السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الاعتذار عن أخطاء التاريخ

22 مايو 2008 02:14
في مطلع شهر يوليو القادم سيقف رئيس الحكومة الكندية ''ستيفن هاربر'' أمام مجلس العموم الكندي ليقدم باسم كندا اعتذاراً رسمياً تاريخياً وذا مغزى عميق للأموات والأحياء من بقية السكان الأصليين، عما لحق بهم من معاناة وانتهاك لحقوقهم وحرمان من تعليمهم لغاتهم القبلية في المدارس التي أنشأتها الكنيسة لأطفالهم، وما تعرض له الأطفال من كل صنوف العذاب والانتهاكات الجنسية على أيدي القساوسة -الأساتذة- في تلك المدارس التي هي أشبه فعلاً بمعسكرات الاعتقال· هذا الاعتذار الذي سيقدمه باسم كندا رئيس الحكومة، هو مطلب أحفاد وأبناء أولئك السكان الأصليين على عقود من الزمن ومن جميع الحكومات المتعاقبة، والدعوة للاعتذار الرسمي تحولت من مطلب للسكان الأصليين الذين وقعت عليهم تلك الجرائم، إلى مطلب شعبي ظل يحظى كل يوم بتأييد قطاعات من الكنديين من مختلف الألوان والأعراق، وأصبح ''برنامجاً قومياً'' وشعاراً للجميع· السكان الأصليون لم يحظوا وحدهم بـ''اعتذار رسمي'' عن أخطاء وجرائم التاريخ، فقد شملت هذه الاعتذارات اليابانيين-الكنديين، عن سوء المعاملة التي لحقت بهم في الحرب العالمية الثانية، والصينيين-الكنديين عـــن الضريبــــة المهينــــة التــــــي فرضـــت عليهـــــم، ومثلهـــم أيضــــاً الأوكرانيين-الكنديين، والسيخ-الكنديين، واليهود-الكنديين وخلق آخرين غيرهم، وقعت على أسلافهم أخطاء وجرائم في حقوقهم من قبل السلطة التي كانت تسيطر على كندا، وبعد وقبل تكوين الدولة الاتحادية الكندية، وهي أخطاء وجرائم تشكل بالنسبة للضمير الجماعي الكندي صفحات سوداء من سجل تاريخ كندا· المغزى والمعنى من هذه الاعتذارات الرسمية وما صحبها من تعويضات مالية وبرامج خصصت لتنمية مجتمعات السكان الأصليين، يمتد إلى أبعد عبارات الأسف والاعتذار والتعويضات المالية السخية، فالأمم والشعوب التي تحترم إنسانيتها تعرف أن أخطاء التاريخ التي قام بها السلف ستبقى آثارها الروحية والمادية المدمرة معلقة في أعناق الخلف، وأن من واجب هذا الخلف أن يسعى ويعمل لتطهير تاريخ وطنه وإزالة آثار أخطاء الماضي إذا أراد فعلاً بناء أمة موحدة ووطن موحد قائم على العدل والمساواة بين مختلف الأعراق والأجناس والثقافات المختلفة التي تشكل النسيج الوطني، حتى يشعر ويتحقق كل مواطن في ذلك الوطن الموحد أنه صاحب حق وواجب مساوٍ لكل المواطنين الآخرين· ليس هناك بلد أو شعب يخلو تاريخه من صفحات سوداء في مرحلة من مراحله، مارست فيه السلطة الغالبة ظلماً وانتهاكاً لحقوق بعض الآخرين وحرمتهم من حقوقهم في ثروات بلدهم، بل واسترقت أحياناً أخرى، وفي التاريخ أمثلة وشواهد كثيرة، لكن الإنسان الذي ارتكب في فترات من التاريخ كل ما نصفه اليوم بانتهاكات حقوق الإنسان قد تطور وعيه وتقدم وأصبحت آثام وأخطاء التاريخ بمعايير اليوم تدعو للخجل وتستدعي اعتذار الخلف عما سببه السلف من أخطاء وخطايا، ولكن الأهم من الاعتذار والكلمات المنمقة هو العمل الجاد والمخلص لتعويض ضحايا الماضي، بتطوير حياتهم المادية والروحية وإعطائهم -بالحق- نصيبهم من الثروة والسلطة الوطنية· إن الدعوة للاعتراف بأخطاء الماضي ضد بعض مكونات المجتمع ليست دعوة لإثارة الكراهية أو روح الانتقام والعداء بين المواطنين، بل هي دعوة بناءة لتطهير النفوس ورد الظلم وتحقيق العدل والانطلاق من آثار الماضي الرديء نحو آفاق مستقبل يتعايش فيه الجميع في ظل الاحترام المتبادل وتوفير الكرامة لكل المواطنين، تلك هي أهداف البرنامج الوطني الكندي للاعتراف بأخطاء الماضي التاريخية والتعويض عنها والاعتذار الرسمي من قبل الدولة، وهو ''برنامج قومي'' اتفقت عليه كل الأحزاب السياسية الحاكمة والمعارضة ويحظى بدعم ومساندة واحترام قوى المجتمع المدني كلها· صحيح أنه ليس بمقدور أحد أن يرجع عجلة التاريخ إلى الوراء، وصحيح أن آثار وجروح عقود من الزمن الرديء لا يمكن أن تنسى أو تندمل في ساعات وبخاصة الآثار النفسية البشرية، لكن مثل هذا العمل -الاعتراف بالخطأ التاريخي والاعتذار والتعويض عنه- يساعد على تخفيف الآثار النفسية على أجيال من أبناء وأحفاد المغبونين والمظلومين تاريخياً، وفي هذه التجربة الإنسانية التي ستحققها كندا الرسمية والشعبية بعض العظة والدرس لمن يريد أن يتعلم· عبدالله عبيد حسن
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©