب الاطباق التونسية والكسكس، وهو عندي ألذ طبق في العالم وأحب أيضاً الفطائر· الاستبداد من الخلافة للرئاسة يعرض وسيلة الحكام منذ معاوية ثلاثة عهود في ظلال الحرية د· أحمد الصاوي في هذا الكتاب ''الاستبداد من الخلافة للرئاسة'' يحاول المؤلف محسن عبدالعزيز أن يبرهن على أن الاستبداد ميل دائم لدى أغلب الحكام في تاريخنا العربي، ولا فرق في ذلك بين تغير أنظمة الحكم أو تتابع العصور والأزمان· ويعزو انحدار الحضارة الإسلامية وتدهورها الى استفحال آفة الاستبداد منذ عهد معاوية بن أبي سفيان، وتقع المسؤولية في ذلك على المثقفين من أصحاب المصالح الخاصة، وهو يرى هؤلاء بمثابة المحرضين على الاستبداد والمبررين لممارساته، ويقدم محسن عبدالعزيز صوراً متتابعة من سير الحكام، مقارناً بين الماضي وما يجري في أيامنا بلغة درامية مشوقة وتوظيف فعال للنصوص التاريخية القديمة· أطول بيعة يتوقف المؤلف عند إجبار معاوية بن أبي سفيان المسلمين على مبايعة ابنه يزيد بالخلافة من بعده باعتبار ذلك الحدث من أهم ما أسس للاستبداد في تاريخ الأمة، معتبراً أنها أطول بيعة في حياة العرب· ويشير الى مواقف الأطراف المختلفة من المثقفين، آنذاك، من تلك البيعة، ويعتبر المغيرة بن شعبة هو المسؤول عن الإيعاز لمعاوية بأمر البيعة تجنباً لعزله عن الكوفة ويوزع أدواراً مختلفة على شخصيات تاريخية أخرى، وإن لم يفته ان ينقل عن المغيرة بعد إقناعه لمعاوية بأخذ البيعة لابنه يزيد قوله: ''لقد وضعت قدم معاوية في غرز لا يزال فيه الى يوم القيامة''· فهناك من المثقفين من قبِل ببيعة يزيد نظير منصب مثل سعيد بن العاص الذي ولاه معاوية خراسان، ومنهم من رضي- مثل عبدالله بن عباس- بمال ساقه اليه معاوية ''مليون درهم''، بل إن جمعة بنت الأشعث دست السم لزوجها الحسن بن علي بن أبي طالب نظير 50 ألف درهم، ووعد بتزويجها ابنه يزيد، فلما فعلت وفَى لها بالمال، وقال: ''حبنا ليزيد يمنعنا من الوفاء لك بالشطر الثاني''· ويورد المؤلف أقوال المؤيدين بوضوح لبيعة يزيد من أمثال الضحاك بن قيس النهري وعمرو بن سعيد الأشدق الذي أوغل في مدح يزيد الى أن أحرج معاوية الذي قال له ضاحكاً: ''اجلس أبا أمية فقد أوسعت فأحسنت''· وهناك أيضاً الموقف الخطير ليزيد بن المقفع العذري الذي فاق الجميع في موالاته لمعاوية عندما قال قولته الشهيرة: هذا أمير المؤمنين (واشار الى معاوية)، فإن مات فهذا (واشار الى يزيد)، ومن أبى فهذا (واشار الى سيفه)، فقال معاوية: اجلس فأنت أبلغ الخطباء· معارضة رخوة من الذين اتخذوا ما يسميه المؤلف موقف المعارضة الرخوة الأحنف بن قيس الذي قال عندما سأله معاوية في أمر بيعة يزيد: نخافكم إن صدقنا ونخاف الله إن كذبنا، ثم قال: وانت يا أمير المؤمنين أعلم بيزيد في ليله ونهاره وسره وعلانيته ومدخله ومخرجه، فإن كنت تعلمه خيراً للأمة فلا تشاور فيه، وإن كنت تعلم غير ذلك فلا تزوده الدنيا وأنت صائر الى الاخرة، وإنما علينا أن نقول سمعنا واطعنا· فجمع الاحنف الأمر كله ببراعة كبيرة وقال كل ما يريد قوله بطريقة تحرج الحاكم قليلاً، ولكنها لا تغضبه وترضي العامة أيضاً، ولكنها لا تقف ضد الحاكم تماماً· أما المعارضة الصلبة التي جسدها الحسين بن علي وعبدالله بن عمر بن الخطاب وعبدالله بن الزبير، فقد حاول في البداية استمالتها بالمال فأبوا وقال له عبدالله بن عمر عندما أرسل له معاوية الف درهم وعلم أنها من اجل بيعة يزيد: إن ديني عندي إذن لرخيص· فلما لم يجد معاوية أذناً مصاغية أحضرهم الى المسجد وقد وقف على رأس كل واحد منهما رجلان بالسيوف وادعى أنهم بايعوا ليزيد فلم ينطق احد منهم خشية القتل· سيرة هذه البيعة بما احتوته من نفاق وترغيب وترهيب يراها المؤلف حاضرة في تاريخ الأمة خلال عهود 13 خليفة أموياً، و51 خليفة عباسياً، و14 خليفة فاطمياً، وعشرات من سلاطين العثمانيين الذين سموا أنفسهم خلفاء، ومئات الحكام والباشوات والأغوات· وفي مقابل هذه الصورة السلبية التي تكررت في الفصول التي افردها لسير خلفاء بني أمية والعباسيين والفاطميين نجد في هذا الكتاب اطلالات على بعض الجوانب الايجابية ولا سيما محاولات التصدي للاستبداد والقضاء على اثاره واجتثاث جذوره· ويركز المؤلف بشكل كبير على العهود الاستثنائية في تاريخ الأمة فيتحدث مطولاً عن سنوات خلافة أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب، واصفاً إياها بأنها أعوام في ظلال الحرية· ويتحدث عن الصديق الذي وليَ الخلافة ثم لقيه ابن الخطاب في الطريق الى عمله كتاجر بالسوق، فقال عمر: تصنع هذا وانت خليفة· قال فمن أين أطعم عيالي؟ فقال عمر: انطلق الى أبي عبيدة يفرض لك· (وكان ابوعبيدة صاحب بيت المال) فقال ابوعبيدة: أفرض لك قوت رجل من المهاجرين ليس بأفضلهم ولا أفقرهم وكسوة الشتاء والصيف اذا أخلقت شيئاً رددته وأخذت غيره، وفرض له أربعة آلاف درهم سنوياً· وقيل كان يأخذ أقل من ذلك بكثير· أما عمر بن الخطاب فقد أضاف الى دستور الصديق مواد جديدة في أصول الحكم العادل الذي يستمد حيويته وقوته من الناس، وكانت مواد دستوره في خطبته الاولى: ''من رأى منكم فيّ اعوجاجاً فليقومه· ما أنا إلا أحدكم، منزلتي منكم كمنزلة ولي اليتيم منه ومن ماله· من يحسن نزد من حسنه ومن يسئ نعاقبه· لا يحل لعمر من مال المسلمين إلا حلتان، حلة للشتاء وحلة للصيف، وما أحج به واعتمر وقوتي وقوت أهلي كرجل من قريش ليس بأغناهم ولا أفقرهم ثم أنا بعد رجل من المسلمين''· وتتعدد في صفحات الكتاب استشهادات بمواقف عمر بن الخطاب من ولاته ومن ميل بعضهم نحو الاستبداد، إذ كان رحمه الله مثالاً نموذجياً للخليفة والحاكم العادل· ويفرد المؤلف فصلاً لعمر بن عبدالعزيز الذي يعتبره مؤمن آل فرعون ويعد فترة حكمه القصيرة بمثابة فترة استثنائية في التاريخ الأموي اذ قام بمحاولة الإصلاح عندما أخذ نفسه وأهل بيته وأقاربه بالشدة التي كان عليها عمر بن الخطاب واخذ ما كان بأيدي اهل البيت الأموي ورده الى بيت مال المسلمين حتى قال قيس بن جبير: عمر في بني أمية مثل مؤمن آل فرعون· ويتميز كتاب الاستبداد بأنه يضم لمحات من سير أبرز رجال العرب وأقوالهم المأثورة في شأن الاستبداد سواء المؤيد أو المعارض، فإلى جانب اقوال أبي ذر الغفاري أكبر المناوئين للاستبداد السياسي وما يستتبعه من تركيز للثروة في أيدي القلة نجد عبارات شهيرة لقساة من أمثال الحجاج بين يوسف الثقفي وقولة معاوية بن ابي سفيان الذي يراه المؤلف واضع علم السياسة العربي الذي يحكمنا الى اليوم عندما قال: ''إننا لا نحول بين الناس وبين ألسنتهم ما لم يحولوا بيننا وبين ملكنا، ولو أن بيني وبين الناس شعرة ما قطعتها إن شدوها أرخيتها، وإن أرخوها شددتها''· دراسات في حضارة العراق للدكتور علي القاسمي جدل الحضارة والفرد عبد القادر الجموسي أصدر الدكتور علي القاسمي كتابا جديدا بعنوان: ''العراق في القلب ـ دراسات في حضارة العراق''· فصول الكتاب عبارة عن دراسات وقراءات في حقول معرفية وأدبية متنوعة كُتبت في أزمنة تتراوح بين سنتي 1973 و2003 أي أنها تقدم لنا عصارة فكر على مدى ثلاثة عقود من الزمن، فكر رجل متمرس على قواعد البحث والتقصي والتحقيق الدقيق، كما تأرجح على أراجيح الأدب، قصة ورواية وترجمة ونقدا· إن سمة التنوع هذه جعلت الكتاب الذي بين أيدينا يتميز بحيوية وليونة بالغتين، بحيث يستطيع القارئ تناوله من مداخل عدة، دون تسلسل صارم أوترتيب مفروض، ما يضفي على القراءة مسحة من الإمتاع والمؤانسة· إلا أن هذا المُعطى لا يعني بأي حال، أن الكتاب لا ينتظمه منطق موجِّه أو رؤية شاملة· بل على العكس من ذلك، إننا نعتبر العنوان الفرعي ''دراسات في حضارة العراق '' ذا مغزى ودلالة تستحق الانتباه· الشبكة المفهومية الثقافة هي ''طريقة تفكير وأسلوب حياة تشترك فيها جماعة من الجماعات'' وهذا التعريف المستمد من حقل العلوم الأنثروبولوجية المعاصرة، يجعل من الثقافة كل ما يوحد المجتمع والأفراد داخل مجال جغرافي معين وينتظمهم ضمن نسق تفكير وطريقة عيش مشتركة· وتصل درجة التوحُّد والاتساق في مفهوم الثقافة لدى علي القاسمي إلى حد تجسيدها في كيان مشخص هو الوطن، فيصير الوطن من جراء ذلك جسد الثقافة وتصبح الثقافة ميسما للوطن وعلامة واضحة عليه· أما بخصوص مفهومي الحضارة والمدنية، فيتناولهما المؤلف بحسٍّ مقارن ودقيق يميز بين اللفظتين في الدرجة وليس في النوع، فإذا كان بعض ''الباحثين يستخدم لفظتي ''الحضارة'' و''المدنية'' وكأنهما شيء واحد''، وإذا كان البعض الآخر يرى أن ''كلمة الحضارة تختص بالتكنولوجيا والعلوم البحتة''، فإن الدكتور علي القاسمي يتحيز للتمييز الذي يضعه الانثروبولوجيون المعاصرون بين المفهومين، فهم على حد قوله: ''يعرِّفون الحضارة بأنها طريقة الحياة التي تختص بها مجموعة بشرية، وتشتمل على أنماط السلوك المكتسبة التي يفرزها الفرد والتي يتوقعها الأفراد الآخرون المنتمون إلى تلك المجموعة البشرية ويقبلونها· أما المدنية فهي نوع متقدم من الحضارة يشتمل على استعمال الكتابة ووجود المدن، والتنظيم السياسي الشامل، وتطور التخصص المهني، فالمدنية هي ''حضارة مجموعة كبيرة من السكان استمرت لفترة طويلة وتوفرت لها تلك العناصر'' · هذه هي التعريفات الأساسية التي تشكل الشبكة المفهومية التي تخترق كل الدراسات الواردة في هذا الكتاب وعلى ضوئها يشتغل المؤلف لينسج خيوط نصِّه التي تقارب الأسطورة والتاريخ والعمارة وفن السياسة المدنية، والشعر والقصة والملحمة والسيرة الذاتية· وبالنظر إلى الأهمية التي تمثلها ''مدينة بغداد'' في الوعي وفي التاريخ معا، فإن الكاتب خصَّها بدراسة عميقة مستفيضة تشكِّل أطول فصول الكتاب ·، وأكثرها تحقيقا وجمالية ودقة، إذ يستثمر فيها بحسّ علميّ مقارن، نتائج قراءاته المتشعبة الغزيرة ومحصِّلات علوم متعددة من علم تخطيط المدن والعمارة، والتفسير العلمي السوسيولوجي، إلى علم الدلالة والرمز وعلوم اللغة والتاريخ والسيميولوجيا· وقد تطلب الأمر من الباحث، استنفار كل هذا العتاد النظري والمنهجي لتسليط الضوء وتصحيح العديد من الأخطاء الشائعة عن مدينة بغداد، سواء فيما يتعلق باسم المدينة وطبيعتها وصنفها وشكلها الدائري ودلالات تخطيطها ونفقات إنشائها وبنائها· وقد اتخذ هذا الفصل، في مستوى من مستويات خطابه شكل مرافعة، معززة بالأدلة التاريخية والحجج المعرفية الواضحة، عن أصالة ومميزات المدينة الإسلامية واستقلالية شخصيتها العمرانية والجمالية والفلسفية، وعمق دلالاتها السوسيولوجية والحضارية· ويمثل النفس السجالي الذي طبع هذا الفصل، نقطة قوة في الكتاب لأنه أمده بالروح الحوارية اللازمة لحيوية الفكر وسلامة المنطق· جدل العمارة والعدل إن قراءة مظاهر العمارة لحضارة ما ليس من قبيل الترف الفكري، لأن العمارة ليست مجرد بناء خارجي مرصوص بلا روح، وإنما هي أحد مكونات الثقافة العاكسة لقيمها ومثلها ومبادئها· ويعطي الكاتب مثلا لهذه العلاقة كما تجسدت في شخص باني بغداد ومؤسسها أبي جعفر المنصور، الذي كان إلى جانب مزاولته للسلطة ''عارفا بالفقه مقدما في الفلسفة والفلك محبا للعلماء'' كما يقول عنه الزركلي في (الأعلام) أضف إلى ذلك أنه ''كان مولعا بالعمارة فشيد الهاشمية بالقرب من الكوفة حال توليه الخلافة لتكون مقرا له، ثم بنى بظهر الكوفة مدينة سماها الرصافة'' · بل إن الشكل الدائري الذي اختاره المنصور لمدينة بغداد هو كذلك فُسِّر تفسيرا مدنيا، إن لم نقل تجاوزا ديمقراطيا· وفي هذا الصدد يقول المؤرخ ابن الأثير: ''وجعل المنصور المدينة مدورة لئلا يكون بعض الناس أقرب إلى السلطان من بعض''· ويستخلص الكاتب من هذا أن أبا جعفر المنصور ''كان يدرك أن العدل أساس الملك، وأن العمارة من أركان الملك، وأنها لا تتم ولا تزدهر إلا بإقامة العدل'' وأن ''ولعه بالعمارة وحرصه عليها يجعلانه يتوخى العدل ويتجنب الظلم ويتحاشى أكل أموال الناس، خوفا من الإضرار بالعمارة''· فبغداد، بمنظومتها الثقافية والعلمية وأنساقها المعمارية والعمرانية ودلالاتها الرمزية، لم تكن مجرد مدينة عادية، وإنما كانت تجسيدا حيا وصادقا لطريقة الحياة العربية في أبهى صورها، وتعبيرا فنيا كاملا للثقافة الإسلامية· ومن ثمة ''كما عملت القيم والمثل الإسلامية على تشكيل محيط مادي متساوق، فإن الأنساق المعمارية ساعدت بدورها على تبني أنماط السلوك البشري التي تنسجم وتتناغم مع تلك القيم والمثل''· السيرة والتاريخ إذا كانت الحضارة تستدعي وجود ثقافة موحدة، وإذا كانت المدنية تفترض وجود المدينة المنظمة، فإن مسيرة الحضارة والمدينة معا لا تتقدم ولا تتشخص في الواقع المتعين إلا بواسطة الفعل التاريخي المؤسس الذي ينجزه الأشخاص والأفراد بمقدراتهم الخاصة وأحيانا الاستثنائية· على أساس هذه القاعدة نجد الدكتور علي القاسمي يولي أهمية خاصة لشخصيات التاريخ الفذة من قادة وعلماء وأدباء، كما يضع ذاتية الفرد في قلب دينامية السيرورة الحضارية· ويعطي الكاتب مثالا عن ذلك بملحمة جلجامش التي أبدعها الأدب السومري في الألف الرابع قبل الميلاد، فكانت على حد تعبيره: ''أقدم سيرة ملحمية سجلت مغامرات ومعارك وتأملات بطلها جلجامش''· ونفس التحليل ينطبق، في تقدير المؤلف، على الدين الإسلامي الذي بقدر ما يحرص على وحدة المجتمع فهو لا يلغي فردية الإنسان وشخصيته ومسؤوليته، وإنما هو على العكس من ذلك ''يؤكد الطبيعة الذاتية للفرد، والخصوصية المتميزة لكل مؤمن''· واعتبارا لدور الشخصيات التاريخية في حركة الحضارة وتقدم المدنية، فإن قارئ الكتاب سيجد نفسه أمام كم هائل من أسماء الشخوص والأعلام مع نبذةٍ من سير حياتهم ورصدٍ لأهم منجزاتهم السياسية والفكرية والإبداعية التي أثَّرت في أممهم وغيرت مسار تاريخها· نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر الإمام أبو حنيفة النعمان وفيلسوف العرب الكندي ثم الأصفهاني والرازي وزرياب وصاعد البغدادي ويوسف بن تاشفين وصلاح الدين الأيوبي، من الأدباء الأفذاذ من المعاصرين نذكر الشاعر أحمد الصافي النجفي ومحمد مهدي الجواهري والأديب المترجِم عبد الحق فاضل، ومجدد نهضة الشعر الحديث عبد الوهاب البياتي، وعبد الرحمن مجيد الربيعي·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©